الشارقة : أماني ياسين.
نظم النادي الثقافي العربي في الشارقة ندوة نقاشية حول رواية "رسائل عشّاق" للكاتبة الإماراتية فتحية النمر الصادرة 2023 عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة، وتحدث في الأمسية الناقد والروائي عبد الفتاح صبري وأدارها الكاتب الصحفي الأمير كمال فرج، وذلك بحضور الدكتور عمر عبد العزيز رئيس مجلس إدارة النادي، وكاتبة الرواية فتحية النمر.
والروائية فتحية النمر من مواليد الشارقة، درست الفلسفة في جامعة الإمارات، وهي عضو باتحاد كتاب وأدباء الإمارات، صدرت لها أكثر من ثمانية عشر مؤلفا بين الرواية والقصة القصيرة، منها : (السقوط إلى أعلى)، و(طائر الجمال)، و(في حب التنين الأصفر)، و (حافة مميتة)، و(فتنة الداعية) ولها عدة مجموعات قصصية منها : (أسرار الجدة)، و(القبو)، و(حكايات من حي النباعة)، و(لقطات عابرة). فازت بعدة جوائز في الرواية والقصة القصيرة، وترجمت بعض أعمالها إلى لغات أجنبية.
وتعتبر فتحية النمر "الرواية" مشروع حياة، وتؤمن أن الكتابة طريق الخلود، لذلك تتميز أعمالها بالغزارة والتنوع والجديّة، وهي تؤمن بالوظيفة النفسية والاجتماعية للأدب، لذلك تنطلق أعمالها من الجانب القيمي، وتتميز أعمالها الروائية بجمال السرد وأنسنة الأشياء والإبحار في الواقع واستشراف المستقبل، وعلى المستوى الشخصي فتحية النمر امرأة عربية قوية، وقد وصفت نفسها ذات يوم بأنها "أخت جلجامش وبنت العنقاء".
والأستاذ عبدالفتاح صبري أديب وروائي وناقد مصري، صاحب اسهامات كبيرة في العمل الثقافي، وهو مدير تحرير مجلة (الرافد) في الشارقة، صدرت له العديد من المؤلفات في عدد من حقول المعرفة والإبداع. منها : (صحوة الجماجم والحزن)، و(صراخ التداعي)، و(الغربان لا تختفي أبدا)، و( حكاية أنثوية)، و(نصوص قابلة للنسيان)، و(مسامير الذاكرة).
قال الأمير كمال فرج في تقديمه للندوة، أن "ندوة اليوم حول الرواية .. فن السرد العظيم، ورغم أني لا أحبذ استخدام صيغة أفعل التفضيل وأفضل جنسا أدبيا على آخر كما يهوى البعض، يجب أن نعترف أن الرواية تطورت تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة، وهذا لاشك حصاد عمل أجيال من الروائيين الذين اشتغلوا على النص، واستفادوا من فنون أدبية أخرى كالشعر والقصة والتشكيل بل والموسيقى، في تناص أدبي جميل، وارتادوا أحيانا علوما حتى خارج نطاق العمل الإبداعي، وقدموا لنا سردا جميلا يحمل القيم ويجذب القراء، وربما ذلك ما دفع الدكتور جابر عصفور إلى إطلاق تعريف"زمن الرواية"، ولعل من فضائل الرواية المهمة أنها جعلت الناس تقرأ".
ضرب من التفسير
أضاف الأمير، أن "الرواية لم تقف عند تعريفها الأولي كفن أدبي نثري طويل يعتمد في أساسه على الخيال والحبكة، لقد أصبحت الرواية اليوم مجموعة متداخلة من البحث والتاريخ والوعي والنقد الاجتماعي، قال الدكتور عبدالله الغذامي (الرواية هي ضرب من التفسير وضرب من النقد)، وهذا يضع على السارد العليم مسؤولية مضاعفة، فالكاتب يجب أن يستمر في التجريب والتطوير، ويدهش الناس بسحر السرد وجمالياته، خاصة في ظل مغريات الأشكال الجديدة للثقافة التقنية الواردة عبر الإنترنت، وتحديات الميتافيرس والواقع الافتراضي والمعزز وأخيرا أداة الذكاء الاصطناعي تشات جي بي تي".
"أما المتلقي فيجب أن يقرأ الرواية بأسلوب خاص، تقول الكاتبة الإنجليزية فيرجينيا وولف وهي من أوائل من استخدم تيار الوعي كطريقة للسرد (قراءة الرواية فن صعب ومعقد. إذا كنت تريد الاستفادة من كل ما يتيحه لك الكاتب ـ الفنان العظيم ـ فيجب عليك ألا تمتلك بصيرة دقيقة وعظيمة فحسب، بل أن تمتلك مخيلة كبيرة وجريئة أيضا).
علاقات المجتمع
قال الناقد عبد الفتاح صبري في مستهل حديثه عن الرواية، إن ما لفت انتباهه عند قراءته لهذه الرواية أنها تقتحم بجرأة علاقات مجتمع المدينة الإماراتي التقليدي، مجتمع ما قبل قيام الدولة، مثل تفكك العلاقات الداخلية للأسرة والعلاقات الخارجية لها على حد سواء، وهو تناول نادر، فبالرغم من أن هناك ثلاث روايات تناولت حياة الأسرة في تلك الحقبة وهي رواية "شجن بنت القدر" لسارة الجروان و"شارع المحاكم" لأسماء الزرعوني و"روز" لريم الكمالي إلا أن تلك الروايات حامت حول علاقات أفراد الأسرة الواحدة فيما بينهم، ولم تتعمق فيها كما فعلت رواية "رسائل عشاق".
حكاية اجتماعية
لخص صبري الرواية قائلا إنها "تتناول حكاية أسرة رجل صياد أجير عند أصحاب القوارب، له أسرة عبارة عن زوجة وولدين، استطاع أن بعد فترة من العمل أن يشتري قاربا ثم اثنان ثم أصبح يمارس التجارة عبر البحر، وأصبح ابنه الأكبر يساعده في الصيد، وفي إحدى المرات سافر بتجارته عبر البحر إلى إفريقيا سفرا طويلا، لمد عام، وقام ابنه على قواربه أحسن قيام وازدهرت على يده عمليات الصيد، ولما عاد الأب عاد بمال وفير وتزوج ابنة صديق له من الحي وهي فتاة صغيرة جميلة كان ابنه الأكبر يعشقها ويخطط للزواج بها، فتغيرت بسببها أحوال الأسرة وعلاقاتها، فأصبح الأب سلبيا لا يهتم بأسرته، وأصبحت الزوجة الأولى حاقدة ناقمة على ضرتها وزوجها وتتربص بهم، وأصبح الإبن الأكبر العاشق شبه مجنون ويريد أن ينتقم من أبيه بكل وسيلة حتى إنه أصبح يمارس الفاحشة سرا مع عشيقته زوجة أبيه، ثم ترك الأسرة واختفى بعد أن حملت الزوجة بابنتها الأخيرة التي يرجح أهل الحي من ذلك السفاح، وأما الابن الأصغر فكان منحرفا شاذا منذ غياب أبيه وأصيح حياته الدنيئة بعيدا عن الأسرة، وأما زوجة الأب الجديدة الفتاة الصغيرة فكانت حادة الطباع شريرة".
"في هذا الجو ولدت للزوج من زوجته الجديدة ابنتان، ومات الأب وماتت زوجته الشابة، فتولت الزوجة الأولى تربية البنتين، وصبت عليهما ذلك الحقد الدفين الذي كانت تحمله لأمهما وأبيهما، وسامتهما العذاب، وكان أكبرهما طائعة مستسلمة، وأما الصغرى وهي التي تروي الرواية على لسانها فكانت متمردة ولذلك رأت من ألوان العذاب والإهانة ما لا يمكن لبشر أن يراه أو يتحمله، وهي بنت حملت الشؤم منذ ولادتها فهي مشكوك في نسبها، وقد ماتت أمها أثناء وضعها، فكرهها كل أفراد أسرتها وكل من في الحي".
زلزال أسري
خلص عبد الفتاح صبري إلى أن فتحية النمر استطاعت بناء نسيج من العلاقات الداخلية بين أفراد أسرة وتتبع حيواتهم كل على حدة ثم ربطها بالحكاية العامة، وقد لاحظ أن كل الشخصيات في الرواية هي شخصيات بها عوار وغير سوية بسبب الانقلاب الذي حدث في حياتها عندما تزوج ذلك الأب الذي بدأ رجلا طيبا مثابرا في حياته بتلك الفتاة الصغيرة، ولم يلتفت إلى مشاعر أفراد أسرته فأحدث بذلك زلزالا لحق كل فرد من أسرته وتجاوزهم إلى المجتمع من حوله، مختتما حديثه بأن قيمة "رسائل عشاق" أنها تعمقت في المجتمع الماضي وعلاقاته مجتمع المدينة الساحلية بشكل خاص.
تشريح سردي
الكاتبة فتحية النمر قالت في مداخلتها بالمناسبة: إن "كل أعمالي كانت عن المجتمع المعاصر والإنسان المعاصر، لكنني لاحظت في السنوات الأخيرة أن منظومة القيم والعادات والتقاليد بدأت تخمد في مجتمعنا، ونحن لنا هويتنا وجذورنا التي لا غنى لنا عنها، وينبغي أن نغربل تراثنا ونسائله ونركز على جوانبه المضيئة، ونلقي الضوء على الجوانب السلبية أيضا لكي تكون الصورة كاملة وواضحة ونختار منه بوعي ما يؤكد قيمنا ويعزز هويتنا".
وأضافت "وقد شرعت من جانبي في هذه الممارسة المبنية على تشريح المجتمع التقليدي سرديا، وبدأت ذلك بمجموعة قصصية بعنوان "حكايات من حي النباعة" كانت عن طفولتي والأشياء الجميلة التي عشتها وسمعت عنها في ذلك الحي في السبعينات من القرن الماضي، وكذلك عن الأشياء السلبية، لكي ترى الأجيال الحاضرة كل ذلك وتكون على وعي بما تأخذه وما تتركه، وتأتي روايتي الجديدة "رسائل عشّاق" في هذا الاتجاه".
في الختام، أشاد مقدم الندوة بما طرحت فيها من آراء ومداخلات، كما أشاد بالنادي الثقافي العربي الذي أصبح مركزا للإشعاع الثقافي، ليس في الشارقة فحسب، ولكن في العالم العربي، وقال أن "لكل بداية نهاية، ولكن نهاية مثل هذه الندوات يجب أن تكون انفتاحا على أعمال الكاتب أو الكاتبة، وفي نهاية الندوة، كرم الدكتور عمر عبدالعزيز رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي العربي المشاركين في الندوة، والتقطت الصور التذكارية .