الإبداع في العمل الصحفي
(الفكرة ، القواعد، التنفيذ)
عنصر الابداع:
العمل الصحفي كأي عمل يجب أن يتميز بالإتقان، ولكن تضاف إليه سمة جديدة لابد منها وهي "الإبداع"، ففي الوقت الذي توجد فيه بعض العمال لا تحتاج إلى الابتكار، فقط تحتاج إلى تنفيذ التعليمات بدقة، كالمشرفين على الإنتاج في المصانع، عليهم فقط إتباع الطرق الصحيحة لتشغيل الآلات، واتخاذ إجراءات السلامة.
بالطبع يوجد هامش يتطلب الابتكار والإبداع في هذا العمل، ولكن على مستويات أخرى إدارية، وتنظيمية .
ولكن الصحافة عنصر الإبداع مقوم أساسي بها، والإبداع هنا لا ينحصر في مجال معين، ولكن يجب أن يكون موجودا في كل مراحل العمل، لأن العمل الروتيني في الصحافة حتى لو كان يتم بإتقان يمكن أن يعرض الصحيفة بالموت.
والإبداع لفظة تعني إتقان العمل على أكمل وجه ، والعمل الدءوب المستمر على تطويره، ودعمه بشكل مستمر بالأفكار المبتكرة التي تمنحه الجدة والحداثة والابتكار.
مقومات الإبداع في الصحافة:
1ـ المحرر الصحفي:
أهم مقومات الإبداع هو الإنسان ، فالمحرر هو العنصر الأساسي للابتكار والخلق والإبداع، ولكن يبقي "الصحفي" هو المرتكز الرئيسي للعملية الإبداعية.
بالطبع هناك أشخاص يعملون في الصحافة يفتقرون إلى الإمكانات اللازمة، فكما توجد الواسطة في جميع المجالات توجد في الصحافة، فيتسلل إلى هذا المجال أشخاص لا يملكون أساسا الكفاءة، فمابالك بالعمل الصحفي الذي يتطلب الأداء الوظيفي الكامل إضافة إلى الموهبة، ثم الإبداع.
2ـ المناخ الصحفي:
المناخ الصحفي المشجع على التفكير وإبداء الرأي والتطوير عنصر هام في عملية الإبداع، فالإدارة الصحفية التي تعتمد على الشللية والمحاباة والمجاملة، وتمنع محرريها من التفكير والتجريب والتطوير ستظل صحيفة جامدة مهددة بالتوقف. أما إذا توفرت الإدارة الصحفية التي تفهم ماهية الإبداع، وتشجع محرريها على الابتكار والتطوير، وتقدم لهم كل الدعم سينعكس بذلك على الصحيفة.
وإذا كان الإبداع في الأساسي قضية نفسية، فإن من المهم أن تشيع الإدارة الصحفية روح الزمالة والتقدير والاحترام، وتدعم المبدعين والمفكرين والكتاب، وذوي المهارات الخاصة، وتمنحهم الفرصة في الارتقاء والتطوير.
الكثير من الصحفيين المبدعين تحولوا إلى موظفين بسبب وجود إدارة صحفية تقليدية تهمل الكفاءات، ولا تعي جيدا ماهية العمل الصحفي، وأهمية الإبداع فيه.
3ـ الأدوات المساعدة:
الأدوات المساعدة توفر مناخا مشجعا ومساعدا على الإبداع، ونقصد بها توفر الأجهزة التقنية الحديثة، كأجهزة الاتصال الذكية، والكاميرات الحديثة، وتعدد مصادر المعلومات، مثل مراكز المعلومات ، ووكالات الأنباء، والدعم الإداري الكامل.
مقومات نجاح الصحفي:
1ـ الاجتهاد والحركة المستمرة :
الثبات في العمل الصحفي لا ينتج شيئا، الحركة فقط هي القادرة على أن توصلك لمكامن الأخبار، والحركة هنا لا تعني أن تتحرك بنفسك فقط في المجتمع ، ولكن أن تتابع وتسأل وتحاور، أجمل السبقات الصحفية في حيات مشاهير الصحفيين تمت فجأة.
هناك فئة من الصحفيين تركن إلى الكسل، لا تكتب عن شيء إلا إذا جاء إليها في مقر الصحيفة مثل برس ريليز صادر من إحدى الشركات، أو ضيف لديه قصة جاء بنفسه لمقر الصحيفة يطلب نشرها، وهذا لا يصنع الصحافة، بل يصنع الموت .
2ـ توسيع دائرة مصادره:
المصادر هي كنز الصحفي . العاديون أرصدتهم مال وعقارات . اما الصحفي فرأس ماله الحقيقي مصادره، وكلما قويت وتشعبت هذه المصادر كلما كان أكثر قدرة على جلب المعلومات.
الصحفي الفقير من لا يعرف أحد، تخلو مفكرته من أسماء المهمين . إذا احتاج لمعلومة لا يجد من يقدمها له. والصحفي الناجح هو من يملك مصادر في كل المجالات ، وكل المواقع، إذا طلبت منه تصريحا لشخص جاء لك به بمكالمة هاتف.
3ـ المتابعة المستمرة للأحداث :
المتابعة هي العادة التي يجب أن يتميز بها الصحفي . إذا كان الانسا العادي يتابع الأحداث عرضا عن طريق التلفاز والصحف وكلام الناس، يجب أن تكون المتابعة مقدسة . ليس في مقر العمل فقط، ولكن في المنزل والهيئة الحكومية والشارع، كلما كان الصحفي متواصلا مع الأحداث العامة متابعا مستمرا لها، كلما كان قادرا على معرفة الخبر، وبعد ذلك قادرا على صناعته ونفده والتعليق عليه، وقادرا أيضا على الربط بين الأحداث، اكتساب ملكة مهمة جدا، وهي ملكة التحليل.
4ـ التخطيط :
الإنسان الناجح عموما هو القادر على التخطيط، أما الصحفي فالتخطيط عنصر مهم للنجاح، على الصحفي أن يرتب وقته، ويحدد أولوياته، ويكتب يوميا قائمة من الأشياء التي سيقوم بها، خاصة وأن العمل الصحفي مليء بالتفاصيل، وكلما أنجز بندا، محاه بالقلم، وهكذا .. يضمن عدم نسين بند مهم، وأيضا يضمن أن يكون يومه بل ساعته مليئة بالإنجاز.
وفي اليوم التالي ينقل ما لم ينفذ في اليوم الأول إلى قائمة جديدة حافلة بالمهام والأعمال.
التخطيط أيضا يجب أن يشمل تدوين الأفكار والملاحظات . المحرر عادة تخطر على باله في مشاوير الحياة ملاحظات مهمة وأفكار قيمة.. خطأ فادح وقع فيه مذيع نشرة إخبارية، فكرة خلاقة لمقال، فكرة نوعية لتحقيق جديد، مشوار مهم كإصلاح الكاميرا أو إجراء مكالمة هاتفية .. حتى الأمور الاجتماعية التي يمكن أن ينساها في خضم مشاغل العمل كعيادة مريض .. مثل هذه المتطلبات إذا لم يدونها طارت إلى دوائر النسيان . وتسجيلها يمنع ضياعها . ويمكن له بعد ذلك أن ينفذها في أي وقت.
5ـ البحث عن السبقية:
البحث عن الجديد يجب أن يكون ديدن الصحفي الباحث عن النجاح، يجب ان يفرق أولا بين التقليدي وغيره، وأن يبحث دائما عن الجديد والمبتكر والمفارق والمدهش. الصحافة لم تعد في عصر تطور وسائل الاتصالات وسيلة لنقل الخبر فقط، ولكن أصبحت وسيلة للتسلية، والإدهاش، والتغيير، والتطوير، والتعليم، والتحليل.
الخبر مع أهميته شيء تقليدي، ولكن المحرر الناجح يستطيع أن يحوله إلى خبر مشوق يلفت الانتباه، ويمتع ويروي حاسة المعرفة وحب الاستطلاع لدى القاريء.
6ـ مراعاة المهنية، والمسؤولية الصحفية:
لكل مهنة قواعدها إذا لم يعرفها صاحبها وقع في الخطأ، والصحافة مهنة رفيعة . هي بالفعل مهنة ولكنها مهنة ممزوجة بالرسالة، وهذا ما يمنحها الكثير من الجلال والسمو.
الصحافة ليست كالصناعة والتجارة ، ولكنها تتضمن رسالة عظيمة هي رسالة التعليم والتعرف والتوعية . لذلك يجب أن يراعي الصحفي أولا المهنية ، ويراعي ثانية المسؤولية المجتمعية الصحفية.
عناصر الإبداع : الفكرة ، القواعد ، التنفيذ
أولا : الفكرة .. حجر الأساس:
هذا النوع من الإبداع يكون مطلوبا أكثر في التحقيق أو التقرير أو التحقيق الاستقصائي، حيث تبرز أولا أهمية اختيار الفكرة الجديدة.
البعض يعتقد أن كل الأفكار نفذت، وكل الموضوعات نشرت . وأن لا سبيل إلى إيجاد فكرة تقرير جديدة ، وهذا خطأ، فمع أن معظم الأفكار طرحت في الصحافة . إلا أنه يتبقى جزء مهم من البحيرة يتحرك فيه الكثير من الأمواج والأحداث. هذه المساحة يمكن أن يبدع المحرر فيها.
مادامت حركة الحياة مستمرة فإن الجديد دائما موجود، مادام هناك إنسان يتحرك ويسعى في الأرض ويمر خلال هذا السعي بالتجارب لابد أنه سيلاقي يوميا الجديد، مادام هناك مخترعون يبحثون عن اختراعات وأمصال وحلول وأفكار جديدة تفيد المجتمع ، فإن الجديد موجود، .. الجديد دائما موجود، ولكن يحتاج إلى بحث، وتحريك المياة الراكدة بخطوة بسيطة جدا وهي إلقاء حجلر.
في عملنا اليومي يكون هاجسنا الرئيسي هو الفكرة النوعية ، الأمر يتوقف في معظم الأحيان على معد الصفحة في المركز الرئيسي الذي يجب أن يقوم بدوره في تعليم المراسلين، وتوجيههم، وحثهم على إعداد الأفكار الجديدة، وهناك بالطبع مراسلون يتمتعون بملكة خاصة تمكنهم من العثور على أفكار جديدة.
الفكرة تستحوذ على 50% نسبة نجاح التقرير أو التحقيق الصحفي، فلو كانت الفكرة ضعيفة مهما بذل المحرر من جهد بها سيكون الناتج ضعيفا، والعكس صحيح إذا كانت الفكرة مبتكرة مدهشة . بأقل جهد يمكنك أن تقدم مادة صحفية مدهشة.
أما القواعد، والتنفيذ فيحصل كل منهما على 25% ، وإذا كان من البديهي أن يمتلك الصحفي العناصر باعتباره صحفيا مهنيا يملك أدواته فقد امتلك الـ 25% الولى ، ومن البديهي أيضا أنه يعرف الأسلوب الصحيح لتنفيذ فكرته وبذلك يمتلك الـ 25 % الثانية .
إذن فالمشكلة الحقيقية تكمن في الفكرة . إذا تمكن المحرر من اقتناص فكرة جديدة خلاقة مدهشة سيضمن تقديم عمل صحفي جديد وملفت.
كثيرا ما نرى صحفيين متمرسين يتناولون أفكارا قديمة فتكون النتيجة عمل تقليدي خافت غير شهي لا يستحق القراءة، تعب المحرر واضح ولكن النتيجة ميتة . كمن ينفخ في قربة مقطوعة. الفكرة إذن هي الأساسي الذي يتوقف عليه قوة البنيان.
مصادر الحصول على أفكار جديدة:
1ـ الاجتهاد في البحث عن أفكار جديدة ، وان يكون هذا المعيار هو الأول عند الاختيار.
2ـ متابعة الأفكار التقليدية والبحث عن دراسات جديدة ظهرت بشأنها
3ـ التجارب الخاصة غالبا ما تنطوي على أفكار جديدة، وذلك يستلزم المزيد من البحث عن أفكار الشباب والمجتمعات والناس.
4ـ الأفكار التقليدية نفسها يمكن أن تكون معينا للأفكار الجديدة، على سبيل المثال يمكن متابعة موضوع تقليدي والبحث عن دراسات جديدة ظهرت بشأنه.
5ـ المواد المنشورة نفسها يمكن أن تكون معينا للأفكار الجديدة، على سبيل المثال .. جريمة ما نشرتها صحيفتك أو الصحف الأخرى، يمكن بمتابعة القضية أن تكتشف المزيد من التفاصيل التي تمثل في حد ذاتها موضوعات جديدة.
6ـ استغلال ملكة الفراسة والتوقع، بالمقارنة بين المواقف والأحداث.. هذا الأسلوب يمكن أن يلهمك أفكار جديدة.
7ـ صناعة الخبر عنصر مهم يساعدك على توفير أفكار جديدة لا يلتفت لها أحد . مثلا يمكن أن تحصل على تصريح لأحد الشخصيات يتعلق بشخص آخر، فتذهب للشخص المعني بالتصريح لاستطلاع رأيه . ويمكن أن يتضمن ذا الرأي أفكارا جديدة.
8ـ الاعتماد على الأسلوب لتجديد الفكرة التي تبدو قديمة لتمنحا المزيد من الإثارة والجاذبية.
ثانيا : القواعد لاغنى عنها
لكل فن صحفي قواعده ، وهي قواعد لا غنى عنها، وأعتبر أن هذا البند هو البند السهل في مجمل العملية الصحفية . لأن القواعد معروفة ، وكل ما على الصحفي اتباعها، وإن كان الكثيرون لا يعرفون القواعد . رغم ممارستهم للعمل الصحفي سنوات عدة، ومن خلال تجربتي تعاملت مع مراسلين لمدة تصل إلى 10 سنوات ، وطوال هذه المدة لم يتعلموا القواعد التي تتبع، .. حتى أن بعضهم يرسل المادة بدون عنوان، ..فقط يجمعون بعض المعلومات ويرسلونها للمركز الرئيسي، ويلقون بالعبء على محرر الصياغة لإعادة إنتاج المادة واستكمالها وتقديمها بالشكل الصحيح.
على سبيل المثال من البديهي وجود مصدر بالمادة أو أكثر، ولكن البعض لا يهتم بذلك، ومن المعروف أيضا أن يكون المصدر معرفا أي مسبوقا بمهنته ، والبعض لا يهتم بذلك، ومن المسلم به كذلك أن لا يذكر المحرر رأيه الشخصي، ولكن البعض يحولون مقدمات التقارير إلى موضوعات تعبير مليئة بالمشاعر والآراء الشخصية.
ثالثا : التنفيذ .. فن:
التنفيذ يحتاج إلى خبرة ، لا تنتظر تنفيذا جيدا من محرر مبتديء لا يملك الخبرة الكاملة ، هذه الخبرة تأتي بطريقة تراكمية بالعمل والمران والخطأ، وتصحيح الخطأ.
في الصياغة تتجلى قدرة المحرر على الجمع بين العناصر المختلفة، ود النقص، واستكمال العناصر، وتقديمها في شكل شيق ملفت مقروء، يندرج تحت بند التنفيذ عناصر عدة مثل أسلوب الكاتب، والتحرير، والصياغة، وطريقة الطرح، كذلك الصور المصاحبة، حتى شروح الصور، والإطارات المصاحبة، وانتهاء بالمراجعة، وهي كلها عناصر تحتاج إلى الخبرة.
المحرر الناجح هو من يملك كل الأدوات ولكن الأهم أن يتمكن من استخدامها وترتيبها ، ومعالجتها للخروج بعمل صحفي متكامل يحقق الغرض.