"خطاب النصر" هو الخطاب الذي يلقيه المنتصر بعد المعركة الفاصلة، وتزداد أهميته كلما كانت المعركة طويلة ومريرة، وبقدر التعب والتحديات والمخاطر تكون حَلَاَوَةُ النصر.
واليوم، وبعد عشرة سنوات من إطلاق مشروعنا الصحفي الرقمي "الصحافة" www.alsahafa.org يحق لنا أن نفخر، اليوم ـ رغم الجراح ـ نسعد ونبتهج، بعد أن تمكنّا في غضون سنوات قليلة وبجهود ذاتية بحتة من إصدار أكبر صحيفة رقمية، ليس في العالم العربي فحسب، ولكن في العالم، اليوم يحق لنا أن نسهر حتى الصباح ونشرب نخب الانتصار، ونُلقى القبعات في الهواء كما يفعل الخريجون في حفلات التخرج.
اليوم يحقّ لي شخصيًا أن أفرح بعد سنوات من العمل والسهر والتعب والتحديات التي لا تنتهي، وأن أردد قول أبي العلاء المعري : "وإني وإن كنْتُ الأخيرَ زمانُهُ .. لآتٍ بما لم تَسْتَطِعْهُ الأوائلُ".
قد يرى البعض أنها نرجسية، وليكن، فالذاتية وقود النجاح، وكل الأعمال العظيمة صنعها أفراد، الإبداع كان دائما نتاجً فرد تَمَلَّكَهُ الشغف. نعرف حجمنا جيدًا، وندرك أن المبالغة في تقدير الذات نرجسية، وفي الوقت نفسه الإفراط في التواضع عَبَطْ.
أصدرنا أكبر صحيفة رقمية في العالم، كل صحيفة لديها موقع ألكتروني واحد، ونحن لدينا 50 موقعًا إلكترونيًا تحت مظلة واحدة، وابتكرنا مواقع صحفية في كافة مجالات الحياة التي تخطر على بالك وتلك التي لا تخطر، مثل: "مدن"، و"عبقرينو"، و"طبيبك الخاص"، و"روبوأديب"، و"رياضة" الذي يتضمن أقسامًا تغطي جميع رياضات العالم، و"CV" الذي يسهّل البحث عن عمل، وفي الثقافة أطلقنا مجموعة من المواقع الثقافية لا توجد في الصحف الكبرى مثل "ضفاف"، والقصيدة"، و"المسرح"، و"الدراسات"، و"كحيلة"، و"خيامية"، و"البعكوكة"، وغيرها..
وقدمنا عددًا هائلًا من الأقسام تغطي الكرة الأرضية، وابتكرنا أبوابًا تظهر لأول مرة مثل الفلسفة، والتاتو، والتصميم والبرمجة، وسبا، والجينز، وأليف، و"ملياردير" و"خبير"، و"أحلى وظيفة"، وغيرها..
بل أن مجال واحد مثل "التكنولوجيا" خصصنا له خمسة أقسام هي: "تكنولوجيا" "روبوت"، "ميتافيرس"، "الذكاء الاصطناعي" و"عالم NFT"، وفي مجال واحد مثل "الغذاء" قدمنا "الغذاء"، وكما قدمنا "الأكّيلة" لهواة الأكل، قدمنا "نباتي" المخصص للنباتيين، وقدمنا أيضًا "فتنس"، و"الدفاع عن النفس".
وابتكرنا صحافات جديدة مثل صحافة القهوة، والنوم، والشيكولاته، والطب البديل،.. حتى "الأحذية" ـ أعزّك الله ـ خصّصْنا قسمًا لها، وتجرأنا لأول مرة لمواجهة تابو الجنس وقدمنا قسم "الجنس 18+"، و"مي تو #MeToo" عن التحرش الجنسي، و"مجتمع الميم" الذي يتعامل مع هذه الفئة كمرضى يحتاجون العلاج.
كل صحيفة تنشر بلغة واحدة أو اثنتين، ونحن ننشر بـ 29 لغة، ففي عصر الإعلام الأجنبي الموجه عكسنا الآية، وخصّصنا مواقع صحفية بـ 29 لغة عالمية، لنقدم صحافتنا العربية الموجّهة بلغات العالم، وهي مهمة المؤسسات، بمعنى أدق الدول.
أي موقع إلكتروني يتضمن "سليدر slider" واحد أو اثنين وفي حالات نادرة 4، ولكن لدينا 60 سليدر، لنتصدر بأطول صفحة رئيسية متجاوزين بذلك صحيفة The Sun البريطانية التي كانت تحتكر هذه الميزة إلى وقت قريب، أتذكر صديقي المبرمج الجميل حسين المصري وهو يقول "أنت تطلب المستحيل" .. نعم لقد طلبنا المستحيل .. نعم لقد حققنا المستحيل.
لم نكتف بذلك، ولكن أسسنا وحدة للنشر الإلكتروني، تنشر المؤلفات مجهزة برمجيًا لنشر الكتب الموسوعية الضخمة، نشرت حتى الآن أربعة كتب. ترجمنا آلاف التقارير من لغات العالم في أكبر عملية تنوير صحفية، وابتكرنا "التحرير المفتوح" وهو يعني أن التقرير قابل للتحديث مدى الحياة، .. كل ذلك مجانًا وبدون رسوم إشتراك.. لم نكتف مرة أخرى بذلك، ولكن أصدرنا "سي يو" www.seeyounow.net أول موقع لصحافة الفيديو، ونستعد حاليا لإصدار صحيفة باللغة الفرنسية!.
لم نكتف بكل ذلك، ولكن تعاقدنا مع شركة Red speaker الهولندية المتخصصة في تطوير خدمات الإنترنت، حصلنا بموجبه على خدمة تحويل النص إلى صوت، وهو ما مكننا من تقديم خدمة السماع الصوتي في "الصحافة" بـ 29 لغة.
تحلق (الصحافة) كطائر العنقاء في ظل هذه التحديات الكبيرة التي يشهدها الإعلام العربي، لتؤكد حقائق جديدة على الأرض، لقد انتهى عصر المؤسسات الصحفية، وبدأ عصر الإبداع الفردي، لقد أنهى الإنترنت إحتكار الصحافة، وأصبحت الصحافة كالماء والهواء حق للجميع، وبات بإمكان شاب موهوب يعيش في صندقة أن ينافس صحيفة "الأهرام"، وهذا ما تنبأ به مارك زوكربيرج مؤسس "فيسبوك" الذي قال منذ عشر سنوات أن "المستقبل للمواقع الشخصية".
اليوم تحلّق (الصحافة) ـ في ظل غياب رقمي شبه تام في العالم العربي ـ فالمحتوى العربي على الإنترنت لا يتعدى 3٪، رغم أن العرب 430 مليون نسمة، وهذا يدل على أننا ليس لنا وجود في العالم. لذلك كانت "فزعتنا" لتطوير الصحافة الرقمية فرض عين، وفرصتنا في النجاح مضمونة، وحظوظنا في دخول التاريخ مؤكدة.
اليوم.. نعلن احتكار القمة .. قمة الصحافة الرقمية التي لم يتنافس عليها أحد، وظلت مهجورة مستعصية في ظل الإنهيار الدراماتيكي للصحافة الورقية.
لقد أثبتت (الصحافة) ـ التي أنفق عليها من مالي الخاص ـ أن المال لا يضمن وجود صحافة مميزة، وبرهنت ـ وهي صحيفة يحررها شخص واحد ـ أن عدد المحررين الضخم لا يضمن وجود محتوى منافس، وأن صحفي واحد مبدع يمكن أن يؤدي ما تقوم به وكالة أنباء مثل "رويترز" بعدد العاملين فيها وهو 55 ألف عامل.
نجحت (الصحافة)، بما يشبه المعجزة، في مجتمعات عربية كارهة للنجاح، حيث الكفاءة مثلبة، والنجاح مجازفة قد تودي بك إلى التهلكة، وحيث أعداء النجاح يترصدون لك في كل زاوية وعطفة، وكانت الجهة الوحيدة التي احتوتنا بالدعم والتشجيع هي "الإمارات" وطن المبدعين، وخاصة "الشارقة" عاصمة الثقافة العالمية، وحاكمها الرمز الثقافي الكبير الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي.
كنت أتمنى أن نجد الدعم، حتى نختصر الوقت ونلحق ما فات، ونضيّق الهوة الكبيرة بيننا وبين الغرب، وهو ما يستلزم وجود 100 صحيفة رقمية مثل (الصحافة)، ولكن في الوقت نفسه هذا الدعم ـ إن وُجِدَ ـ سيفقدنا أهم ما نتميز به وهو الشغف والاستقلال والحرية.
قد نكون قد بالغنا في تقدير أنفسنا، قد نكون قد أخذنا العُجب والغرور، ينطبق علينا مثل "القرد في عين أمه غزال"، ولكن الواقع يؤكد أن شخصًا "واحدًا" أعزلًا قدّم أشياء كثيرة لم تقدمها صحف كبرى مسلحة بالأموال والمقار الضخمة وجيوش من الموظفين، ولو طبقتَ "مقاييس القوى" ستتأكد أننا في القمة.
نعلم جوانب القصور، وندرك أن الرحلة جبلية صعبة، ولكن نأملُ أن تُلهم (الصحافة) هذه التجربة الصحفية العفوية المفعمة بالشغف، الآخرين في الجبّ الذين يملكون مقومات الإبداع، ويبحثون عن طريق، وإن تعثرنا لأي سبب، فليبني القادمون على ما بدأناه، ويكملوا المهمة التي لم تعد مستحيلة.
وليكن هذا الخطاب "خطاب النصر" تحفيزًا ذاتيًا، وردةً في عروة الجاكيت، نوعًا من "الإمتنان" نقدمه لأنفسنا، أو "الرعاية الذاتية" التي تنادي بها قواعد الإدارة الحديثة، طبطبة على الحلم، .. وسيلةً لإعادة الشحن، لنبدأ بحماس مرحلة جديدة من العمل.
أحلامي هائلة، وخطتي حافلة بالأشياء المدهشة، وأحلم ـ مستلهمًا رؤية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ـ بأن يكون تأسيس صحيفة رقمية مثل إنشاء بريد إلكتروني، سنعمل على تلافي النقص، وابتكار أدوات وأساليب وصحافات جديدة، ونتصدى لأكبر مهمة وهي وضع قواعد الصحافة الرقمية، أما الصعاب، فهي وقود نووي للنجاح.