تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



صندوق القراءة | الأمير كمال فرج


"ما جدوى أن أكون مثقفًا وأنت جاهل" هذا ما ورد في ذهني عندما رأيت تجربة مكتبات الشوارع في باريس، أو ما يطلق عليها بالفرنسية La boîte à lire أي "صندوق القراءة".

في مدينة شاتو دي فانسان Château de Vincennes في الدائرة الثانية عشرة بباريس وبالقرب من سكني صندوق للقراءة، وهو ما أتاح لي مراقبة التجربة عن قرب، وأسجل ملاحظاتي عليها، وذلك اقتضى مني المرور على الصندوق أكثر من 10 مرات في اليوم، وملاحظة المترددين عليه، وتسجيل الفئات والإيداعات والمأخوذات والإنطباعات.

الصندوق باللون الأحمر مصمم على شكل 7، وهو عبارة عن أرفف مغلقة بأبواب بلاستيكية شفافة لحماية المحتويات من المطر، وموضوع في مكان بارز أمام مركز تسوق شهير، حيث توجد ساحة تحتوى على كراسي عامة تمكّن من يرغب من الاستلقاء والقراءة.

يمتليء صندوق القراءة دائما بالكتب والألعاب التعليمية، وأقراص الأفلام "الحديثة والقديمة"، وتتعدد موضوعات المؤلفات لتشمل الروايات والكتب التاريخية والموسوعات، جميعها بالطبع بالفرنسية، ومحتوى الصندوق يعتمد كلية على تبرعات سكان الحي، الذين يتبرعون بالكتب الزائدة عن الحاجة.

على مدار اليوم يزور الصندوق أشخاص من كافة الفئات العمرية، فهذه فتاة تتفحص الكتب الموجودة داخله لتختار ما يناسبها، وامرأة تحمل طفلها وتنتقي بعض الألعاب التعليمية، وسيدة كبيرة السن تضع بعض الكتب.. المهم ما من مرة توقفت عند هذا الصندوق وتفقدت ما بداخله إلا وجدت داخله كتبًا جديدة وأغراضًا مدهشة تروي الفضول، كمياه النهر التي تتجدد كل يوم، كالكنز الذي يحتوى على مجوهرات وأصداف ولآليء، والغريب أنه لا ينفد أبدًا.

ولم يقتصر الأمر على هذا الصندوق، ففي الجوار وفي نفس الحي أمام مبنى بلدية Vincennes وفي حديقة عامة صادفت صندوق قراءة آخر على شكل جذع شجرة، يتجمع حوله الناس، كما يتحلق الأطفال حول صندوق الحلوى.

ومكتبات الشوارع فكرة قديمة، تأتي في إطار المبادرات التي طبقتها بعض الدول لإيصال الكتاب إلى أكبر فئة من الناس، وكان من مظاهرها أيضًا المكتبات المتنقلة التي تنتقل من حي إلى آخر، لتقدم الكتاب لهواة القراءة.

ولكن "صندوق القراءة" يتخذ في العاصمة الفرنسية بعدًا خاصًا،  فهو ليس فقط مكتبة وفرتها جهة حكومية لتشجيع الناس على القراءة، ولكنه عمل تفاعلي وتشاركي تبادلي، فالمثقف هنا لا يكتفي بالقراءة، ويكتنز المعرفة، ولكنه يوفر الكتاب لغير المثقف بشكل مستمر، وهكذا تزداد رقعة المعرفة، ويرتقي الجميع.

"ما جدوى أن أكون مثقفًا وأنت جاهل"، سؤال منطقي، لأن وجود جاهل واحد في المجتمع خطر على الجميع. لقد أدرك العالم مؤخرا أهمية هذه النظرية، فالجهل عدوى لا تعرف الحدود، وعلينا جميعا مسؤولية محاصرته وتقويضه.

صندوق القراءة ليس فقط عملًا تكافليا تكامليًا شعبيًا لنشر الثقافة بين المجتمع، ولكنه يؤكد أن الثقافة ليست عملاً فرديًا، ولكنها مسؤولية جماعية. 

إذا استوعبنا هذا المعنى جيدًا، سيقودنا ذلك إلى أسئلة أعمق أكثر إنسانية، تؤكد المصير الإنساني المشترك، مثل "ما جدوى أن أكون بصحة وأنت مريض"، و"ما جدوى أن أكون غنيًا وأنت فقير".

"صناديق القراءة" وجدتها في باريس، وتولوز جنوب غرب فرنسا، وفي مدينة بردوه على بعد 600 كيلو من باريس، ورأيتها أيضا بأشكال مختلفة، فمثلًا وجدتها في مداخل العمارات، حيث يخصص السكان أحيانًا مكانًا لوضع الكتب لمن يرغب في القراءة.

تتماهى هذه الصناديق مع ظاهرة شائعة وهي القراءة في الأماكن العامة، حيث يعتبر مشهد قراءة الكتب في المترو والقطار والباص والمطارات والحدائق من المناظر المألوفة في العاصمة الفرنسية.

يذكّرني ذلك بظاهرة عرفتها في طفولتي بمدينتي كفرالزيات، وهي تبادل الألغاز، وهي كتب بوليسية تصدرها المؤسسة العربية الحديثة في القاهرة، وتعتمد على جريمة ومجموعة من الشباب الواعي يشارك لحل لغز الجريمة. كان الواحد منا يملك مائة أو مائتين من الألغاز، وبعد أن ينتهي منها يبادلها مع أطفال لا يعرفهم في أحياء أخرى، وهكذا يتسع حيز المعرفة.

أفكار نشر الكتاب كثيرة، ولكن معظمها ركّز على توفير الكتاب، وأغفل المشاركة الشعبية في ذلك، وهي البعد الأهم في العملية الثقافية، لذلك من المفيد استلهام التجربة الفرنسية في "صناديق القراءة" لنحوّل الثقافة من واجب حكومي إلى مسؤولية يشارك فيها الجميع.  

تاريخ الإضافة: 2024-01-21 تعليق: 0 عدد المشاهدات :455
2      0
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
69%
 لا
20%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات