القوات المسلحة المصرية هي صمام أمان لهذا الوطن وحاضره ومستقبله، وهي الضمانة التي حمت الثورة .. ، وستحمي بإذن الله مكتسباتها، وتعبر بمصر هذه المرحلة الدقيقة والحساسة لتكون دولة عربية ديمقراطية لا حكم فيها إلا للشعب.
والمجلس العسكري الذي يدير الحكم في مصر خلال الفترة الانتقالية يضطلع بأدوار مهمة سواء على الصعيد الأساسي، وهو حماية أمن الوطن الخارجي، أو على الصعيد الاستثنائي حماية الأمن الداخلي، ووضع خارطة الطريق نحو الحرية.
ولكن يجب أن نعترف أن بعضنا تعامل مع العسكريين سواء أكانوا القوات المسلحة أو المجلس العسكري بكثير من سوء الظن، وارتكبنا في حقه الكثير من التجاوزات، كما يجب في المقابل أن نعترف بالأخطاء الفادحة التي ارتكبها المجلس.
لقد أكد المجلس العسكري تمسكه بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية منتحبة من الشعب، وأكد مرارا وتكرارا عدم وجود مرشح له للرئاسة، ووضع مراحل زمنية للانتخابات البرلمانية، وإعداد الدستور، والانتخابات الرئاسية.
ولكن سوء الظن كان اللغة الوحيدة التي نتعامل بها مع المجلس العسكري، مسترجعين في ذلك الخوف التقليدي من "العسكر"، وهو خوف ثقافي تربينا عليه على مدى 50 عاما.
البعض يهاجم المجلس العسكري بدافع وطني، والبعض الآخر بدافع الخوف على الثورة ومكتسباتها، والبعض الآخر يهاجم المجلس العسكري تنفيذا لأجندة غير وطنية ، وممارسة للمعارضة .. أي معارضة، حتى ولو لم يكن هناك مبرر، البعض يهاجم سعيا لبطولة زائفة.
مع ثقتي بأن المجلس العسكري ارتكب أخطاء كثيرة . إلا أننا يجب أن نفرق بينه وبين القوات المسلحة صاحبة التاريخ المشرف. الأخطاء مهما كان حجمها وفداحتها تظل أخطاء فردية ومحدودة، وليست منهجا عاما . أنا لا أنزه القوات المسلحة عن الخطأ، ولا أنزهها حتى عن الفساد، ولكني أؤمن أن فساد أكثر من 30 عاما لا يمكن القضاء عليه في شهور
مواقف القوات المسلحة التاريخية المشرفة التي لا ينكرها أحد، وموقفها من الثورة لا يمكن أن يطمسه أو يخفيه أحد، فلولا انحياز الجيش للشعب لأصبحنا مثل ليبيا وسوريا، واليمن، ولو اتبعنا أسلوب التخوين لخوَّنا الجميع.
مبدأ التخوين والسخرية والتسفية للآخر يؤكد أن الطريق مازا ل طويلا لنتعلم الديمقراطية، الديمقراطية الحقيقية أن أحترم الرأي الآخر . حتى لو كان مخالفا لرأيي، حتى لو كان غريبا وعجيبا، ومضحكا، وأن يكون الحوار هو السبيل الوحيد لتغيير الرأي .
من المؤسف تحويل الوطن إلى خنادق ، "العباسية" و "التحرير" ، "المسلمين" والمسيحيين"، "السلفيين" و"الأخوان"، "الحكومة" و"المعارضة"، "الثوار" و"المجلس العسكري"، كل خندق يهاجم الآخر، ياجماعة .. كفى فرقة وتخوينا .. نحن جميعا بمزايانا وأخطائنا .. مصريون.
إنني أشبه المجلس العسكري الآن بالرجل الذي يحاول إنقاذ آخر من البئر، فيمد إليه يده، ولكن هذا الشخص الذي لم يزل في قاع البئر، يسب منقذه ويتهمه بالفساد و... و... ، يا أخي انتظر حتى يتمكن من إنقاذك ثم وجه له ما تريد من تهم.
هو أشبه بلاعب السيرك الذي يحاول التوازن على حبل مشدود، طرف يريد أن يسقطه، والطرف الآخر يريد أيضا أن يسقطه، بينما الجمهور يتفرج على هذه الملهاة، ويتطلع لسقوط اللاعب الكبير.
للجيش أخطاؤه .. ، وللمجلس العسكري أخطاؤه، كما أن لكل منا أخطاؤه، ليس هناك معصوم من الخطأ، وفساد 30 عاما لا يمكن القضاء عليه في شهور، ولكن البعض يتعامل مع الوضع بمثالية مطلقة، ويريد الجيش منزها لا يرتكب أي خطأ، وإذا حدث خطأ ، فإنها الطامة الكبرى، لقد نسينا أن الجيش يضطلع بمهمة خطيرة ليست من اختصاصه، فالقوات المسلحة ليس من اختصاصها العمل المدني، وحماية الأمن الداخلي، والدبابة غير مجهزة للمشي في الشوارع ومطاردة المجرمين من حارة لأخرى.
لقد أخطأ المجلس العسكري في بعض المواقف والملفات، أخطأ في تعذيب مواطنين خلال الثورة، وفي اختبارات العذرية، وأخطأ بعض أفراد في التعامل مع متظاهري ماسبيرو .. ، وأخطأ بإحالة المدنيين إلى محاكمات عسكرية، في الوقت الذي يحاكم فيه الرئيس السابق أمام محكمة مدنية، ولكن الخطأ وارد في كل الأحوال، ولا يمكن أن يكون الخطأ منهجا لقواتنا المسلحة العظيمة.
قد نعتب، وننقد ونهاجم مواقف معينة للمجلس، ولكن لا يجب أن يكون ذلك مبررا للتخوين، البعض يتعامل مع المجلس العسكري كعدو .. يريد تدمير البلاد .. وهذا تجني.
"العسكري" يختلف عن "السياسي" في أشياء كثيرة، في النوم والاستيقاظ ، والإدارة .. في المجال العسكري لا مجال للديمقراطية، ففي ساحة المعركة إذا كلف القائد الجندي بأمر لابد أن ينفذه .. وإلا تعرض الجميع للخطر، لا مجال لكي يعترض الجندي الذي صدرت له أوامر بضرب النار، ليس من حقه أن يجادل قائده، ويقول " لماذا ..؟"، "أنا أرى."..
القوات المسلحة لا تعرف مقتضيات السياسة، وليس مطلوبا منها ذلك، ولكنها وجدت نفسها تقود أهم عملية سياسية في البلاد، وتحمل مسؤولية العلاقات الخارجية، والداخلية، وتوفير الغذاء، والدواء، وأنابيب البوتاجاز ، وتأمين مباريات الكرة، وغيرها من مستلزمات المعيشة لـ 85 مليون مصري.
القوات المسلحة أشبه بالأب الذي ينتمي إلى جيل قديم، وعليه الآن يساير الأبناء بنزقهم وتطلعاتهم، كالأب عندما تغيب الأم، يصبح مجبرا على القيام بدور الأب والأم معا، ويصبح عليه أن يوقظ الأطفال، والذهاب بهم إلى المدرسة مبكرا، وإعداد الطعام، ومراجعة دروس الأبناء.
لا أنكر خوف المصريين الطبيعي على ثورتهم ، ولا أنكر أيضا احتمال ولو كان ضعيفا أن تكون هناك نية لاختطاف الثورة سواء من العسكر أو غيرهم، ولكن حتى الآن لم يبدر من المجلس العسكري ما يمكن تفسيره بأنه يتعارض مع إرادة الشعب، ولو ظهر ذلك بشكل جلي وواضح سنقف جميعا في مواجهته.
من المكن أن يكون لفلول العهد البائد دور في تشويه الثورة، والمجلس العسكري، ومن الممكن أن تكون المليارات التي دخلت من خارج البلاد في الشارع المصري لإجهاض الثورة المصرية بدأ مفعولها في الظهور، والتمويلات الخارجية التي تلقتها جماعات دينية وغير دينية، والتي حولت النضال إلى بيزنس.
من الممكن أن يكون الهجوم بدافع وطني بحت هدفه الخوف على الثورة التي سقط فيها الشهداء. وخوفا من استبدال نظام مبارك بنظام مستنسخ منه، وأيضا من الممكن أن يكون الهجوم على القوات المسلحة جزء من مخطط تخريبي كبير هدفه تبشيع الثورة المصرية الجميلة.
لا أطالب بمنح المجلس العسكري شيكا على بياض ، ولكن أطالب بتكثيف الرقابة الشعبية على أدائه لضمان تنفيذ مطالب الثورة كاملة.
إن حالة التوجس القائمة الآن من المجلس العسكري يمكن إنهائها في يوم واحد وذلك بالآتي:
1ـ تسليم السلطة فورا إلى حكومة مدنية منتخبة.
2ـ إيقاف تحويل المدنيين إلى القضاء العسكري، وتحويل المدنيين الذين صدرت ضدهم أحكام عسكرية للقضاء المدني، لإعادة محاكمتهم، ويقدر البعض عددهم بـ 12 ألف.
3 ـ تنفيذ فوري لقانون الغدر بمنع من أفسدوا الحياة السياسية في النظام السابق، على أن يدرج ضمن هؤلاء الذين تورطوا بالفعل في هذا الإفساد.
4ـ الدعوة إلى المصالحة الوطنية بين جميع التيارات بمن فيهم أعضاء الحزب الوطني الذين لم يرتكبوا ما يضر بالوطن.
5ـ إحداث تغييرات جذرية في وزارة الداخلية، وبدء خطة فورية لإعادة الأمن.
6ـ دعوة جميع التيارات السياسية سواء أكانوا أحزاب أم تيارات لمؤتمر عام للاتفاق على الخطوات المقبلة لتسليم السلطة ومراحل ذلك المختلفة.
7ـ استكمال متطلبات الثورة، بإقصاء كافة رموز العهد السابق في الإعلام والصحافة، والمحافظات والجامعات، والهيئات المختلفة.
8ـ استكمال محاكمة رموز العهد السابق وعلى رأسهم الرئيس السابق.
9ـ إعلان ما تم التوصل إليه في موضوع استعادة أموال مصر في الخارج، واتباع مبدأ الشفافية الكاملة في هذا الموضوع.
10ـ التحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها البعض على أيدى القوات المسلحة، ومن بينها التعذيب، والاحتجاز غير القانوني، وفحص العذرية، واغتيال المتظاهرين، وتعمد إطلاق الرصاص والخرطوش على عيونهم، واتخاذ الإجراءات اللازمة التي تكفل معاقبة المتسببين، وتعويض المتضررين، ومنع تكرار ذلك مرة أخرى.
11ـ إلغاء الإجراءات التي يتخذها الجيش، والتي تنطوي على مساس بالحريات، وتطوير القضاء العسكري، وإذا كنا نطالب بتطهير مؤسسات الدولة من الفساد، فيجب أن تكون القوات المسلحة على رأس المؤسسات التي تتطهر من ركام العهد السابق، لتواكب الروح الجديدة للثورة المصرية.
12ـ التحقيق الشفاف، وإعلان النتائج في القضايا التالية:
ـ فتح السجون وإطلاق المساجين الذي حدث خلال ثورة 25 يناير.
ـ الهجوم المنظم على أقسام الشرطة خلال الثورة، وسرقة الأسلحة.
ـ محاولة اغتيال نائب الرئيس الأسبق اللواء عمر سليمان.
ـ ماتردد عن محاولات إنقلابية حدثت خلال الثورة من بعض الأجنحة الحكومية.
ـ ماصرح به وزير العدل من وجود مليارات تنفق من قوى خارجية لإجهاض الثورة المصرية.
ـ تبرع دولة خليجية بعد ملايين من الدولارات لجمعية سنية مصرية.
ـ تلقي جمعيات أهلية مصرية تبرعات من السفارة الأميركية بالقاهرة.
ـ دعم دول عربية لتيارات سياسية ودينية معينة بهدف التأثير على الانتخابات.
ـ التحقيق في استرداد أموال الرئيس السابق، وزوجته، وأبنائه، ورجال حكمه .
ـ وقائع قتل المتظاهرين في واقعة ماسبيرو ، وأحداث 28 فبراير. وشارع محمد محمود.
ـ التحقيق في وقائع وأقوال وردت خلال التحقيق مع بعض النشطاء يؤكد وجود مناوئين للثورة في جهاز الشرطة، والقوات المسلحة.
ـ وقائع سوء التعامل مع المعتقلين، والاجراءات المهينة التي تعرضوا إليها، كالتعذيب والاحتجاز، والإهانات اللفظية، واختبارات العذرية للفتيات.
جيش مصر العظيم يتحمل مسؤولية كبيرة، ولا أعتقد أن جيش مصر العظيم بتاريخه وقيمه الراسخة يمكن أن يقبل الفشل في هذه المهمة التاريخية.
الفأس والسلاح:
في زمن السلم يجب أن توجه لقوات المسلحة جزءا من قدراتها للإنتاج، ولدينا تجارب مشرفة في هذا المجال مثل الهيئة العربية للتصنيع، المأمول أن تضطلع القوات المسلحة في المرحلة المقبلة بدور كبير في التنمية، وبناء المشروعات الكبرى التي تنقل مصر إلى عصر جديد.
يجب أن نتبنى مشروع "التجنيد للبناء" الأمر ربما يحتاج إلى تشريع يجيز تحول الجندي إلى منتج. واستبدال السلاح بالفأس.
القوات المسلحة قوة بشرية ومالية هائلة يمكن أن تقدم الكثير في مجالات الصناعة والزراعة والبناء، ومشاريع الاكتفاء الذاتي.
معسكرات إنتاج:
في وقت السلم يجب أن تكون مهمة القوات المسلحة هي الإنتاج، من خلال "معسكرات للإنتاج" ينخرط فيها المجندون يتعلمون من خلالها مهنا معينة، وينتجون، ويتقاضون رواتب، ويفيدون الوطن.
من الممكن أن نبدأ بمليون جندي كمرحلة أولى يقيمون في معسكرات إنتاجية تابعة للجيش، ويقضون فترة تجنيدهم في هذه المعسكرات". وبعد انتهاء فترة تجنيدهم يحصلون على شهادة التجنيد وشهادة الإنتاج التي تؤهلهم للعمل في المؤسسات المختلفة.
أعتقد أن القوات المسلحة يجب أن تضطلع بمشاريع كبرى مثل :
1ـ تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح في غضون سنتين.
2ـ بناء أعلى مبنى في العالم في القاهرة
3ـ بناء 20 استاد رياضي موزعة على كافة محافظات مصر.
4ـ بناء مدن ومجتمعات عمرانية جديدة تساعدنا على الخروج من الوادي الضيق.
5ـ الاضطلاع بمشروع لتعمير منطقة توشكي.
6ـ بناء 5 ملايين وحدة سكنية بمواصفات قليلة التكلفة تخصص للشباب والمحتاجين.
لو اضطلعت القوات المسلحة بمثل هذه المشاريع ستنفذها بأعلى مستوى من الكفاءة.
التنمية أقصر الطرق للدفاع عن الوطن، فالمجتمع القوى خير ضمانة لهذا الوطن، وحائط صد كبير ضد الاعتداءات الخارجية.
القوة العسكرية:
وفقا لموقع أميركي فإن مصر تحتل المرتبة الـ 17 في ترتيب القوة العسكرية العالمية، وجميع الدول التي تسبقها دول نووية، وهي كما يظهر الترتيب أكبر قوة عسكرية عربية.
والغريب أن هذه المعلومة غير متداولة، ولو تم نشرها لأعادت الثقة للأجيال الجديدة التي فقدت الثقة في كل شيء، ولكان ذلك إلهاما لبناء البلاد ، حتى نكون الأقوى دائما.
القوة العسكرية المصرية ستظل كما كانت دائما هدفها الأول والأساسي حماية البلاد . لأن التنمية تحتاج إلى قوة تحميها . خاصة في المرحلة المقبلة . التي تترصد فيها قوى شريرة لإجهاض الثورة المصرية ومنع مصر من القفز نحو الديمقراطية.
وهناك قواعد ستتم في هذا الإطار:
!ـ منع عمل القوات المسلحة المصرية خارج الوطن، واستبدال ذلك بالمهام غير القتالية.
2ـ تنمية وتعظيم وتحديث القوات المسحة لتسير هذه العملية جنبا لجنب مع عملية التنمية.
3ـ تجنيد المرأة في القطاعات التي تتناسب مع طبيعتها.
4ـ الاهتمام بالكم لا بالكيف بتحديث الجيش بالتقنية التي تختصر الأفراد والمخترعات الحديثة التي تجاوزت المعدات التقليدية.
5ـ استحداث أنماط جديدة للحرب والدفاع كالحرب الألكترونية والاقتصادية والسياسية.
6ـ تطوير الإنتاج الحربي والمدني.
تاريخ الإضافة: 2014-04-11تعليق: 0عدد المشاهدات :825