مشكلات تواجه الصحافة العربية
مشكلات تواجه الصحافة العربية
الصحافة صوت الأمة، ووعيها، ووسيلتها للرقي الحضاري، ولا ينحصر دورها كأداة إعلامية وإنما يتخطى ذلك إلى أدوار شتى بالغة الأهمية حيث لعبت الصحافة العربية – رغم عمرها القصير نسبياً – دوراً مهماً في توعية الشعوب ونشر الثقافة والوعي لدى أبناء الأمة العربية وحققت الكثير على صعيد اللحاق بركب الحضارة الحديثة.
وللصحافة لغتها الخاصة وهي لغة يمكن أن نطلق عليها (اللغة الثالثة) فهي ليست بالفصحى وليست بالعامية وإنما مزيج راق بينهما، ولغة الصحافة في العصر الحديث لها مقوماتها ومدلولاتها الخاصة وقد استمدت هذه المدلولات من الطابع الثقافي العام فجاءت على هذا النحو من السلاسة والوضوح.
وتعاني الصحافة العربية حالياً من عدة مشكلات تعوقها عن أداء رسالتها الكاملة كما تعوق تطورها وتجعلها متخلفة عن التطور الصحفي العالمي، بعض هذه المشكلات يرجع إلى عوامل خارجية ليست الصحافة طرفاً فيها، وبعضها يرجع إلى عوامل داخلية تخص الصحافة نفسها، وفيما يلي سنناقش أهم هذه القضايا والمشكلات:
الحرية
أولا : أزمة حرية
تعتبر الحرية أهم القضايا المتعقلة بالصحافة فهي أساس الصحافة وروحها النابض وبدونها لا تتحقق رسالة الصحافة الحقيقية، والناظر إلى واقع الصحافة العربية الآن سيكتشف واقعاً مريراً حيث تعاني الصحافة في معظم الدول العربية من الحصار الرقابي وهيمنة الحكومات وغيرها من العوامل التي أفقدتها الحرية الصحيحة عدا دول بسيطة مثل مصر التي تعتبر الرائدة في هذا المجال حيث تتمتع صحافتنا بأكبر قدر من الحرية مما مكنها من أداء دورها الكبير، في التنوير المصري والعربي ففي مصر حيث تشغل الصحافة بها السلطة الرابعة يستطيع أي كاتب أو مواطن الإدلاء برأيه دون أي قيود، ويكفل ميثاق العمل الصحفي بها حرية النشر، وحرية الحصول على المعلومات كما يكفل الشخصية الاعتبارية للصحفي وغيرها من المزايا التي يفتقدها الصحفيون في العالم العربي.
لذلك تفخر مصر بحملها لواء الحرية في العالم العربي، حيث تحظى بالحرية المطلقة في النقد والتوجيه، يتساوى أمامها الوزير والخفير، ومن الشواهد الساطعة على ذلك أن في مصر فقط يمكن للصحافة أن تُسقط وزيراً، وهذا ما حدث تماماً من غحدى صحف المعارضة بها حيث قادت حملتين صحفيتين أسقطت فيهما وزيري داخلية.
إلى جانب ذلك توجد دول أخرى مثل لبنان تتمتع الصحافة بها بقدر جيد من الحرية، والكويت التي بدأت بعد حرب الخليج الثانية في تأسيس عهد جديد للصحافة تشغل الحرية مكاناً مميزاً فيه، وفي هذه الدول الثلاث فقط يتحقق مفهوم المطبوعة العربية عدا ذلك فإن صحافة الدول الأخرى العربية لا تخرج عن كونها صحافات محلية، منها ما استطاع أن يحصل على جزء من حقوقه في النقد والتوجيه، ومنها ما لم يعد كونه أبواقاً لتمجيد السلطة وتجميل السادة.
ولكن هذه الدول الثلاث رغم تحقيقها لمكاسب هامة على صعيد حرية الصحافة فإنها – كغيرها من الدول العربية الأخرى - مازالت تحتفظ ببعض القوانين التي تكبل حرية الصحافة مثل قانون المطبوعات الذي يمنع ملكية الصحف والمطبوعات للأفراد ويحصرها على نظام مؤسساتي جماعي معين يصعب تحقيقه.
وكانت من نتائج هذه القوانين هروب المطبوعات العربية إلى خارج أوطانها لتحصل على تراخيص شكلية من دول أجنبية مثل قبرص ولندن وإصدار مطبوعاتهم داخل الدول العربي، فنتجت لدينا من جراء ذلك ظاهرة صحفية غريبة وهي ظاهرة المطبوعات العربية التي تتحدث بالعربية وتعد وتحرر وتنقد وتطبع وتوزع داخل الدول العربية، ولكنها أساساً وحسب الأوراق الرسمية مطبوعات أجنبية يجب أن تحصل على تأشيرة دخول إلى أوطانها.
ومن المظاهر أيضاً التي تندرج تحت هذه القضية الصعوبات التي تعوق دخول المطبوعة إلى الدول العربية المختلفة وهذه الصعوبات قد تكون تجارية أو سياسية أو رقابية أو الثلاث معاً.
وفي الوقت الذي يسجل فيه رصيد الحرية في الصحافة العربية تراجعاً ملحوظاً في العالم العربي نرى دولة مثل إسرائيل تسمح للمواطن بها أن يصدر مطبوعة سنوية بدون رقابة.
ثانيا : سوء التوزيع
يعتبر التوزيع من الحلقات الهامة في دورة الصحافة فعن طريقه تصل المطبوعة إلى القارئ في كل مكان وتتحقق بها رسالة الصحافة كأداة إعلام، وتضطلع بهذه المهمة شركات متخصصة للتوزيع تنتشر في كل البلدان العربية، ومع وجود عدة شركات عملاقة للتوزيع تعمل في سوق المطبوعات العربي ألا أنه مازالت عملية التوزيع تحتاج إلى تطوير وصول المطبوعة العربية في نفس يوم صدورها إلى جميع أنحاء الوطن العربي، ولعل الدليل على حاجتنا إلى ذلك النظر إلى الصحافة الأجنبية واسعة الانتشار وصحافتنا المحدودة الانتشار.
وأنا زعيم أن عدداً كبيراً من المطبوعات الموجودة في الساحة العربية توزع توزيعاً ضعيفاً أو محدوداً وأعتقد أنه إذا أعلنت جميع المطبوعات البيانات الحقيقية لتوزيعها سنكتشف فضيحة كبرى.
في نفس الجانب تبرز الحاجة إلى ضرورة دخول المطبوعة العربية إلى السوق الأجنبي، وسوف يتسنى ذلك بالعمل على خلق تيسيرات للصحافة العربية في الأسواق الأجنبية من خلال اتفاقيات دولية شاملة.
ثالثا : ضعف المستوى الصياغي
المتتبع للمطبوعات العربية سواء كانت صحفاً أو مجلات وراقب جيداً أسلوب الصياغات الصحفية بها وبنظرة متخصصة سيلاحظ ضعف المستوى الصياغي وتقليديته، حيث تركن الصياغة بها إلى أسلوب واحد ومحدد دون خلق وتطوير وإدهاش، والمفروض في رأيي أن يتطور مستوى الصياغة ليجذب القارئ المنشغل بمغريات إعلامية عديدة ويؤثر فيه، وذلك ممكن لاستحداث أساليب جديدة في الصياغة تجمع بين رشاقة اللفظ وتناسق الجمل والثقافة الشخصية للمحرر واللغة الاستعارية المدهشة التي تراعي في نفس الوقت ثقافة القارئ المتباينة.
ولعلك تلاحظ الكسل الصياغي في الأخبار التي تنقلها الوكالات حيث نجدها منشورة في أكثر من صحيفة في وقت واحد وبنفس النص والصياغة وحتى العناوين وبدون أدنى جهد من المحرر لإعادة صياغته.
ولا تحضرني مطبوعة واحد ألمح فيها حرصاً على تطوير هذا الجانب عدا محاولات بسيطة لمحتها في مجلة (أكتوبر) تكمن في طريقة طرح الخبر حيث استحدثت المجلة أسلوباً جديداً في الصياغة وهو نسبة الخبر إلى محرره في سياق النص، ومجلة (نصف الدنيا) التي سبقت أسماء المحررين بأفعال طريفة مثل "عايشت التجربة، ترويها، يكشف أسرارها" وهكذا، وإن كنت أذكر نموذجاً فريداً في هذا المجال ظهر فجأة واختفى أيضاً فجأة وهي جريدة بحجم التابلويد تسمى (المحرر) تصدر باللغة العربية في باريس يظهر فيها هذا التطوير الذي ننشده في الصياغة، ولم يكن هذا التطوير تطويراً جزئياً ولكنه كان تطويراً شاملاً في صياغة المتون والعناوين وغيرها، وعندما استفسرت عن هذه الجريدة علمت أنها ممنوعة من الدخول إلى بعض الدول العربية بسبب موقفها السياسي.
رابعا : الأخطاء النحوية والمطبعية
الأخطاء المطبعية أشهر الظواهر شيوعاً في الصحافة العربية حيث لا تنجو منها أي مطبوعة حتى المطبوعات الشهيرة التي تحتوي على جيوش من المصححين لم تنج من هذه الآفة حتى في صفحاتها الأولى، ومن واقع تجربتي الصحفية أتفهم جيداً أسباب هذه المشكلة، وقد فشلت شخصياً في حسمها، وأعيتني مطاردة أسبابها، فمرة الخطأ من المصحح وأخرى من المنفذ الذي أغفل تصحيح كلمة ما، ومرة ثالثة من جهاز الصف نفسه (الكمبيوتر) الذي يأكل الحروف ويكرر الكتل في حالات معينة بسبب ضعف ذاكرة الجهاز، ورغم دقة التصحيح وكثرة المراجعة إلا أنه رغماً عن الجميع تظهر أخطاء مطبعية.
وعلى نفس الجانب تبرز ظاهرة الأخطاء القواعدية التي تنتشر في بعض المطبوعات نتيجة لعدم وجود مصحح لغوي أو ضعف مستواه إن وجد،وكانت من نتيجة ذلك الأخطاء القواعدية الفادحة التي نلاحظها حتى في أكثر المطبوعات شيوعاً، ومع تسليمنا بأن لغة الصحافة لغة ثالثة سلسة طيعة لا تحتاج إلى التقعر اللغوي إلا أن هناك قواعد أساسية لا يمكن خرقها.
ومن طرائف الأخطاء المطبعية التي عاصرتها هذا الخطأ الطريف، فقد حدث أن جاء لرئيس تحرير إحدى الصحف خبر وفاة أحد الأشخاص، وكان نص الخبر (توفى فلان الفلاني رحمه الله وألهم ذويه الصبر والسلوان وأسكنه فسيح جناته)، فدفع رئيس التحرير الخبر إلى المطبعة بعد أن كتب عليه العبارة التالية (إن وجد له مكان)، وهو بالطبع يقصد نشر الخبر إن وجد له مكان في الصفحة، ولكن موظف الصف اعتقدها إضافة فصفها مع الخبر وكانت مشكلة كبيرة.
ومن المواقف الطريفة أيضاً هذا الموقف الذي مر بأحد الزملاء الشعراء وكان يعمل مصححاً لغوياً بجريدة (ع)، ففي الوقت الذي كان فيه يصحح صفحة خاصة بقصائد للقراء، قرأ قصيدة فاشتبه بها ورأى أن هذا القارئ سرق بعض الأبيات من الشاعر المصحح نفسه، فكتب على القصيدة العبارة التالية (هذه القصيدة تعرض على الأستاذ محسن لأن هذه القصيدة مسروقة مني) ..!، وقام الصفيف – النائم على روحه – بصف هذه العبارة كاملة بعد القصيدة بعد أن تصور أنها إضافة، وقامت الدنيا ولم تقعد بعد أن صدر العدد في الأسواق، وقرأ الجميع الملاحظة الغريبة .
ومن المواقف الأكثر غرابة التي اكتشفتها بنفسي نشر خبر واحد مرتين في صفحة واحدة، خبر واحد بنفس العنوان والنص نشر مرتين في الصفحة الأول .. والله العظيم .. الصفحة الأولى، وذلك في جريدة (ع)، ومن المواقف الشبيهة التي حدثت أيضاً نشر مقال لي في عدد واحد من الجريدة مرتين، نفس المقال بنفس العنوان نشر في إحدى الصفحات، ونشر أيضاً في صفحة أخرى في نفس العدد، وكان ذلك بجريدة (م).
ومن الأخطاء التي عاصرتها أيضاً ما حدث أثناء عملي سكرتيراً لتحرير مجلة عربية، عندما قام مدير الإعلانات بإرسال الإعلانات للمطبعة، وكانت المجلة تطبع في دبي، وكتب على أحد التصاميم الإعلانية هذه العبارة (سينشر مكان البيبسي) – وهو يقصد بذلك أن الإعلان سينشر بدلاً من إعلان آخر كان مدرجاً عن البيبسي – ولكن موظف المطبعة ظن أن هذه العبارة يجب صفها في الإعلان فصفها داخل الإعلان، وكانت نكتة تحدثنا عنها طويلاً، بعد أن نشرت العبارة كالآتي داخل الإعلان (سينشر (!) مكان البيبسي) ..!
واقعة أخرى طريفة حدثت عندما كتب مدير تحرير صحيفة (و) على بروفة إحدى الصفحات ملاحظة فنية تقول (تسوية ارتفاع الرؤوس) وهو يقصد أن تكون الصور المنشورة بالمادة متساوية، ولكن المنفذ الذي يقوم بتنفيذ الملاحظات الأخيرة ظن أن المطلوب إضافة العبارة فكتبها ضمن العنوان الرئيسي، ونشر الموضوع بها العنوان الغريب، وكانت "فضيحة".
والأمثلة كثيرة بعضها طريف وبعضها مؤلم، ولكن المشكلة – رغم فداحتها – يمكن حلها أو الحد منها وحصرها في أضيق الحدود بتحديث الأجهزة وتوفير العدد الكافي من المصححين الأكفاء، وتقسيم التصحيح إلى مراحل يبرز فيها دور المراجعة المتكررة.
خامسا : آداب النشر
الخبر المنشور في الصحافة كالقول الذي يتلفظ به الإنسان تحكمه ضوابط معينة أخلاقية وإنسانية، ولا يمكن أن ننشر أي شيء، وهناك دائماً ما ينشر، وهناك ما لا ينشر، وما لا ينشر هنا ليس استثناء يحد من حرية الصحافة، ولكنه استثناء يحافظ على الصحافة نفسها وأهدافها الإنسانية العظيمة.
على سبيل المثال من الأشياء المسلم بها التي لا تنشر الصور الفاضحة التي تثير الغرائز والمواد والأخبار الخارجة التي تشيع الفاحشة والفجور، أو تلك التي تشهر بالناس وتؤذي سمعة الأشخاص والعائلات، أو التي تخدش عقيدة أو أخلاق، وهذه كلها موانع موروثة يجب أن تمتنع عن نشرها الصحافة، ولا يمكن بالطبع أن نبيحها تحت أي مسمى، لأننا لو فعلنا ذلك، ستكون الصحافة جريمة مثلها مثل أي جريمة تحطم المجتمع وأخلاقياته.
وإذا كانت الصحافة الأجنبية تتيح لنفسها نشر هذه الأشياء الخارجة على المبادئ، فتنشر الفضائح بالكلمة والصورة، وتنشر أي شيء حتى ولو كان ضد الأعراف أو الأديان أو الأخلاق، وإذا كانت أيضاً قد خصصت مطبوعات معينة لنشر هذا النوع من الفواحش والعري والشذوذ، فإن الصحافة العربية ما زالت والحمد لله محافظة على مكسبها الموروث الثابت في التعفف عن نشر كل ما يسئ إلى الأخلاق والعقائد والمبادئ السامية.
ولكن تبرز أحياناً ظواهر سلبية تشوه الصفحة الناصعة في صحافتنا العربية، فهناك بعض المطبوعات للأسف تنشر الصور الفائحة والمواد المتجاوزة أخلاقياً، وفي لقاء مع مدير تحرير إحدى هذه المطبوعات وعندما سألته عن سبب حرص مطبوعته على نشر مثل هذه الصور، أخبرني أن هذه الصور ترفع مبيعات المطبوعة عدة آلاف، وهو لا يستطيع الاستغناء عن هذه الزيادة ..!!
وهناك أيضاً مطبوعات لا تعي مطلقاً آداب النشر، فدأبت على نشر المواد والأخبار المثيرة التي تخدش الحياء وتثير الغرائز، ولننظر مثلاً إلى هذه الفقرة التي نشرت ضمن تحقيق عن إحدى الجرائم التي حدثت ببلد عربي حيث قام رجل باغتصاب خادمته ..
ففي تحقيق موسع تستطرد الصحيفة في وصف الجريمة بأدق تفاصيلها، فتحكي بدقة كيف قام رب المنزل باستدراج الخادمة في حجرة خلفية ملحقة بالمنزل، وما أن دخلت إلا وأغلق الباب بالمفتاح وراح يراودها عن نفسها، وعندما رفضت احتضنها بقوة وراح يقبلها ويتحسس مواضع العفة بها، ثم أوقعها على السرير، وحسر عنها ثيابها، وضربها على فخدها، ثم فض بكارتها بإصبعه، ثم واقعها رغماً عنها، ..
هذا ما نشرته الصحيفة بالتفصيل، .. تفاصيل فجة .. مؤلمة ومحرجة لا داعي لها، ولن تفيد القارئ، على العكس فإن مثل هذه التفاصيل تخدش حياء الرجل والمرأة على السواء، وتؤذي المشاعر السوية.
إن للنشر آداباً يجب أن يعيها الصحفيون، فليس كل ما يحدث ينشر، وقارئ المطبوعة قد يكون طفلاً أو صبياً أو فتاه مراهقة، وليس كل ما يحدث ينشر، فعل سبيل المثال .. محضر أجرته الشرطة يحوي على تفاصيل الجريمة كاملة بما تحتوي من مجون وشذوذ لا يمكن أن ننشره على الملأ فيقرأه الناس.
للنشر آداباً لا يعرفها الكثيرون، لذلك تنتشر المطبوعات التي تنشر مثل هذه الأشياء، وقد اشتهرت مجلات لبنانية معينة تحرص على هذا الاتجاه، ولا يعرف المسئولون عنها مدى خطورة ذلك.
خبر آخر قرأته في جريدة (ش)، وهو يروي بالتفصيل واقعة اغتصاب شاب في إحدى حدائق لندن تحت تهديد السلاح، .. تفاصيل مقززة شاذة يوضحها الخبر الشاذ وتفاصيل مخجلة تصدم القارئ العفيف، ولم يكلف المحرر نفسه عناء مراجعة الخبر أو تهذيبه.
ظاهرة أخرى موجودة في بعض الصحف العربية وهي ظاهرة نشر الصور المقززة كنشر صورة شخص محروق أو مذبوح .. أو أي صورة من هذا القبيل، بالطبع هم يقصدون الإثارة، فنشر هذه الصور المفجعة تحقق الإثارة الصحفية المطلوبة، ولكنها في الاتجاه المعاكس تصدم القارئ وتجرح مشاعره، والمطبوعة التي تدخل كل بيت وتقتحم حياة كل شخص ليس من حقها أن تجرح مشاعره، فضلاً على أن للميت حرمة حتى ولو كان مجرماً، والمبدأ الإنساني لا يبيح لنا التشهير والتشفي بجسد ميت حتى ولو كان من الأعداء.
في نفس الاتجاه فإن على الصحافة احترام سمعة الأشخاص، فلا تنشر اسم شخص أو جهة في موضع اتهام ما دام الاتهام مجرد اتهام ولم يصل إلى الإدانة، ويمكن أن يكتفي المحرر بوضع رموز للاسم بدلاً من الاسم الصريح.
ولكن الذي يحدث شيء مؤسف، حيث تسارع المطبوعات إلى نشر الاتهامات السيارة التي لم تتأكد صحتها بعد أو الاتهامات الرسمية التي لم يؤكد القضاء ثبوتها، والنتيجة التشهير بالأبرياء وتلويث سمعتهم، وهذه الظاهرة تعد أكثر السلبيات شيوعاً في الصحافة العربية.
سادسا : مواكبة التطور
يعتبر التطور سمة كل عمل ناجح، وسمة الحياة نفسها إذ أن كل شيء ينمو ويتطور بمرور الأيام والمعارف والمكتسبات، ولكن الملاحظ على صحافتنا العربية ثبوتها عند حد معين من التطور دون تجاوز هذا الحد، فعلى الرغم من مرور هذه السنوات الطوال على نشأتها فإن تطويرها يكاد يكون منعدماً رغم أن الصحافة العربية تملك في بعض الأحيان رأس المال ويمكن أن نلمس ذلك بمقارنة بسيطة بين المطبوعات العربية ومثيلاتها الأجنبية.
فعلى مستوى التخصص سنكتشف قلة عدد المطبوعات المتخصصة وانعدام المطبوعات في عدد كبير من التخصصات، بينما تجد في لندن وحدها مئات المطبوعات المتخصصة في جميع التخصصات والمجالات فعلى سبيل المثال في مجال المطبخ وحده تجد مائة مطبوعة بينما لا نجد في الصحافة العربية مطبوعة واحدة متخصصة في هذا المجال.
وفي الصين توجد صحيفة اسمها (ليستاف الصغير) وهي ذات توجه خاص إذ أن كل العاملين بها من محررين ومخرجين ومسئولي طباعة من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمسة عشر عاما، وتحقق هذه الصحيفة مبيعات عالية إذ يصل توزيعها إلى مليون نسخة..
والصحفيون الصغار مسئولون عن كل شيء من كتابة مواد الصحيفة إلى تحريرها وإخراجها وطباعتها، ويطمح المسئولون أن تغرس هذه التجربة الثقة والاعتماد على النفس لدى الأجيال الجديدة.
وعلى الصعيد الإعدادي والصياغي فإن الصحافة الأجنبية أحرزت قدراً كبيراً من التطور في الجانب التنفيذي والإخراجي واللوني والطباعي، ولعل نظرة سريعة إلى مجلات مثل Times, News Week, Parismatch, Glamour, Voici وغيرها سيتأكد ذلك.
والحلول لهذه النقاط لا تتم في يوم وليلة وإنما بسنوات طويلة ممتدة من العمل وتطوير الكفاءات وابتعاث المندوبين للدول الأوربية والاستفادة من المعاهد الصحفية الأجنبية، وإنشاء المعاهد الصحفية المتخصصة للتدريب على أحدث التقنيات في عالم الصحافة مثل معهد الصحافة الأمريكي في نيوجيرسي الذي يرفد سنوياً دور الصحف الأمريكية بمئات من الصحفيين المتخصصين في كافة المجالات الفنية والتحريرية والطباعية ويبذل جهوداً كبيرة في تطوير العمل الصحفي على أكثر من صعيد.
سابعا : الصحافة الموجهة
يعتبر استقلال المطبوعة من الأولويات الضرورية المطلوب توفرها لكي نطلق صحافة عربية نزيهة، ولكن الحادث الآن أن عدداً كبيراً من المطبوعات العربية رغم وجود عبارة (مطبوعة مستقلة) على غلافها هي أبعد ما تكون عن الاستقلال، موجهة لخدمة غرض معين إما نظام سياسي أو اتجاه فكري أو غيرهما من الأهداف.
والمخزي حقيقةً ما يتم وراء الكواليس حيث تعمد أنظمة سياسية معينة إلى شراء مطبوعات معينة وذلك بإمدادها بمخصصات شهرية تصل إلى ألاف الدولارات لكي تهلل هذه المطبوعة لنظامها وتبشر بإنجازاتها في موضوعات أشبه بالإعلانات التحريرية المدفوعة.
ورغم أن هذه الصفقات تنفذ وراء الكواليس ألا أن عدداً كبيرا من الصحافيين الممارسين والقراء المتابعين يعرفون جيداً من وراء هذه المطبوعة، ..؟ فهذه المطبوعة مباعة لدولة كذا وهذه مطبوعة أخرى مباعة لدولة كذا ..، وهكذا ولا عزاء للضمير وشرف صاحبة الجلالة.
وفي نفس الاتجاه تعمد بعض الأنظمة إلى إطلاق صحف ومطبوعات تروج لنظامها، كما يهدف البعض الآخر إلى السيطرة على وسائل الإعلام المختلفة من مطبوعات وفضائيات لنفس الغرض، بعد أن أدركوا بأهمية الإعلام في هذا الصدد.
ثامنا : المحلية والتغريب
ومن الظواهر التي تلاحظ أحياناً في بعض الصحافات ظاهرة الجنوح إلى المحلية والعامية في الصياغة وهي ظاهرة تحد من تواصل الصحافة مع كل الناس كما أن الجنوح إلى العامية يسئ إلى لغة الصحافة نفسها ويعمل بمرور الزمن على تشويهها.
ومن الظواهر السلبية الأخرى التي تظهر في اللغة الصحفية في العصر الحالي ظاهرة التغريب، ومن مظاهرها كتابة الأرقام باللغة الإنجليزية، وهي ظاهرة منتشرة بصورة أكبر في الصحافة العربية المهاجرة وصحافة بعض البلدان كتونس والمغرب، والغريب هو انتشار هذه الظاهرة لدرجة أنني لاحظتها في إحدى المطبوعات المصرية، قد يدافع البعض بأن هذه الأرقام هي نفسها الأرقام العربي، وهو رد مدفوع بأن الأرقام العربية الحالية هي الأساس، وقد عرفت وترسخت بالتواتر والممارسة ولا يعنيني أصلها الذي نشأت منه، وليت الأمر يقتصر على الأرقام فقط وإنما وصل التغريب في الصحافة إلى عناوين مثل (رونغ سايد، ديجيتال، كاش بوينت) وغيرها في صحف عربية.
وهذا لا يعني المطالبة بمنع توظيف اللفظ الأجنبي في الصحافة العربية فلا مانع من هذا التوظيف بشرط أن يكون توظيفاً فنياً لا تغريباً وتقليداً.
الصحافة لا تعرف الثبات ومن الطبيعي أن تتطور ولكن أن يكون التطور إغراقاً في المحلية أو تغريباً فهذا ما نرفضه ولغة الصحافة لغة ثابتة لا تتغير وإن تغيرت يكون ذلك على مدار سنوات وقرون تبعاً لثقافة القارئ، ومعطياته، ولعل نظرة سريعة إلى الصحافة الأربعينات وصحافة اليوم توضح لنا التغير الهائل الذي شهدته اللغة الصحفية العربية خلال نصف قرن، ويتأكد لنا أن هذا التطور لم يحدث ألا بعد أن تغيرت ثقافة القارئ ومعطياته.
المحلية في اللغة الصحفية مبالغة في التشدد، والتغريب مبالغة في التحرر والمطلوب الوسط بينهما .. لغة صحفية أصيلة يفهمها الجميع.
تاسعا : الرقابة
الرقابة هي أحد السيوف المسلطة على رقبة الصحافة العربية، ورغم إيماننا بالدور الرقابي في حماية المجتمع من شطحات العقل البشري نقصد بذلك الرقابة بمفهومها الواعي الذي يكمن في حماية الدين والأخلاق وليس بالرقابة المطبقة الآن والتي يعتبر البعد السياسي أساسياً بها.
نرحب بالحرية المطلقة للصحافة العربية، حرية النقد وكشف الفساد وتنوير الشعب وتثقيفه، حرية يحاكم فيها الوزير والخفير ويصطف في بلاطها سواسيةً الجميع، ولكن الاستثناءان الوحيدان في هذه الحرية المطلقة هما الدين والأخلاق، فإذا أساءت الصحافة إلى دين أو عقيدة أو أخلاق فيجب منعها، هذه هي الرقابة التي تؤمن بها، ولكن الحادث الآن هو تفرغ معظم الرقابات العربية لحماية أنظمتها من أي رأي ومنع أي كلمة تسئ إليها من الوصول إلى الشعوب، أما في الجانب الأخلاقي فلا توجد قاعدة واضحة لهذا الجانب..، هذا ما استخلصته من واقع تجربتي أيضاً في العمل الصحفي، فالمحاذير الرقابية التي تصنعها الرقابات العربية ليست واضحة ومعلنة، وحتى المحاذير التي نعلمها نحن من التجربة والممارسة محاذير مطاطة تستخدم مع مطبوعة ومطبوعة لا ..!، ويمكن للقارئ العادي المتابع جيداً اكتشاف ذلك فهذه مجلة طمست الرقابة صدر فتاه بها، ونفس الصورة لم تطمس في مطبوعة أخرى، وهذا موضوع يمر في مجلة معينة، وربما نفس الموضوع لا يجاز في مجلة أخرى.
وعلى الرغم من أن القواعد الرقابية تختلف من دولة إلى أخرى إلا أنها في كثير من الأحيان تكون هاجساً أمام المطبوعات إذ أن أي إخلال بها يعرض المطبوعة للطمس أو نزع الصفحات أو المصادرة أو منعها لفترة معينة في بعض الدول مما يكبد ناشرها خسائر فادحة.
ورغم التطور التقني الهائل وتآكل الرقابة في ظل إعلام ألكتروني يستعصي على المنع، فإن الكثير من الدول مازالت تقف ضد التيار وتمارس الرقابة.
ونظراً لأنه ما من سبيل أمام إلغاء الرقابة العربية وإطلاق حرية الصحافة، فإننا – وحتى يتحقق هذا الحلم – نطالب بوجود محاذير رقابية محددة ومعلنة يبلغ بها الناشرون، واعتماد بعض المرونة في هذه المحاذير فلا يعقل أن يشاهد المواطن العربي كل ما يريده على شاشات الفضائيات العالمية التي لا رقابة مطلقاً عليها بضغطة زر، وفي نفس الوقت نتزمت مع المطبوعات بهذا الشكل.
عاشرا : حقوق الصحفي
الصحفي هو الشخص التنفيذي الذي يمتهن العمل الصحفي في جميع مراحله، وهو الخلية الأساسية التي يتكون منها جسد الصحافة، وعليه تقع مسئولية تواجدها واستمرارها وأدائها لدورها.
ونظراً لطبيعة الصحافة كمهنة ورسالة – تختلف عن المهن الأخرى – فإن ذلك يتطلب أن تكون للصحفي حقوق تمكنه من أداء رسالته على أكمل وجه، ففضلاً عن الحقوق الأساسية له كموظف وعامل، توجد حقوق أخرى يجب أن تتوفر ومنها حمايته أثناء عمله سواء أكان ذلك داخل بلاده أم خارجها، وفي الحروب والنزاعات ومناطق التوتر.
ففي بلاده للصحفي حقوق كحمايته من تعرضه للضغط أو الإرهاب الفكري أو الجسدي، وحريته في أداء عمله بحرية وحصوله على المعلومات، وحقه في عدم الكشف عن مصادر معلوماته، وحمايته من البطش أو الانتقام الذي ينتج عن نقده لشخص أو تصديه لفساد.
وفي خارج بلاده للصحفي حقوق كالمساعدة في الحصول على المعلومة، وحمايته من الأخطار التي تهدده كأن يكون مراسلاً عسكرياً في إحدى الحروب أو منطقة نزاع أو توتر.
وتوجد في بعض الدول العربية نقابات وجمعيات للصحفيين كجهات مستقلة تضطلع بمسئولية خدمة الصحفيين والحفاظ على حقوقهم، كما يوجد اتحاد الصحفيين العرب بالقاهرة الذي يقوم بدوره في هذا المجال، وعلى المستوى العالمي يوجد معهد الحرية للصحافة، ومنظمة "مراسلون بلا حدود"، ومنظمة "حماية الصحفيين" وهي منظمات دولية تضطلع بمسئولية حماية الصحفيين وإصدار بيانات دورية تعلن الانتهاكات التي ترتكب ضدهم.
ولكن المؤسف في بعض الدول العربية عدم وجود اتحادات أو نقابات للصحفيين تحمي أرباب المهنة وتحافظ على حقوقهم، الصحافة بها مكبلة بالسلاسل، والصحفي بها يمكن أن يزج بسهولة في السجن إذا قال رأياً حراً، ويتعرض للبطش والتنكيل.
ومن المؤسف أيضاً وجود انتهاكات عديدة يتعرض لها الصحفيون في مناطق عديدة من العالم كالتعذيب الجسدي والمعنوي والاعتداء والقتل، ولعل من الأمثلة على ذلك ما يتعرض له الصحفيون الجزائريون الآن على أيدي المتطرفين حيث يتعرضون للبطش والتصفية الجسدية المنظمة البشعة، وفي كل يوم نسمع عن اغتيال كاتب أو صحفي في الجزائر أو غيرها من مناطق العالم.
ومن المؤسف أن نعلم ـ على سبيل المثال ـ أن 38 صحافياً قد لقوا مصرعهم عام 1996 في أنحاء مختلفة من العالم أثناء أدائهم لمهام عملهم حسب إفادة المعهد الدولي للصحافة بفيينا،وكان المعهد قد أعلن مصرع 52 صحافياً في العام 1995 وأوضح أن أحد عشر صحافياً لقوا مصرعهم في الجزائر عام 1996 على أيدي جماعات إسلامية مسلحة، مما يرفع عدد القتلى في صفوف الصحافيين الجزائريين إلى ستين شخصاً منذ مايو 1993.
وفي روسيا قُتل سبعة صحافيين عام 1996، كذلك اثنان في طاجستان وأوزبكستان، أعلن هذه المعلومات مدير المعهد الدولي للصحافة يوهان فريتس استناداً إلى معلومات جمعها المعهد في نحو مائة بلد.
وفي أوكرانيا فرضت السلطات على الصحفيين المرور بدورات لتعلم القتال والدفاع عن النفس في حال التعرض للهجوم من قبل بارونات المخدرات التي تنتشر هناك وتهدد حياة الصحفيين.
ومواجهةً لهذا الوضع يجب إقرار حقوق عالمية للصحفيين تشرف على إعدادها وتنفيذها سلطة عالمية كالأمم المتحدة مثلاً، ينص فيها على أن أي اعتداء على الصحفي يعد اعتداءً على المنظمة الدولية، ويكون لهذه المنظمة سلطة فرض الحماية للصحفيين في كل بقعة من بقاع العالم.
الحادي عشر: من هو الصحفي ..؟
بالطبع سؤال غريب، إذ أن الإجابة عليه معروفة، فهو – إن أردنا الاختصار – الشخص الذي يمارس العمل الصحفي في أي من مجالاته، ولكن الواقع يستدعي طرح هذا السؤال من جديد، ففي بعض الدول لا يوجد أصلاً توصيف لمهنة الصحافة، وفي بلدان أخرى ومنها مصر توجد شروط معينة لهذه المهنة وقواعد للحصول على الصفة الرسمية لها، حيث تضع نقابة الصحفيين بمصر مثلاً شروطاً معينة يجب توفرها في الصحفي لمنحه العضوية بها، منها أن يكون حاصلاً على مؤهل عال، وأن يقضي فترة العامين معيناً تحت التمرين في إحدى المطبوعات المصرية المعتمدة من المجلس الأعلى للصحافة.
وهذه الشروط لا تنطبق في كثير من الأحيان على ممارس العمل الصحفي، فالواقع يقول أن مئات من الصحفيين والمحررين والممارسين فعلياً للعمل الصحفي من المصريين في مصر وخارجها ليسوا أعضاءً في النقابة، والسبب في ذلك أن قانون النقابة وقف حائلاً بينهم وبين ذلك.
وبالتقييم الموضوعي لهؤلاء العاملين خارج نطاق النقابة سنجد أنهم يشكلون تياراً مهماً وعطاءً صحفياً مميزاً لا يمكن إغفاله، فمنهم من يعمل في مكاتب الصحف والمطبوعات العربية بمصر، ومنهم من يمارس العمل حراً بالتعاون مع الصحف المصرية أو مراسلاً للمطبوعات العربية، ومعظمهم أثبتوا وجودهم وأعمالهم تنشر تباعاً في عدد كبير من المطبوعات العربية، ومنهم من يعملون خارج مصر في الصحافة العربية وتقلدوا مناصب جيدة، وأصبحوا عناصر مهمة في الصحافة العربية.
ولكن رغم وجود هؤلاء عملياً والدور الهام الذي يقدمونه، لا يعترف قانون النقابة في مصر بهم، وهم أمام القانون ليسوا صحفيين، وربما يتم القبض عليهم ومواجهة تهمة انتحال غير ذي صفة، وقد وعى البعض هذه المشكلة، وبرزت في السنوات الأخيرة وعود لحلها واقتراحات ومطالب لتعديل قانون النقابة بحيث يشمل هذه الفئة من الصحفيين، ولكن حتى الآن لم تزل المشكلة قائمة.
بالطبع أتفهم النقابة في موقفها وحرصها على حماية المهنة من الدخلاء، وحفاظاً أيضاً على الرسالة الصحفية والمبادئ التي تمثلها، فنحن أيضاً لا ننكر وجود أشخاص أقحموا أنفسهم في الصحافة بلا ثقافة أو وعي، فهذا شاب اقتحم المجال سعياً للوجاهة والشهرة، وهذا آخر يحب الصحافة بالفعل ولكنه غير مؤهل ولا يتلك مقوماتها، وهذه سيدة متزوجة مرافقة لزوجها في عمله بدولة عربية قررت أن تسلي وقتها وتزيد دخلها فدخلت المجال دون دراية أو فهم.
ولكن ماذا يفعل الصحفيون المبدعون الذين يملكون المهارات واكتسبوا الخبرة الكاملة بالعمل المستمر واستطاعوا أن يحققوا الوجود الفعلي الناجح ..؟
سؤال لا يحتاج إلى بحث، وإنما يحتاج إلى قرارات جديدة لتنظيم مهنة الصحافة
ووضع شروط جديدة لعضوية النقابة تواكب التطورات المتلاحقة التي تشهدها الصحافة العربية والعالمية والواقع الفعلي للصحفيين.
وفي نفس الاتجاه تطل على السطح عموماً قضية الصحفيين الشبان الذين يملكون الموهبة والرغبة الجادة في العطاء والصعاب العديدة التي تواجههم، بدءاً من عدم وجود فرص للتدريب والتوجيه والتعلم، وقلة فرص التعيين في الصحف واقتصارها على الأقارب والمعارف والبلديات، واستحالة القيد في نقابة الصحفيين، إنني أدعو إلى فتح هذا الملف بشجاعة والعمل على وجود حلول عاجلة لقضاياه، حتى لا تتكرر الحادثة المأساوية التي حدثت منذ سنوات في جريدة (الجمهورية) عندما انتحرت صحفية شابة تحت التمرين ليأسها من التعيين في الجريدة بعد عدة سنوات من الوعود الزائفة.
الثاني عشر : الأمانة الصحفية
الصحافة هي ضمير الشعب وعيونه التي يرى بها الحقيقة، لذلك يجب أن تتحلى بالأمانة في نقل الخبر والمعلومة وتنوير القارئ، فإذا تخلت عن هذه الأمانة أصبحت أداة شيطانية تحطم المجتمع وقيمه ومبادئه.
وينص ميثاق العمل الصحفي على ضرورة التحلي بالأمانة في كافة مراحل العمل الصحفي، فالخبر الذي ينشر على الناس يجب أن يكون صحيحاً والرأي يجب أن يكون أميناً.
وإذا قيمنا هذا الموضوع في الصحافة العربية الآن سنرى الصورة قاتمة فالنشر العشوائي منتشر، والأمانة الصحفية أصبحت كلمة مثالية نظرية لا تمت للواقع بصلة، فلا توجد مراحل أمينة لتلقي الخبر ونشره، وأصبحت الصحف تأخذ عن بعضها بكل سهولة دون مراجعة المعلومة والتثبت من صحتها، وأصبح من السهولة بمكان أن تكتشف ببعض التدقيق أن هذا الخبر كاذب، وهذا الخبر مبالغ فيه، وهذا الخبر موجه لغرض معين وهكذا ..
وأصبحت الصحافة وسيلة لترويج الإشاعات عن قصد أو غير قصد، ومما اكتشفته من واقع التجربة أن البعض يتعمدون نشر الإشاعات الكاذبة حول أنفسهم عبر الصحافة لترويجها بهدف تحقيق الشهرة، فهذه فنانة تدلي بحديث موثق عن طلاقها ينشر بشكل مميز في إحدى المجلات، وتعود نفس الفنانة بعد فترة قصيرة لتعلن في حديث آخر وعبر مطبوعة أخرى أن هذه إشاعات وتهاجم – ويا للغرابة – الصحافة، وهذه فنانة أخرى تعلن زواجها من رجل كبير في السن في حديث صحفي موثق ومنشور في إحدى المجلات ثم تعود عبر مطبوعة أخرى لتكذب الخبر.
وهكذا أصبحت الصحافة في بعض مطبوعاتها وسيلة غير أمينة لنشر الإشاعات والأكاذيب مما أثر على مصداقية الصحافة.
والمتابع لواقع الصحافة العربية سيكتشف آلاف الحالات التي استخدمت فيها الصحافة استخداماً سيئاً ، ففي مصر هاجمت الصحافة منذ سنوات وكلاء وزارة الصناعة المتهمين في إحدى القضايا وشهرت بهم وبأسرهم، وبعد عامين من هذا التشهير القذر حكمت المحكمة ببراءتهم، وغير هذه الواقعة توجد آلاف الحالات التي استخدمت فيها الصحافة لتشويه برئ أو دعم وتجميل فاسد أو تلميع من لا يستحق.
والحل في رأيي إقرار ميثاق شرف عام للصحفيين العرب يشرف على صياغته إتحاد الصحفيين العرب وإلزام جميع المطبوعات الحكومية والخاصة في العالم العربي بالانضمام إلى الاتحاد والالتزام بميثاقه.
بهذا نكون قد طرحنا أبرز القضايا والمشكلات التي تعاني منها الصحافة العربية حالياً، وحكايا صاحبة الجلالة ذات شجون لا يستطيع أن تستوعبها دراسة، أو حتى كتاب.
نحلم بصحافة عربية حرة مستقلة حديثة تعبر عن أفكارنا وطموحاتنا وتسعى بجدية إلى تدشين الإنسان العربي الجديد، إنه حلم يستحق أن نتعب ونتألم .. بل نموت من أجل تحقيقه ..!
صهيل
إستطلاع
مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
نعم
69%
لا
20%
لا أعرف
12%
|
المزيد |
افضل مافى الويب
خدمات