تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



محمد البوعزيزي | الأمير كمال فرج


تأثرت عندما علمت بخبر الشاب محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه في محافظة سيدي بوزيد التونسية بسبب مصادرة السلطات البلدية عربته البسيطة التي يبيع عليها الخضار والغلال، وعندما ذهب للاعتراض، وطلب العربة التي هي كل رأس ماله، فتعرض للإهانة والصفع.

لم يجد الشاب البائس، وهو في هذه الحالة المؤلمة من الإحباط واليأس سوى أن يحرق نفسه احتجاجا على الظلم الذي تعرض له، وهذا الموقف قد يحدث في مصر أو في أي من بلادنا العربية، بل قد يحدث في أي دولة في العالم.

وفي الذاكرة حكايات دامية للعديد من الشباب الذين حاولوا التعبير عن مدى الظلم الذي تعرضوا له فحاولوا الانتحار، بعض هذه الحالات تم إنقاذها بمعرفة الجهات المختصة، والبعض الآخر سبق السيف فيها العذل، وتحول المحتج البائس في لحظات إلى جثة هامدة.

عندما تغلق أمام الإنسان كل سبل الحياة، يتمكن منه اليأس، وعندما لا يجد الطرق الطبيعية للاحتجاج، فإنه يلجأ إلى هذه الطرق اللافتة للانتباه، وعندما لا يجد آذانا تستمع إليه، وتنظر شكواه وتنصفه، لا يجد مفرا من إيذاء نفسه بهذه الطريقة المروعة.

وحرق النفس أو التهديد بذلك صورة نراها في بعض المجتمعات، وقد يكون دافعها اجتماعيا أو سياسيا، وفي الثقافة الشعبية المصرية كان مشهد إغراق الجسد بالجاز، وإشعال عود الكبريت، والتهديد بإشعال النفس أحد صور الاحتجاج الاجتماعي الموجودة في الطبقات الدنيا من المجتمع. وهي طبقة مسحوقة ومهمشة، ربما لأن هذه الوسيلة تعتبر أرخص سبل الاحتجاج، أمام شخص بائس محروم لا يملك من حطام الدنيا شيئا، فالكبريت والجاز أدوات رخيصة الثمن في متناول اليد.

وقد برعت هيفاء وهبي في تجسيد هذا المشهد في فيلم "دكان شحاتة" عندما أغرقت جسدها بالجاز، وأشعلت عود الكبريت مهددة بحرق نفسها اعتراضا على محاولة إجبار أخيها لها على الزواج من شخص لا تحبه.

بالطبع نرفض الانتحار كجريمة وإيذاء النفس كتعبير عن الاحتجاج أو اليأس أو لإثبات تعرض الإنسان للظلم، وإن كنا قد نتفهم الحالة النفسية المرضية التي تدفع المرء إلى ذلك، ولكننا لو جنبنا الأبعاد السياسية في الموضوع، وتناولنا الواقعة في سياقها الاجتماعي فقط  سنكتشف العديد من الأبعاد.

فما هي الدوافع النفسية التي تدفع الإنسان العاقل إلى هذا المصير، ما هذا النوع القاسي من الظلم الذي يدفع المرء إلى قتل نفسه لإثبات أنه مظلوم، وما طبيعة هذا المجتمع القاسي الذي يفرز لنا شبابا يتملكهم الإحباط واليأس إلى هذه الدرجة؟.

النظام العادل هو الذي يضع القانون ليس في المكاتب المكيفة، ولكن يضعه بين الناس، بعد تلمس احتياجاتهم ومشاكلهم، وعندما يطبق القانون يجب أن يراعى المنفذون أن هناك قانونا، وهناك روح للقانون، والعمل بروح القانون لا يعني خروجا عليه، ولكنه يعني تفهم الحالة، ومراعاة الأبعاد الإنسانية والاجتماعية لها.

النظام العادل يؤمن أن القانون رغم أهدافه الإيجابية سيكون له ضحاياه، لذلك يجب تنفيذ القوانين بمرونة اجتماعية. من الممكن أن أنفذ القانون بحذافيره، ولكن النتيجة لن تكون مرضية، في الوقت نفسه يمكنني أن أنفذ القانون بمرونة اجتماعية فأحقق النتائج الباهرة.

نأتي بعد ذلك إلى ضحايا القانون، فكل قانون له ضحاياه الذين يمكن أن يقعوا ضحية القانون نفسه الذي ربما وضع على خطأ، أو يقعوا ضحية سوء التطبيق، أو استغلال السلطة، هنا يجب أن تتوفر للمواطن كل وسائل الاعتراض والاحتجاج والتظلم، بحيث يبت النظر في مظلمته بعدل وسرعة وشفافية. لأن الأمر هنا قد يتعلق بحياة مواطن والأسرة التي يعولها. هنا يمكن إنشاء مكاتب خاصة للنظر في هذه المظالم والبت فيها بالسرعة الكافية.

لماذا هذه القسوة التي تتعامل بها السلطات البلدية مع الباعة الجائلين، وهي الصورة التي رأيتها في مصر، ودول أخرى، وها نحن نراها من خلال وسائل الإعلام في تونس، وهي قسوة موجودة في العديد من المجتمعات، حيث يطارد موظفو البلدية الباعة الجائلين، ويقبضون عليهم، ويصادرون بضائعهم وعرباتهم، ويقطعون أرزاقهم، ويحررون لهم محاضر إشغال طرق.

عندما يأتي الخبر بقدوم البلدية ينتفض الباعة الجائلون ويجمعون بسرعة بسطاتهم المتواضعة وما تضمه من بضائع شعبية، أو يدفعون عرباتهم الخشبية المتهالكة هربا من حملات التفتيش البلدية. ويلملم البائع الجائل ما يتمكن من جمعه من بضاعته، ملابس وأحذية وجوارب ومأكولات ويركض، وقد ينسى بعضها في الطريق، أو تتساقط البضائع منه، لكنه يتركها ويركض لينفد بجلده.

وبين هذه الفوضى تمر عربة الشرطة ووراءها عربة كبيرة، يقوم المخبرون بمصادرة  العربات الخشبية والكراسي وبقايا البضائع، ووضعها في العربة في مشهد درامي يثير تعاطف الجماهير التي وقفت تتفرج، وعادة ما يعود الباعة الجائلون إلى أماكنهم بعد انتهاء حملة التفتيش، ليمارسوا كفاحهم اليومي من أجل لقمة العيش، ليعاودوا الكرة من جديد عندما يسمعون عن حملة أخرى.

البائع الجائل الذي يدفع عربته الخشبية المتهالكة، والذي يبحث عن رزقه بكده وتعبه، أشرف وأطهر من الآخرين الذين فضلوا الربح السريع بالسرقة، أو بيع الحشيش والبانجو، ومن المفروض أن يحظى هؤلاء الكادحون بدعم الدولة، لا أن يطاردوهم كما يطاردون المجرمين. إذا أغلقنا أمام المواطن طريق الرزق الحلال، فإننا بذلك ندفعه دفعا إلى الطريق الآخر وهو طريق الانحراف.

إذا كان هؤلاء الباعة يؤثرون على حركة المرور أو يؤثرون على الشكل الحضاري للمنطقة ـ كما يرى البعض ـ فمن الممكن تنظيمهم، ومنحهم أكشاكا مرتبة بإيجار رمزي يمارسون البيع من خلالها. وإن كان ذلك لن ينهي ظاهرة الباعة الجائلين التي هي جزء من المجتمع وجزء من التاريخ.

الباعة الجائلون جزء من روح المكان ونبض الواقع المعاش، إذا ألغيناهم، فإننا بذلك نلغي الحيوية والصدق، فتتحول الشوارع بذلك إلى ماكيتات ورقية كالتي نراها في المشاريع الإسكانية جميلة ورائعة، ولكنها خالية من الحياة، فضلا عن الجريمة التي نرتكبها بجهل وغباء، وهي منع مواطن من العمل الشريف، مما يزين له العمل الحرام.



تاريخ الإضافة: 2014-04-07 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1070
0      0
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
69%
 لا
20%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات