المبادئ لا تتجزأ .. صخرة صلدة لا تنكسر، رقم صعب لا يقبل القسمة على اثنين، ليس هناك مبدأ أسود، ومبدأ أبيض، .. لا يوجد مبدأ "خاص" يصلح لفئة ولا يصلح لأخرى، المبدأ ملكية عامة تستعصي على الخصخصة أو الاستحواذ، كالشمس والبحار والكواكب لا يمكن لأحد أن يدعي ملكيتها، لها قوة الطبيعة وسطوة المناخ.
القيم العظيمة وضعت للجميع، .. الفقير والغني، الرجل والمرأة، السادة والعبيد..، والعدالة عمياء لا تفتح عينا وتغمض أخرى، ليس فيها كما يقول التعبير الشعبي "خيار وفاقوس"، والحق هو القوة العادلة الحكيمة التي لا تباع ولا تشترى، ولا ترتهن، أو يتم ابتزازها وترويعها وتوجيهها كما توجه أشياء عديدة بالريموت كونترول.
ولكن الواقع يؤكد أن المبادئ في هذا العصر تتجزأ ، فالموقف من قضية يمكن أن يتغير من مكان لآخر، ومن طقس لآخر، المبدأ يتغير تبعا لطبيعة الشخص، ولونه، ودينه، ومكانته الاجتماعية. المبادئ قانون لا يطبق إلا على الضعفاء، أما السادة فكانوا دائما خارج القانون بفضل السلطة، والنفوذ، والإعلام الفاسد، والفتاوى الموجهة.
الحرية واحدة، ونضال الشعوب من أجلها شأن عالمي، ولكن المواقف حولها كانت مختلفة، فالحرية للعراق، ولكن لفلسطين .. لا، وهذا ليس جديدا أو شيئا مدهشا وصادما. لأن لعبة المبادئ مستمرة منذ سنوات بعيدة، تمارس على كل المستويات .. الشخصية والمجتمعية والدولية.
كثيرا ما نرى أشخاصا يتشدقون بالمبادئ وينادون بها ..، ولكنهم لا ينفذونها، وإن اضطروا مرة ـ تحت الضغط العام ـ إلى تنفيذ المبدأ، فإنهم يكونون على استعداد للتخلي عنه في أقرب فرصة، والمجتمع أيضا يكون أحيانا كثيرة مناديا بالمبادئ في العلن، مخترقا لها في السر، ولعل الدليل على ذلك بعض التقاليد التي تظهر في كثير من الأحيان عادات تتعارض مع الدين ومع حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
أضف إلى ذلك ـ كأمثلة ـ التمييز الذي يمارسه المجتمع تجاه فئات عدة مثل المطلقة، والأيتام، ومجهولي النسب، والمعاقين، والفقراء، وأصحاب المهن الدنيا، الذي يرقى في كثير من الأحيان إلى الاعتداء على حقوق الإنسان.
أما على الصعيد الدولي فالمبادئ حتما تتجزأ، وتتلون، وتتحرك كالبندول، وتتغير 360 درجة تبعا للمصالح الدولية، والسبب هو الفساد السياسي الذي استغل المبادئ لتحقيق أغراضه، والمؤسف أن هذا الفساد لم يعد حالة طارئة ترتبط بشخص أو دولة، ولكنه أصبح حالة عامة بعد أن تغلغل في المؤسسات الدولية. لقد أصبحت الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية أداة لتكسير المبادئ، وإعادة تعليبها، وتصديرها وفقا للأهواء والمصالح.
المبادئ حشيشة الشعوب المقهورة غير القادرة على الفعل، مقام وهمي يضع فيه البسطاء النذور، فلكلور سياسي، نتفرج عليه من باب التسلية، وتمضية الوقت، ولكن لا نستطيع ممارسته، والسبب بسيط جدا، وهو أننا لسنا بلهاء لكي نطبق نحن المبادئ بينما يخترقها الآخرون.