بغض النظر كنتَ "مع" أو "ضد"، معارضا أو مؤيدا . كنت من أنصار"مرسي" أو "شفيق"، كنت ثوريا من رواد ميدان التحرير، أو من أنصار حزب الكنبة، أو "المقعد"، تفضل ـ مثل الكثيرين ـ المشي جنب الحيط، والبحث عن لقمة العيش،.. انتهى الأمر.
بغض النظر لو كنت .. أخواني، علماني، صوفي، قبطي، ليبرالي .. أو حتى بدون توجه سياسي.. انتهت المباراة، وأطلق الحكم صفارة النهاية .. إنتهى الامتحان، وظهرت النتيجة، ولا جدوى من التحسر على معلومة مهمة لم تكتبها في ورقة الاختبار.
فاز "مرسي"، وخسر "شفيق"، وتقدمت "مصر" قفزة هائلة للأمام، وعلى الفائز أن يهنيء الخاسر، فبعد أي مباراة يتصافح اللاعبون .. الخاسر يهنيء الفائز .. ، ويقول لنفسه "الخيرة فيما اختاره الله"، أو "قدر الله ماشاء فعل"، أو "خيرها في غيرها" .. أو Good Lack هذه هي قواعد الرياضة السياسية.
أعلم أن الهواجس كثيرة، والثقة في بعض الأطراف مفقودة، والخوف من المستقبل عادة مصرية بامتياز، ولكني ثقة في المصريين الذين استوعبوا كل الحضارات وهضموا كل الغزاة، ووداسوا على كل المتآمرين ، ولم يستوعبهم أحد، والتجربة ستصحح نفسها . لا يمكن وأنت تتعلم أن تقدم عملا متكاملا لا نقص فيه .. البداية غالبا ما تكون متواضعة، ولكنها تقوى بالجهد والعمل، والثورات العظيمة استغرقت عشرات السنين حتى تكتمل.
أعلم أن "المعركة" الانتخابية ولدت الكثير من الغضب، والتشنج، والعتب، والتوتر ، ولأنها التجربة الأولى فقد وصل الأمر إلى ما كنا نخافه وهو "التخوين"، وأثار التعصب الانتخابي الكثير من الشجار حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، ولكن كل ذلك لا يهم، فهذه هي قواعد اللعبة.. لابد من فائز وخاسر .. لا يمكن أن نخترع لك انتخابات يفوز بها الخصمان.
في كل دول العالم الحر رأينا مثل هذه اللحظة . انتخابات صاخبة، وعبارات حماسية، ومؤتمرات حاشدة، واستقطابات حادة، وبعد الإنتخابات يفوز من يفوز ويخسر من يخسر، وينفض "المولد الانتخابي" ويعود كل مواطن إلى عمله.
كل الشواهد تدل على أن هذه الانتخابات هي أنزه انتخابات شهدها القطر المصري . كل الدلائل تؤكد أن المصريين الذين علموا العالم عملوها، ونجحوا في إدارة عملية إنتخابية راقية تراعي أعلى درجات الصدق والتثبت . من المؤكد أن هناك تجاوزات التجربة الأولى ، ولكنها لا تؤثر على النتيجة النهائية .
نجحت الأمة المصرية في تدشين مرحلة جديدة لا تقل أهمية عن المراحل الناصعة في التاريخ .. مثل بناء الأهرامات، والسد العالي، وثورة 23 يوليو 1952 ونصر أكتوبر 1973 ، اليوم يبدأ عصر جديد من عصور النهضة الكبرى ، لتبدأ مصر في استعادة التاريخ.
قدمت مصر للعالم نموذجا فريدا لإرادة الشعوب عندما تقرر، وتثور، وتحافظ على ثورتها بالأظافر والأسنان . راهن الكثيرون على فشلنا .. وجلسوا يتضاحكون وهم يشاهدون الأسر الجريح يزأر في القيد، ويؤكدون استحالة نجاح الثورة، ويمنون أنفسهم برؤية فيلم أكشن.. حرب أهلية، ولكن الأسد المصري حطم قيوده وراح يزأر بين رعب المتفرجين.
الآن وقت الوحدة والمصالح والبناء الكبير . لا مجال للتخوين وسوء الظن .. الآن وقت العمل لتعويض سنوات طويلة فاتت علينا ونحن تحت القهر والقيد والاستعمار المحلي والأجنبي.
اليوم نشارك جميعا في حكم مصر ، لم تعد السياسة حكرا على فئة تنهش جسد الوطن، وتقتات على دمائه. اليوم نشارك جميعا في حكم مصر بالفكر ، والرأي، والرقابة الشعبية.
أنا فخور كمصري بهذا الشعب الذي قام بثورته، فخور بالقوات المسلحة التي تمكنت رغم التحديات الكبيرة من العبور الجديد، وتنظيم انتخابات حرة نزيهة . فخور بقضاء مصر العادل الحصن الحصين الصلد الثابت رغم العواصف والسهام، وحملات التشكيك، والصواريخ العابرة للقارات.
ولكن الفرح لا يجب أن ينسينا دورنا المهم في هذه المرحلة، والذي يتلخص في اليقظة، والمشاركة، والعمل، والتوعية السياسية، والمعارضة الأمينة الواعية.
مبروك لمصر أولا التي بدأت أول خطوة عملاقة نحو تأسيس أول ديمقراطية عربية، ووضعت المدماك الأول ـ بلغة البنائين ـ في بناء المستقبل الجديد. مبروك ثانيا لمحمد مرسي الرئيس رقم 446 في تاريخ مصر، وأول رئيس بعد الثورة، ومبروك لكل من شارك بالقول العمل، وبالشهداء والمصابين في هذه الملحمة المصرية الكبرى التي ستحكيها الجدات.