لست قلقا على المستقبل السياسي في مصر، لأننا مادمنا نتعلم الديمقراطية، فإنه من المحتمل جدا أن نخطيء .. ثم نتعلم، من المحتمل أن نخطيء الاختيار في البداية، ولكن ذلك لن يكون كارثيا، لأننا لو أسأنا الاختيار مرة، سوف نجيده في المرة المقبلة، فالطفل يبدأ في الحبو، ثم يحاول المشي ويتعثر، ثم يمشي ، ثم يركض.
لذلك لا يجب أن ننزعج لو كانت النتيجة الأولى للانتخابات خاطئة، وأن لا نصدم لو لم تنجح التجربة 100%، لأن هذه من سمات البدايات .. فالبدايات دائما ما تكون متواضعة، ولكن بالخبرة تصقل التجربة، وتتقدم نحو الأفضل. السجين عندما يخرج من السجن بعد عقود طويلة من الظلام من الطبيعي أن تعميه شدة الضوء.
بعد آخر يجب توضيحه، وهو أنه لا مجال للإقصاء في "مصر الجديدة"، ستمنح فرصة المشاركة للجميع، الإقصاء دائما يسبب التطرف، أما المشاركة فتهذب وتقوِّ، ومن غير المستبعد أن تكون إتاحة الفرصة للفصيل السياسي المستبعد بداية لتطور رؤيته وتغيره إلى الأفضل، كما حدث من تونس بعد الثورة، حيث فاز "حزب النهضة الإسلامي" بأغلبية مقاعد البرلمان وقام بتشكيل الحكومة، وبمجرد فوزه طمأن المستثمرين ورؤوس الأموال، وأعلن أنه لن يستأثر بالحكم، وسيعمل على تأسيس دولة مدنية، وسيحرص على مشاركة كل التيارات، وأنه سيحافظ على مكتسبات المرأة التونسية، وأنه لن يفرض الحجاب على المرأة. بل أن حكومته ستضم نساء.
نفس الأمر حدث في المغرب عندما فاز "حزب العدالة والتنمية، بمعظم مقاعد البرلمان ، وسيحدث في مصر إذا فاز تيار إسلامي معين.
الوحدة الوطنية:
"الوحدة الوطنية" تعبير مستفز، مستهلك، عاف عليه الزمن، ورغم مدلوله الإيجابي، إلا أنه في العصر الحديث فقد قيمته، ففي عصر الإنترنت، ووسائل الاتصالات الحديثة، ومواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيس بوك"، و"تويتر"، أصبحت حرية العقيدة شيء بديهي، وأساسي، و"مفروغ منه" ليس ذلك فقط، بل أن الواقع الجديد يحتم علي الإنسان أن يقبل أي شخص حتى ولو كان بلا دين.
الإصرار على تعبير "الوحدة الوطنية" يشير إلى وجود مشكلة بين عنصري الأمة المسلم والمسيحي، وهذه إشارة خاطئة، فالبعد الطائفي غير موجود في مصر، وهذا سر عظمتها ، لقد كانت مصر دائما قادرة على استيعاب كل الأديان والثقافات، وإذابتها في نسيج واحد هو النسيج المصري.
قد تحدث مشكلة أو مشكلات تتخفى في الثوب الطائفي، ولكن إذا دققت جيدا، ستكتشف أن البعد الديني غير موجود ، قد يكون السبب الجهل، أو الجريمة، أو التعصب الثقافي، ولكن الطائفية بمعناها القبيح ليست موجودة داخل مصر.
لقد نشأ المسلم على مر القرون بجوار المسيحي، ولم يفرق النسيج الاجتماعي يوما بين الناس على أساس أديانهم، بالطبع الأقباط لهم مشكلات، ومتطلبات، ولكن أيضا المسلمون لهم مشكلات ومتطلبات، لقد كان المسيحيين شركاء للمسلمين دائما ، حتى في المشكلات الاجتماعية، فعاني المسيحي مثل المسلم من الدكتاتورية غياب العدالة، وتفشي الفساد، والاحتكار السياسي ..، ولعل أحد الأمثلة وجود رمزين سقطا في معركة الحرية ، الأول "خالد سعيد" المسلم الذي قتله زبانية الحكم السابق، وأشعل موته ثورة مصر، و"مينا دانيال" المسيحي الذي سقط في مظاهرات ماسبيرو بعد الثورة.
المشكلة الحقيقية لم تكن يوما بين مسلم ومسيحي، ولكن بين المسيحي ونظام سياسي استخدمه كورقة سياسية، نظام سياسي عانى منه الجميع سواء مسلمين أم أقباط.
في العالم الجديد التعدد العرقي ليس مشكلة، ولكنه عامل إيجابي، أنظروا مثلا إلى ماليزيا التي تتكون من أربعة عرقيات أساسية هي المسلمون، والصينيون، والهنود، وخليط من أعراق مختلفة.
أنظر إلى الإعلانات السياحية عن هذا البلد التي تركز على التنوع العرقي وتسوقه وتروجه، وتتعامل معه كعامل فخر. في ماليزيا توجد المساجد، والكنائس، والمعابد الهندية، والبوذية، وكل المواطنين رغم اختلاف عقائدهم ينخرطون تحت مظلة الوطنية.
أنظروا إلى أميركا التي عانت من أكبر ضربة إرهابية في العصر الحديث في سبتمبر 2001 والتي راح ضحيتها أكثر من 3 آلاف شخص. مازالت أميركا تفخر بتعددها العرقي، وتستقبل سنويا 50 ألف مهاجر بطريقة القرعة .. معظمهم مسلمون.
لماذا لم تعرف أوروبا الطائفية ؟، لماذا لم تعرف فرنسا التي تضم 5 ملايين مسلم الاحتقان الديني، .. "الطائفية" مرض خبيث لا ينمو إلا في العالم العربي حيث التعصب ثقافة اجتماعية ضاربة، التنوع الديني كالتنوع النباتي والمناخي وتنوع حتى المأكولات .. مفيد في كل الأحوال.
ليس لدينا في مصر تعدد عرقي بالمعنى المفهوم، لدينا فقط ديانتان وحيدتان، الإسلام والمسيحية، وللأسف كل هذا الجدل، يجب أن نعتبر التعدد لعرقي عامل فخر، وأن يتعامل المسلم مع الثقافة المسيحية كثقافة مصرية يفخر بها، وأن يتعامل المسيحي مع الثقافة المصرية بنفس المنطق.
قد يظهر متطرف هنا أو متطرف من هناك ..، قد يعلو التعصب هنا أو هناك ، ولكن مادامت الرؤية واحدة، والجذور قوية، لن يضيرنا إذا طلع فرع فاسد هنا أو هناك، .. لأنه سرعان ما سيجف الفرع الفاسد، ويسقط في عملية التجديد.
موضوع "الفتنة الطائفية" أصبح موضة قديمة، وفكرة متخلفة كان يمكن أن تنجح منذ 20 عاما، ولكن الآن مع الانفتاح الثقافي، والانفجار المعلومات، وطوفان التقنية، والإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي. انتهى صراع الأديان، والحضارات، والتوجس من الآخر، وأصبح من البديهي أن أقبل الآخر .. أي آخر ، حتى ولو كان بلا دين.
تاريخ الإضافة: 2014-04-11تعليق: 0عدد المشاهدات :1016