التأليف المشترك نوع من الكتابة يقوم فيه مؤلفان أو أكثر بالتعاون في تأليف كتاب، ويصدر العمل في النهاية مصدّرا بأسمائهم جميعا، ورغم شيوع الكتابة الفردية بأن يكون للمؤلف كاتب واحد، إلا أن الكتابة المشتركة تحظى بالاهتمام خاصة في الغرب.

والكتب المشتركة ظاهرة قديمة، ففي التاريخ الأدبي وجدنا عددا من المؤلفين يجتمعون على إعداد كتاب واحد، ومن الأمثلة كتاب "الهوامل والشوامل" لأبو حيان التوحيدي وأبو علي مسكويه، وقام بتحقيقه باحثان أيضا هما بلال الأرفه لي وموريس بوميرانتز.

وفي الثلاثينيات، اشترك عملاقان هما طه حسين وتوفيق الحكيم في تأليف كتاب "القصر المسحور" الذي يستلهم حكايات "ألف ليلة وليلة"، واشترك المازني والعقاد في تاليف كتاب "الديوان في الأدب والنقد"، وفي الثمانينيات اشترك جبرا إبراهيم جبرا وعبد الرحمن المنيف في كتابة رواية "عالم بلا خرائط ".

ومن النماذج الحديثة للتأليف المشترك في مجال الرواية "العالم على جسدي" ليوسف نبيل وزينب محمد، و"ربيع المطلقات" لنضال الأميوني ونزار دندش، و"ألواح من ذاكرة النسيان" لبهيجة مصري إدلبي وعامر الدبك، وأحدث الإصدارات في هذا الشكل التأليفي كتاب "نجيب محفوظ شرقا وغربا" لمصطفى عبدالله وشريف مليكة، وصدر العام الماضي.

والكتب المشتركة أكثر شيوعا في الغرب، ومن أمثلتها "عنف العالم" لإدغار موران وجان بودريارد، و"أربعمائة روح: تاريخ مجتمعي لأمريكا الإفريقية ، 1619–2019 لإبرام إكس. كيندي وكيشا إن بلين"، و"ما هو لون مظلتك؟ " لريتشارد إن بولس وكاثرين بروكس، و"الإرهاق: سر فتح دورة الإجهاد" لأميليا ناجوسكي وإميلي ناجوسكي، و"ابنة الرئيس" لبيل كلينتون والروائي جيمس باترسون، بل أن بعض الكتب يعكف على تأليفها ثلاثة كتاب مثل "كيف ستقيس حياتك؟" للدكتور كلايتون إتش كريستنسن وجيمس ألورث وكارين ديلون، و"المستشار الموثوق " لديفيد إتش مايستر وتشارلز إتش جرين وروبرت إم جالفورد.

وقد يشارك في تأليف كتاب عدد غير محدد من الكتاب، مثل  كتاب "المدن العربية: بين العراقة والاستدامة"، الذي شارك في تأليفه عدد من المؤرخين والخبراء المختصين والنقاد، وفي الشعر والتلحين لدينا نموذجًا فارقا وهو "الأخوان عاصي ومنصور الرحباني" اللذان كانا يكتبان الأغاني ويلحناها بشكل مشترك، وكتبا ولحنا أجمل أغاني فيروز.

وفي التأليف المشترك، يتعاون أكثر من كاتب في عمل فكري جمعي تعاوني، ويتقاسمون المهام  والحقوق ضمن خطة عمل وإتفاق محدد.

والتأليف المشترك شائع في الدراسات والبحوث العلمية، ويتضمن نظام النشر في مجلة نيتشر الألمانية معايير محددة للدراسة المشتركة، تتضمن أسماء المؤلفين المشاركين والعناوين والانتماءات، وموافقة جميع المؤلفين على تقديم المخطوطة إلى المجلة، وآلية التعاون، وإدراج المساهمين الذين لا يستوفون جميع معايير التأليف في قسم شكر وتقدير، والاعتراف بمساعدة الكتابة في جميع أنواع المقالات، وإدارة الاتصالات بين المؤلفين المشاركين، قبل وبعد النشر، وبيان المصالح المتنافسة، إضافة إلى تأليف اتحادات، حيث يمكن إدراج مجموعة من المؤلفين على أنها اتحاد.

والكتابة الجماعية تستلزم توافقا نفسيا وفكريا بين الكتاب، خاصة في المؤلفات الإبداعية، وهو ما حدث بالفعل في الروايات المشتركة.

وللتأليف المشترك فوائد، منها مضاعفة الجهد، فبدلا من إبداع شخص واحد، يتآذر شخصان أو أكثر ويقدمون ما عندهم، وهو ما سينعكس لاشك على الكتاب، كما أن وجود أكثر من رأي في العمل يتيح ميزة النقد المستمر واستكمال النقص، أضف إلى ذلك أن في العصر الحديث توسع العلم الواحد، وأصبح فيه العديد من التخصصات، وهو ما يجعل الكتاب بحاجة إلى أكثر من خبير في أكثر من مجال، وهناك سبب معنوي مهم وهو أن الكتابة التشاركية تعلي من الإيثار وإنكار الذات والعمل الجماعي، فتتراجع الأنا، ويصبح تميز الكتاب هدف الجميع.

أتمنى أن يأخذ التأليف المشترك جانبا أكبر في الثقافة العربية، وأن يواكب هذا الاتجاه بالدراسات والبحوث والنقد الأدبي، والأهم إعداد القواعد المنظمة التي تسهله وتشجع عليه، وتحفظ حقوق المشاركين فيه.

ويمكن الاستفادة في ذلك من القواعد المتبعة في المجلات العلمية. بذلك تكتسب الثقافة العربية رافدا جديدا، ويصبح التأليف عملا جماعيا، تتجمع من أجله العقول والخبرات.