أحد المشكلات التي عانت منها مصر في العهد البائد أنها فقدت القدرة على الحلم، نسيت الطموح، وقنعت بالقليل .. والقليل نفسه أصبح غاية .
ما سبب تطور مدينة دبي، وتحولها إلى مركز اقتصادي عالمي؟، ما سبب الحركة الدءوبة لدولة صغيرة مثل قطر التي لا تنام، وتحلم أن تكون أكبر وأكبر؟، السبب هو الطموح، لقد قيض الله لبعض البلاد حكاما يحلمون، ويعملون على تحويل الحلم إلى حقيقة.
لقد افتقدت السياسة المصرية بعد السادات ـ الذي حلم بالنصر على إسرائيل ـ إلى الطموح، فجاء الرئيس الموظف، .. مجرد موظف في مهنة رئيس، لم يطمح يوما في أن تكون بلده أعظم الأمم، لم يمر بسيارته في طريق المطار واكتشف أن هذا الطريق لا يليق بدولة تردد طوال الوقت أنها "أم الدنيا" ..
لو كان الرئيس السابق يملك هذا الطموح السياسي لكان على الأقل حول هذا الطريق إلى معلم حضاري يتحدث عنه العالم، ولشيد فيه أعلى برج في العالم، وأسس الأعاجيب.
لقد كان الرئيس السابق يكرر في أحاديثه الصحفية مع التلفزيونات العالمية أن أهم منجزاته إنشاء البنية التحتية، القادة الجدد يفكرون في بناء أعلى ناطحة سحاب تكون مركزا للجذب السياحي، وإدخال معالم بلادهم إلى قائمة عجائب الدنيا. ورئيس مصر يتباهى بإنشاء المجاري!
مصر في عهدها الجديد يجب تستعيد طموحها السياسي، وأن تتمتع برؤية أبعد للمستقبل.
لماذا لا تفكر مصر في الانضمام للاتحاد الأوروبي؟، لماذا لا تخطط حتى ولو على المدى البعيد أن تقدم للعالم تجربتها التنموية، كما فعلت كوريا الجنوبية وماليزيا والبرازيل، لماذا ونحن نملك ثلث آثار العالم لا نكون القبلة السياحية الأولى في العالم، ونحقق 50 مليون سائح سنويا؟.
لماذا لا نتبنى الدعوة لنظام بديل للأمم المتحدة، يكون أساسا لوحدة العالم، والعمل على إصلاح النظام الدولي تحت شعار العام الجديد، في مقابل الشرق الأوسط الجديد الذي تبنته أميركا في عهد بوش؟.
لماذا لا نقنن فقه الثورة، ونضع معايير جديدة لتعريف الدولة، فليس من حق أحد أن يحكم شعبه بالحديد والنار، ليس من حق أحد أن يحكم شعبه 30 أو 40 عاما كما فعل مبارك والقذافي، والأسد، تتضمن هذه المعايير القيم الإنسانية العامة، ومنها الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.
هناك فلسفة شعبية للحلم تقضي بأنك إذا حلمت بامتلاك مكوك فضائي ، ستحصل على طائرة، وإذا حلم بطائرة، ستحصل على سيارة، أما إذا حلمت بسيارة ، سيرسى الأمر على "تُك تُك"، ويقول الشاعر "على قدر أهل العزم تأتي العزائم"
الناجحون هم من ملكوا الطموح، واجتهدوا لتحويل هذا الطموح إلى واقع، والفاشل هو الذي استسلم لواقعه، وقضى عمره جليسا للمقاهي، يلعب الدومينو ، ويعاقر النرجيلة.
يجب أن تتغير نظرتنا الاجتماعية القديمة التي ساعدت على التخلف، والتي تقول "إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه"، و"على قد لحافك مد رجليك"، و"عصفور في اليد خير من 10 على الشجرة"، ولنعلم جيدا أن "الحلم" أول خطوة نحو الحقيقة.
والطموح يجب أن ينتقل من القائد إلى الفريق .. يجب أن ينتقل الطموح إلى الشعب. مصر تحتاج إلى حاكم يستنهض الهمم، ويعلى سقف الطموح، ويمنح الأمل الأجيال الجديدة.
يجب أن تكون أحلام مصر الحرة كبيرة وعظيمة، وأن تستغل الدافعية التي حققتها الثورة في تحقيق أكبر انطلاقة في تاريخها الحديث.
هايد بارك المصريين
لقد فرضت ثورة 25 يناير واقعا جديدا، فقد أصبح التظاهر حقا مشروعا لا خلاف عليه لكل المصريين، وهو حق لن يتنازل الشعب عنه، ولكن الواقع أوضح أن التظاهرات يمكن أن تتحول إلى مآسي، كما حدث في وقائع العباسية، وماسبيرو، و25 فبراير، والتي وقع فيها قتلى وإصابات.
فعلى المستوى الطبيعي التجمعات .. أي تجمعات حتى ولو كانت سلمية.. يمكن أن يسقط فيها مصابون أو ضحايا، الزحام والحشود قد تسبب هبوطا لبعض المتظاهرين .. موسم الحج مثلا يشهد كل عام سقوط ضحايا من كبار السن والمرضى، وقد سقط العالم الحالي 2011 وفقا للإحصائيات 64 حاجا في وفاة طبيعية.
من ناحية أخرى يمكن أن يتسلل للمظاهرات مندسون، أو بلطجية بهدف إثارة الفوضى، وهذا حدث في معظم التظاهرات، وبالطبع لا يمكن للشرطة أو القوات المسلحة أو حتى المواطنين التفرقة بين المتظاهر الشريف وغير الشريف، ليس هناك جهازا يفرق بين هذا وذاك، لذلك نجح المندسون في مخططهم، وتتحولت بعض المظاهرات إلى فوضى واشتباكات.
التوفيق بين حرية الرأي والأمن العام صعب، وهي الإشكالية لم يستطع حتى الغرب في حلها.
في شهر نوفمبر 2011 بدأت في أميركا حركة "احتلوا وول ستريت" التي تهدف إلى مواجهة الشركات الكبرى التي تضع المال قبل الإنسان، واستلهاما للغضب العربي قام مئات من الأميركيين باحتلال أهم منطقة مالية في نيوريورك، وجعلوها ساحة للتظاهر والاعتصام .
ولكن أميركا رائدة الديمقراطية كما يصورها البعض قامت بإخلاء "وول ستريت" من المحتجين "السلميين" بالقوة، وألقت القبض على بعضهم.
وبرر الرئيس باراك أوباما ، في ظل ارتباك سياسي واضح الخطوة، وأعلن البيت الأبيض أن على كل بلدية أن تتخذ قراراتها الخاصة حول كيفية إدارة هذه المشكلات، مؤملاً أن تسعى البلديات إلى توازن بين تقاليد حرية الاجتماع، وحرية التعبير السارية في الولايات المتحدة، وبين الأهمية الكبيرة لفرض احترام القانون، والحفاظ على النظام .
وأكد قاض في نيويورك قرار سلطات المدينة منع معتصمي حركة "احتلال وول ستريت" من العودة إلى حديقة زوكوتي التي طردوا منها.
الغريب أن السلطات الأميركية في معرض تعليلها لفض الإعتصامات بالقوة قالت نفس العبارة الشهيرة التي تقال في هذه الأوقات والتي قيلت عن "ميدان التحرير" من قبل النظام السابق، وهي أن المظاهرات "أصبحت مرتعا للعنف والجريمة"
وسرعات ما انتقلت حركة الاحتجاجات إلى استراليا ، ولكن بمسمى "احتلوا ملبورن؟ فتعاملت معها السلطات الأمنية بنفس المنطق، فقامت بفض الاعتصام بالقوة، واجتاحت الشرطة الاسترالية مخيماً للحركة، وألقت القبض على ثلاثة متظاهرين أثناء قيامها بتفكيك خيام المتظاهرين.
وأفادت المتحدثة باسم شرطة ملبورن أنه لم يتم طرد المتظاهرين من المخيم، لكنهم أعطوا إشعارات تمنحهم ساعة لإزالة خيامهم، مشيرة إلى أن بعض المتظاهرين بقوا بصورة قانونية في المخيم.
وقالت متحدثة باسم شرطة ولاية فيكتوريا أن ضباط الشرطة أوقفوا أكثر من عشرة متظاهرين ثم ألقوا سراحهم فيما بعد.
شرارة الغضب انتقلت إلى لندن فشنَّ مناهضون للرأسمالية في الحي المالي بلندن حملة "احتلوا لندن، فوضع مسؤولون إخطارات قانونية على خيام معتصمين، وأمهلوهم 24 ساعة لإنهاء الاعتصام، وأمرتهم بمغادرة المنطقة الواقعة أمام كاتدرائية سان بول، وإلا سيعرضون أنفسهم للمساءلة القانونية .
أي نعم الشرطة هناك أزالت خيام المعتصمين وأوقفت بعضهم، بينما الشرطة عندنا أطلقت عليهم الرصاص الحي والمطاطي والخرطوش والرصاص المسيل للدموع، إلا أن القضية واحدة، وهي إشكالية التوفيق بين حق الاعتصام والحفاظ على الأمن.
العالم مرتبك، لا يعرف كيف يتعامل مع التظاهر، فرغم إقراره بحق التظاهر ، إلا أنه يقمع المتظاهرين، ويلقي القبض عليهم.
لذلك يجب التعامل مع التظاهر بوسيلتين هما:
1ـ نشر ثقافة التظاهر، وتعني أن أتظاهر بطريقة سلمية، وأعبر عن رأيي بالكلمة أو اللافتة، أو الرسم، والتعبير، أو الأداء المسرحي، وغيرها من طرق التعبير، بشرط عدم الإيذاء، وتعطيل المصالح، والإضرار بالممتلكات.
2ـ تخصيص مكان واسع بالقاهرة يسع لمليون شخص يكون ساحة للتعبير عن الرأي و"هايد بارك" المصريين، يتم تجهيزه بالخدمات والاستراحات، وأماكن لوسائل الإعلام لمتابعة فعاليات التظاهر، ويتم تأمين المكان، وتزويده بمواقف سيارات، وساحات انتظار.
سيكون هذا المشروع الأول من نوعه في بلاد العرب، والثاني على مستوى العالم بعد "هايدبارك" لندن، وسوف يكون لذلك فوائد جمة، حيث سيتحول التظاهر إلى نوع جديد من الفن، وسوف يفرز هذا الفن العديد من الأفكار، والإبداعات، والمواهب، والأهم أنه سيثري تجربة الحرية الوليدة.
........ يتبع
كما لا نستطيع تجاهل احتمال حتى ولو كان ضعيفا يشير إلى وجود "تعاطف" من بعض قيادات أو أفراد القوات المسلحة ، خاصة القوات الجوية، مع الرئيس السابق، باعتباره كان واحدا منهم، بل كان "القائد الأعلى لهم"، وعدم رضا هؤلاء عن ما آل إليه رئيسهم ، ومحاكمته التي قد يعتبروها مهينة للسلك العسكري.
لذلك لا يمكن إغفال البعد النفسي في الموضوع، والذي سيجعل من الصعب على أفراد الشرطة نسيان الأمر ، وتناسي أن الثورة في الأساس كانت ضدهم
تاريخ الإضافة: 2014-04-11تعليق: 0عدد المشاهدات :910