تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



الدكتور عمر عبدالعزيز: الإنسان سيظل محور الإبداع لأن لدية القدرة على التخييل


الشارقة: بودكاست.

أكد الأديب والمفكر الكبير الدكتور عمر عبدالعزيز أن اللغة العربية برنامج إنساني، في حالة تقاطع وشيج مع كل اللغات الإنسانية، وقلل من تأثير الذكاء الاصطناعي على الإنسان، مؤكدًا أن الإنسان سيظل محور العملية الإبداعية، لأن لديه القدرة على التخييل والتجريد، والقدرة على تجاوز الجاهز والمعلوم.

جاء ذلك في حلقة من "بودكاست مع الحجاجي" بثت على قناة "شفت SHIFT" على موقع YouTube أمس، وتناولت العديد من الموضوعات الفكرية واللغوية والإنسانية.

والدكتور عمر عبدالعزيز شخصية فكرية متفردة ومتقدة ومتنوعة الثقافة، له أكثر من مائة مؤلف في فنون إبداعية مختلفة مثل الرواية والنقد واللسانيات والفلسفة وعلم الجمال، تقلّد العديد من المناصب والمسؤوليات، وهو حاليًا رئيس قسم الدراسات والبحوث في دائرة الثقافة في إمارة الشارقة، ورئيس تحرير مجلة "الرافد" الثقافية.

قال الدكتور عمر عبدالعزيز أن "الثقافة تراسل، وحالة من التماهي الإيجابي بين الأطراف المختلفة، فلا أحد يمتلك الحقيقة بذاته، ولكن الحقيقة تتبلور من خلال الجدل السقراطي إن جاز التعبير، من خلال الحوار السقراطي ومن خلال تبادل المشورة والرأي".

 

اللغة برنامج إنساني

وفي سؤال عن اللغة العربية، أوضح أن "اللغة العربية هي برنامج إنساني يشمل كل اللغات الإنسانية، بمعنى آخر أن القاعدة العامة للغات البشرية هي واحدة، واللغات الإنسانية محكومة بهذا البرنامج الإلهي، لأنه برنامج صادر عن الإنسان بكينونته وبتوازنه وبتكامله الشكلاني، فما من صوت إلا ويخرج من الإنسان بالمعنى الواسع للكلمة، فالإنسان لا يتحدث بالألفاظ فقط، لكنه يتحدث أيضا بالإشارات، ويتحدث بالآهات، ويتحدث بالتعبيرات المضمرة، وبالتالي هذا البعد الصوتي هو الحامل الأكبر لماهية اللغة، لأن البعد الكتابي في اللغة يأتي كترجمان حقيقي لهذا البعد الصوتي، لكن الترجمان الكتابي لهذه الأبعاد الصوتية هو ترجمان هندسي رياضي جبري، بمعنى أننا إذا أخذنا على سبيل المثال حرف الألف سنجد أنه يتناسب مع كل أطوار الحروف الأخرى من حيث الأساس يتناسب مع الباء في طوله ويتناسب مع التاء والثاء، ويتناسب مع بطن الجيم، وهكذا دواليك.
 

نسق وانتظام

وأضاف الدكتور عمر عبدالعزيز أن "البنية الهندسية للغة العربية قائمة على نسق وانتظام يترجم هذا الصوت قدر الإمكان، لكنه لا يستطيع أن يستنفذ الأبعاد الصوتية، ففي اللغة العربية سواكن وأبعاد صوتية، فالمتحركات في كل حرف فيها تسع بدائل، أو تسع قيم حركية في آن واحد، فنحن نقول فتحة وكسرة وضمة وفتحتين أي زمانين للفتحة، وكسرتين أي زمانين للكسرة، وضمتين وسكون وشد ومد.

فإذا وقفنا على هذه المتغيرات في الحرف الواحد، سنجد أن الأبعاد الصوتية الدلالية في اللغة العربية أشمل وأكبر، أقول هذا الكلام بناء على معرفة بعض اللغات الأجنبية ومنها اللغة ذات الأصل اللاتيني التي تتحرك فيها اللغة على قاعدة خمس أصوات أساسية A A E O U فقط، وهذه الأصوات الأساسية الخمسة تتناوب الحركة والسكون مع الحروف الثابتة، بينما تناوب الحركة والسكون في اللغة العربية يتم في إطار الحرف الواحد نفسه في حوالي تسع بدائل في التناوب الحركي بين الحركة والسكون، وفي الأخير موسيقى اللغة العربية وأي لغة على وجه الكرة الأرضية قائمة أساسا على تناوب جبري بين الحركة والسكون، بمعنى آخر أن هناك أصوات هوائية كالألف والياء والهاء، وهناك أصوات ارتطامية بين الشفتين وفي سقف الحلق مع اللسان وهكذا دواليك.

 

عجائب التكوين البنيوي

وأوضح الدكتور عمر عبدالاعزيز أن " من عجائب التكوين البنيوي لللغة العربية أن كل هذه المعاني الصوتية تتراءى في الحروف نفسها كأنها نوتة موسيقية، كل حرف له صوت، كل حرف له سياق كتابي، فالالف هو الوحيد المتحرر من السياقات الكتابية الارتباطية، بقية السياقات الكتابية إما أن تكون مرتبطة في بداية الكلمة، أو في وسط الكلمة، أو في نهاية الكلمة.

الموضوع بيان تفصيلي بعض الشيء، ربما ما يصلح للمشافهة العادية، لكن في الأخير وفي التحليل أود القول أن العربية هي اللغة الفطرية الأولى، مثل أي لغة، العربية في حالة التقاطع هو وشيج مع كل اللغات الإنسانية، الناظم المشترك بين اللغات الإنسانية هو ناظم واحد غير أن العربية تتميز بأشياء معينة ومحددة كما أسلفت، مثلا البعد الصوتي في اللغة العربية الذي ينعكس كتابيا فيه من الإضمار أكثر من الإظهار، ومسألة الإضمار مسألة موسيقية بمعنى آخر أنك عندما تضمر ما لا يدخل في الكتابة فعليك أن تكون متفقها في معرفة هذه اللغة، لأنك تستطيع أن تفرق بين مثلا كلمة جمل في السياق، إما أن تكون جَمل أو جُمل أو جمّل، إما أن تكون صفة أو إسم أو شيء من هذا القليل.
وبالتالي هذا الإضمار اللغوي هو ثراء، لأن هذا الإضمار اللغوي له علاقه بالمشافهة والمشافهة لها علاقة بالحفظ الذاكراتي، والحفظ الداكراتي له علاقة بالدماغ، وله علاقة باللاوعي في الدماغ واللاشعور، وبالتالي هذه اللغة إذا أخذها الواحد في سياق الحديث اليومي، وفي سياق البيئة المحددة، وفي سياق الطفولة الأولى فهو في هذه الحالة سيتحدث لغة عربية جيدة بدون قواعد بالفطرة.

 

الفصيح والنبطي

وعن النشأة، وكيفية التحول من الفصيح الى النبطي او الحوميني ، قال الدكتور، ان "المحكيات العربية الموجودة في عموم العالم العربي، ولها علاقة بالبيئة من جهة، هذا امر في غاية الأهمية، لأن لكل بيئة ايحاءاتها الدلالية الصوتية وايحاءاتها الحركية الخاصة، وهذه الايحاءات كلها تنعكس على المحكيات.

الجانب الثاني هذه المحكيات لها علاقة بالصلات التاريخية المضمرة التي لا نعرفها نحن الآن بمعنى اخر الصلات التاريخية التي كانت مع لغات اخرى ربما مع الفينيقية مع الحميرية اليمانية القديمة، مع السريانية، كل هذه لها صلات مع الأرامية مع اللغات الكوشية الافريكانية، كل هذه اللغات التاريخية كان لها حضورات بشكل معين في بيئات متنوعة ومتعددة في العالم العربي، لكن العالم العربي هذا توحد بالقرآن الكريم، بمعنى آخر توحد بلهجة قريش بالعربية التي تحولت الى عربية وسطى وعربية بيضاء وعربية جامعة ، كما هو الحال بالنسبة للغة الانجليزية الجامعة، والنسبة للغة الاسبانية الجامعة، كل هذه اللغات الجامعة بين الناس في بلد ما وفي جغرافيا مكانية معينة لا تلغي الخصوصيات اللغوية، وبالتالي المحكيات متعددة عطفا على البيئة، وعطفا على العلاقات التاريخية الخاصة، فالمناطق المجاورة للبحار على سبيل المثال كانت على علاقة بالخارج أكثر، والمناطق الداخلية كانت على علاقة بمناطق موازية لها ومشابهة لها، وهي أيضا تنعكس في أساليب التعبير فيما يمكن أن يسمى بالاتصالات غير اللفظية، بمعنى الاتصالات ذات الصلة بالموسيقى، ذات الصلة بالتعابير، ذات الصلة بالإنشاد المجرد، ذات الصلة بالأصوات الدلالية التي لا تأتي إطار القاموس اللغوي المتعرف عليه، كل هذه الأشياء هي التي جعلت تمايزات حكائية أو لهجوية أو محكيات متعددة في العالم العربي،  وأصبح لكل محكية خصائص معينة.

 

الشعر الحميني

إذا أخذنا على سبيل المثال الشهر الحميني في اليمن ، سنجد أن الشهر الحميني في اليمن هو شهر غنائي بامتياز،  وهو شهر له علاقة ببيئة طبيعية طيبة من حيث الخضرة والمياه والفواكه وما إلى ذلك في الغالب الأعم،  ولهذا أوصاف الطبيعة كانت موجودة في هذا النمط من الشهر إلى حد كبير .

أيضا هذا الشعر كان له علاقة بالمدن التاريخية ذات الطابع الارستقراطي بالمعنى الثقافي للكلمة، مثل مدينة صنعاء على سبيل المثال أو بغداد التاريخية بغداد ، وإن كانت في أفق آخر وليس في هذا الأفق الحميني. المدينة التاريخية خلقت جامعًا مشتركًا بين هذه المحكية وبين الغة العربية الفصحى، ولهذا الحمينية جسرت العلاقة بين الفصحى والعامية، فأصبح نصا يمكنها أن يعرف من قبل النخب ويتم تذوقه وأيضا من قبل العامة الناس، ولا تكاد تميز في الحميني بين الفصحى والعامية، بمعنى أن النصوص الشعرية الحمينية في اليمن يمكن أن تقرأ كما لو أنها لغة عربية بيضاء ببساطة شديدة جدًا، وحتى المفردات الموجودة من ذات الطابع المحكي هي موجودة حتى قاموسيًا في قاموس العربية، موجودة بشكل أو بآخر، ولكن هناك كثير من المفردات وكثير من المعاني في القاموس اللغوي العربي تترك في الشارع كما يقال،  نترك كثير من المفردات.

ولهذا السبب شعراء الحميني أحيوا بعض هذه المفردات، كالقول بالدشدشة والنشنشة والفشفشة، وإلى ذلك على سبيل المثال للحصر، وبالتالي مهدوا لهذه السوية المرتبطة بالمدن التاريخية الأرستقراطية بالمعنى الإيجابي للكلمة، والمعنى التقافي للكلمة، وأصبح الأمر له علاقة أيضاً بالفن بكل بساطة، والدليل على ذلك أن أجمل وأكثر النصوص الشعرية الغنائية كانت ذات طابع حميني .

 

ثقافة فنية متكاملة

أوضح الدكتور عمر عبدالعزيز أن "الشعر الحميني نطاقه أكبر، فهو موجود في المملكة العربية السعودية بشكل مؤكد في بعض دول الخليج العربي، وفي سلطنة عمان بشكل مؤكد، بل أن هناك حمينيات داخلية في اليمن، هذا ما قاله المؤرخ الراحل الكبير محمد عبد القادر بن مطرف بكل دقة، أنه ليس هناك حمينية واحدة، بمعنى آخر إذا أخذنا خصائص هذا الشعر وعلاقة العامية بالفصحى فيه، وإذا أخذنا خصائص هذا الشعر في علاقته باللحون من خلال تسكين أواخر الكلم، أو من خلال استخدام الألف غير المقصورة في أواخر الكلم، سنجد أن هنالك ثقافة فنية متكاملة عند الشعر الحميني، فكان بوسعه أن يقترب في ثنائيته مع الملحن إن وجد ملحناً أو أن يلحنه بذاته.

وهذه الخاصية موجودة،  حتى أنني أزعم أن هناك بعض أسماء الأعلام الإحيائيين للحميني في عدن وفي لحج. سأضرب مثلًا في عدن بلطفي جعفر أمان على سبيل المثال، وباللهجة العدنية، فقد قدم حمينية جديدة ذات طابع عدني، والأمير قبندار في لحج قدم غنائيات حمينية ماذا يعني بنائيات حمينية الخصائص المختلفة التي ترتبط بالشعر الحميني كما قلنا العلاقة بالفصحى من جهة العلاقة بالبيئة المحددة من جهة، ثانيا العلاقة بالبنائية النصية تحريك أواخر الكنب بطريقة تساعد على التلحين أيضا العلاقة بالبنية الهيكلية للنصوص الشعرية التثليث والتربيع والتخميس بنية موسيقية. وهذه البنية الهيكلية الموسيقية في الحميني موجودة في الشعر الأندلسي، هناك صلة طويلة جدًا بين الآداب والفنون العربية في مختلف أنحاء الجزيرة العربية والشام والأندلس.

 

موسيقية الشعر

وعن العوامل التي ساعدت على الانتقال من الفصيح للحميني أو من الفصيح للنبطي، قال الدكتور عمر عبدالعزيز "أي شعر على وجه كل الأرض ينشأ بطريقة شفاهية وينشأ من خلال البيئة العامة ومن خلال حداء الإبل تحديدًا، وهذا الشعر الذي نشأ كان موقعا توقيعًا والتوقيع يعني أنه قائم على رتم بالمعنى الموسيقي الكلمة، وهذه الرتمية وهذه التوقيعية أدركها إلى حد كبير جدا من الخليل ابن أحمد الفراهيدي الذي قعد لموسيقى الشعر العربي من خلال الأبحر أبحر الخليل ابن أحمد الفراهيدي، وما كان له أن يفعل ذلك إلا عبر الموسيقى، بدليل أن الساكن والمتحرك في إطار التفعيلة الواحدة واضحة المعالم.

إذا قلت "من تذكر جيران بذي سلم" مستفعل فاعلن مستفعل فعل،  هناك جبرية في التناظر بين الحركة والسكون على قاعدة موسيقية، تمامًا كما فعل دانتي أليجيري في اللغة الإيطالية،  حركة سكون حركة سكون حركة سكون، وهكذا دواليك.

إذن، الشعر العربي نشأ شفاهيا ثم دون بعد ذلك، وكانت الطاقة الشفاهية مقرونة بطاقة القدرة على الحفظ والقدرة على الحفظ ، حتى أن بعض الشعراء يقولون الشعر بدون أن يكتبوه ويقولونه من واقع لحظة بهذا الشكل، وهناك من يحفظ آلاف من أبيات الشعر العربي دون أدنى المشكلة، هذه الذاكرة المتقدة خبت بالتدوين، عندما دخلنا في التدوين الشعري، وكما هو الحال في كل تدوين على وجه كرة الأرضية استبدلنا الأعلى بما هو أدنى لأنني أعتقد أن الثقافة الشفاهية هي الأعلى، أما الثقافة المدونة فهي ثقافة تحاصرك تضعك في مربع محصور. 

الشعر العربي بعد ذلك دون، وبتدوينه بدأنا نحاول إحياء الشعر العربي في مرحلة الإحياء النهضة في مصر والشام وغيرها وفي اليمن وغيرها، حاولنا أن نكون بإحياء الشعر العربي القديم، ولكننا لا نستطيع أن نمتلك أدوات المتنبي ولا أدوات أبي تمام،  بمعنى آخر كل التقدير لشعراء الإحياء الذين حاولوا إحياء الشعر العربي التاريخي الكلاسيكي التفعيلي.

بعد ذلك بدأ الشعر يتقاطع من جهة، كما هو الحال بالنسبة للنصوص ذات الطابع الغنائي، بدأ يتقاطع مع المحكيات كما أسلفنا، سواء في النبطي أو في الحميني، أو في أي شكل من الأشكال، مثل المواويل في مصر أي شكل من أشكال الشعر الشعبي، بدأ يتقاطع مع المحليات أو المحكيات.

 

دور المحكيات

كشف الدكتور عمر عبدالعزيز ان "المحكيات هذه عبارة عن رصيد كبير جدًا للغة الفصحى، لأن المحكيات هي أقرب للفصحى من جهة بالمعنى القاموسي، وهي أقرب بالمعنى اللساني للكلمة،  فتستطيع أن تعرب كل محكية بكل بساطة، حتى إذا كان أصلها غير عربي، وهذه واحدة من خصائص العربية كما هو بالنسبة للخصائص اللغات الإنسانية، القدرة على تعريب ما ليس معربًا.

إذن، نحن في شعرنا علينا أن نشعرن الشعر، كما علينا أن نعرّب العربية، حتى نستطيع أن ندرك أن المحرك والدينمو المداخلي والتميمة السحرية في هذه الثقافة هي التحولات، القدرة  على التحولات اللامتناهية، والقدرة على إعطاء الأشياء أبعاد ودلالات كبيرة، حتى أن أبا نواس عندما سئل : كيف تقول شعرًا قال:

غير أني قائل ما أتاني
من ظنوني مكذب للعيانِ
آخذ نفسي بتأليف شيءٍ
واحد اللفظ شتى المعاني
قائم في الوهم حتى إذا ما
رُمتهُ رمتُ مُعمى المكانِ"

هو يريد أن يقدم بيان، يقول أن هذا الكلام الذي أقوله هو وهم، وهو شيء غير مرئي وهو ظني وهو تأليف، وعلى هذا يمكن أن تقاس الأمور، كان الشعراء العرب الكبار يدركون هذه المسألة، وكان هناك تماهي وتجاذب وتصادم أيضا بين التجديد التدويني وبين الشفاهية التاريخية، تمامًا كما نواجه الآن نحن مشكلة العصر فيما يتعلق بالأدوات الجديدة التي نستخدمها في الذكاء الاصطناعي مثلا، أو في الترقيم، لا بد أن يكون هناك صدام بينما تألفنا معه وبينما هو قادم.


 الذكاء الاصطناعي

وفي سؤال حول الذكاء الاصطناعي، وهل سيحل محل الأديب والشاعر؟، قال الدكتور عمر عبدالعزيز "الذكاء الاصطناعي يقدم خدمات جليلة، كما قدمت الآلة لنا خدمات جليلة،  المايكروفون مثلا ما هو الدور الذي يلعبه في حياتنا التصوير السينمائي، ما هو الدور الذي يلعبه في حياتنا إلى آخر، ولكن في نهاية المطاف ظل الإنسان مركزي في المعادلة، أنا أتصور أن تكوين الإنسان وتكوين إلهي عبقري لا حد له ولا حدود، هذا التكوين يظل متميزًا بالقدرة على التجريد، بمعنى آخر ، كل الآلات التي نتعامل معها تتعامل مع المعلومات سواء كانت ضوئية أو صوتية أو لونية أو كلامية أو صورية سمها ما شئت،  كل هذه الأشياء تتعامل معها عبر خوارزميات رياضية، وهذه الخوارزميات التي تجعلها ترتهن للمنطق الرياضي الجبري.

هذه الآلات عندما ترتهن للمنطق الرياضي الجبري يعني ذلك بكل بساطة أنها لا تستطيع أن تحلّق في فضاء الخيال والتجريد، تلك هي الخاصية الكبرى للإنسان، الإنسان قادر على أن يذهب من الملموس المطلق إلى المجرد المطلق، وتبعا لذلك يستطيع أن يستكنه ما وراء الأكام والهضاب من مناظر، ما وراء الأكام والهضاب من معاني، هذا هو الشيء الخاص، الخاصية الإنسانية الآدمية.

وبالتالي أنا أعتقد أن على الإنسان يفهم أمر محدد، نحن نتعامل مع أدوات متغيرة، أنا أرسم بالريشة، لكنني أيضا أرسم الآن عن طريق الوسائط الرسمية، لا علاقة لهذا الأمر بتكنيك الرسم، التكنيك تكنيكك، إنما الأداة تغيرت،  كنا نكتب بالقلم، الآن نكتب بالكيبورد، لم تتغير الكتابة، ولكن تغيرت الوسيلة، وحساسيتك الذاتية تجاه هذه الوسيلة وكيف تتعامل معها.

وبالتالي أنا أعتقد أن الذكاء الاصطناعي هذا سيفتح آفاق كبيرة جدا للبشرية، ولكنه أيضا سيضع البشرية أمام تحديات صعبة وكبيرة جدا، تماما كما هو الحال مع كل التطور.

الشعر قد يستقيم على الأبحر الخليلية وعلى التفعيلة وعلى المعاني وإلى آخر لكنه متخشب، صحيح فأنه منظوم بدون إحساس، ولكن ممكن يكون فيه نثر فني يهزك تحسبه تحسب جماليته إما أن يكون مسجوع إما أن لا يكون مسجوع لكنك تحسبه، وبالتالي هنا المسألة الإنسان يمتلك هذه القدرة على التخيل والقدرة على التجريد، والقدرة على تجاوز الجاهز والمعلوم.

الآن ممكن بكل بساطة أعيد إنتاج المنتج ربما بكميات وفيرة، ربما بزمن قياسي، ولكن في نهاية المطاف، هي  تنتظم ضمن بنية إجرائية أريتميتيكية رياضية جبرية برهانية عقلية صرفة، لكن المعرفة ليست هكذا..

 

مستقبل الشعر

وحول مستقبل الشعر في عصر التقنية، قال الدكتور عمر عبدالعزيز، أن "الشعر سيتغير، تماما كما هو الحال في تعاملنا مع الفوتوغراف، تعاملنا مع الفوتوغراف اختلف عن تعاملنا مع الفوتوغراف التقليدي، السينما لم تعد السينما الأولى التي نعرفها بقوالبها وبطريق إنتاجها وبكيفياتها، في نهاية المطاف ظل الإنسان هو محرك مهم جدًا، لكن هناك بعض الأعمال الكميّة التي يقوم بها البشر ستحل محلها الآلة، وبالتالي على الناس أن يبحثوا عن فضاءات أخرى لوجودهم الفاعل في المجتمع، خارج نطاق النواميس التي توارثناها سالفًا عن سالف، وجيلًا بعد جيل.

نحن أمام تحدي كبير، أنا أعتقد أن الإنسان أساسًا لا ينتفي، بمعنى آخر الإنسان ليس وجودًا فيزيائيا مشيئًا ومرئيًا كما نرى بعضنا الآن، نحن موجودون في الأثير أصلًا بطبيعة الحال، بدليل أنه لو طرحت مرآة أمامنا نرى بعضنا في المرآة، نحن أيضا موجودين في الأثير بوصفنا ذرذبة خاصة، بوصفنا طاقة، بوصفنا رائحة نوعية وحرارة نوعية .

وتبعا لذلك، فإن هذا الإنسان حالة كليانية، "عجبت لبعض كيف يحمله كلي؟"، هذا هو الإنسان فالإنسان كلي، والحقيقة الآدمية هي الحقيقة التي تقول لنا أن هذا الإنسان مخلوق من مخلوقات الله يتمتع بهذه الخواص الخاصة.

أي نعم نتشارك في هذه الخواص مع كثير من الأشياء مع الحيوانات ومع النباتات، ولكن الفرق الأساسي هو أن لدينا إشعاعات نورانية عقلانية تشع في الهواء الطلق، وتؤثر وتظل حاضرة وموجودة بخصائصها الخاصة، ولا تنتفي أبدا عن الإطلاق، ولكن الماكينة ليست هكذا في أي حال للأحوال.

 

شاهد الحلقة كاملة:

 

 

 

 

 

        

تاريخ الإضافة: 2024-11-02 تعليق: 0 عدد المشاهدات :386
2      0
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
69%
 لا
20%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات