الشارقة: الأمير كمال فرج.
نظم بيت الشعر، التابع لدائرة الثقافة في الشارقة، أمس، أمسية شعرية ضمت ثلاثة شعراء، من الإمارات مُظفر الحمادي، ومن سوريا ناهدة شبيب، ومن مصر مصطفى الحفناوي، وقدمتها الدكتورة جيهان إلياس.
الندوة التي حضرها عدد كبير من الأدباء والشعراء وحظيت بإقبال واضح، أكدت تعطش جمهور الشعر للقصيدة العربية الجميلة، التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة.
قدم الشعراء الثلاثة نماذج من الشعر العمودي والحديث تتجلى فيها تجارب شعرية مميزة رسمت صورة للشعر العربي المعاصر، سواء من ناحية السمات الفنية والإبداعية، أو من ناحية القضايا والموضوعات.
قالت جيهان إلياس في تقديم الندوة "من شارقة الثقافة حاملة لواء الشعر ومهوى قلوب الشعراء، من بيت الشعر الذي يمد أواصر المحبة بين الشعر وجمهوره، بجهود لافتة واستثنائية بقيادة عراب الشعر وصديق الشعراء الشاعر والأستاذ محمد عبدالله البريكي، وبرعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، ودائرة الثقافة تتوالى الأمسيات الشعرية، حاملة كل جديد ومتنوع، يعكس مدى اهتمام البيت بمواكبة المشهد الشعري".
القصيدة العمودية
ـ ألقى الشاعر مظفر الحمادي عددا من القصائد العمودية التي تتجلى فيها قدرات الشاعر في نظم القصيدة العربية التقليدية بسحرها القديم، وفي الوقت نفسه يقدم الصور الفنية البديعة المستلهمة من العصر، يقول في قصيدة كتبها في العيد الوطني الخمسين لدولة الإمارات بعنوان "هي الإمارات" :
"على ملامح شعري وابتساماتي
تبدو جميلة كوني والمجرات
على ضفاف خليج العز أشرعة
من التعاضد تجتاز المسافات
لما استطال إلى الآفاق زايدها
بذلك الحب يخطو البدايات
يخاطب الملهمين الكون أفئدة
من النقاء على لحن المقامات
حيث العروبة في أبهى شوامخها
المدركون أسانيد الطموحات
من كان إصرارهم يعلو مناكبهم
من التكاتف مافاق الشعارات
هي الإمارات وحي في توحدها
حكاية أحرجت كل الحكايات
واليوم في عيدها الخمسين طاف بها
معانق المجد ساحات الفضاءات
وقاهر الباطل المغوار قائدنا
محمد الخير في خط البطولات
عنوانه مفردات إن نظرت لها
لكنها ضمن سرب المستحيلات
هي الإمارت سبع في توحدها
فهي المثاني وأحلامي ومشكاتي
في كل شبر ترى حلما ينافسه
حلما تولد من رحم المشيئات"
ـ ويقول الحمادي في قصيدة "التوابع والزوابع" وهو العنوان الذي استلهمه ـ كما قال ـ من كتاب لأبي عامر أحمد بن عبد الملك القرطبي الملقب بابن شهيد الأندلسي:
"تعللني بالبوح جمع توابعي
وتتلو أعاصير القريض زوابعي
وترمقني الأرجاء من بين أحرفي
لأني مثير الحرف رغم مواقعي
ولولا براهين الإله رأيتها
لكنت على البابين رغم موانعي
فمن دبر قد القميص وليتني
خلعت قميصي عند باب الذرائع
على سررٍ من مخلبين أظنها
من العبث الموتور رهن المطامع
فكم من دعاة الحرف راموا تشيعا
إلى مهلكات الحرث فوق مسامعي
فكم في عكاظ مستكين قصائد
وكم في طبول الحرب زيف مدامعي
فياليت عبلة في الغرام يثيرها
بعنترة العبسي قراع المسامع"
ـ ويقول مظفر الحمادي في قصيدته "المهلكات" :
"بوح المساء وصمت الروح قهقهتي
بؤس اشتياقي وأشجاني ووسوستي
خوفي وحيرة نفسي وانتباهتها
ولوعتي وانكافآتي ومعذرتي
ومهلكات غرامي في توقده
الحابسات ترانيمي على شفتي
في ذلك الحقل جف الصوت ذات ضحى
فصارت الحيل العصماء قافلتي
فوضى المزاج أهازيج قد امتزجت
من سقف حلقي إلى أعتاب قافيتي
كمثل عارض عاد خلته مطرا
فصرصرت ريح عصفا بجمجمتي
فكم تخيلت أحلامي مبعثرة
ما بين أوزان قيثاري وأغنيتي"
الشعر الحديث
ـ ألقى الشاعر مصطفى الحفناوي قصائد من الشعر الحديث، تتميز بالصور الموحية المستمدة من الواقع، والتي تعبر عن اغتراب الإنسان، وتلاحمه مع قضايا الناس والعالم، يقول في قصيدته "أغنيتي":
"أغنيتي من نهمات البحارة
وشرود الشعراء وعطش الصحراء الأبدي لقطرة ماء
من شوق حبيبات منتظرات في الشرف العلوية
أن يأتي من سيخلصهن تماما من ثقل التاريخ
الجاثم فوق إرادتهن بلا استحياء
من أشلاء صغار كانوا في الصف يغنون نهار اندلعت حرب بين الأعداء
أغنيتي من أوجالع العمال على الآلات صباحا
من إغماضة أعينهم مرهقة جدا كل مساء
من واحات البدو المختفية في الأرض
المستيقظة على الصفحات البيضاء
أغنيتي تأريخ للنار وللغزلان وللفقراء
لدروب لم أكملها خوفا
لمشاهد لم أسطتها وصفا
لدموع ظلت في عيني بعد بكاء"
ـ ويقول الحفناوي في قصيدة أخرى مستلهما الشوارع والليل والأمكنة :
"لا شيء يعود
الليل عميق جدا في هذي البلدة
الأغصان بلا ثمر
الشارع ممتليء بالأفراح ولكن
نمشيه ونحن على علم أن الشارع مسدود
لاشيء يعود
ننضب ملح البحر على مضض
نرتجل الشعر ولا نكتبه
حتى ننسى ماقلنا لما نخلد للنوم وتنطفيء الأضواء
في الليل نقابل عشرات الناس ونجلس معهم بالساعات
ونكتشف أنا لم نتبادل لا الأرقام ولا الأسماء".
قصائد وجدانية
ـ ألقت الشاعرة ناهدة شبيب عددا من القصائد الوجدانية التي تتميز بالصور الشعرية الجديدة والمبتكرة، تقول في قصيدة "عتب المحبين" :
"ينام الحب في أحداق عيني
وأنت تنام بينهما وبيني
ولو قطع الفراق لنا وصالا
يراك القلب تبعد خطوتين
ونبضك لم يزل في الصدر حتى
لأحسب صار نبضي دقتين
لكم طوت الدروب لنا حديثا
وطيفك لم يزل في المقلتين
رسمت الشوق أشرعة فهامت
تداعب بالمحبة موجتين
وطوعت الحروف وصرن وشما
يزين بالشقائق وجنتين
عتبت عليك كيف هواي تسلو
وكنا ذات عهد عاشقين
وكنت الماء في بيداء روحي
فصرنا في الملاحة واحتين
فما القبل الأثيمة ذكرياتي
ولا العطر المذاب ببردتين
سنينا لم تزل تستاف حبي
ولما تسق من شهد اللجين
أباتت لهفة ظمأى سرابا
وخاب الوهج عند المفرقين
حملت هواك في حلي ورحلي
فأسكرني الحنين غداة بيني
وكنت سلبت من زمن فؤادي
فرد إلي بالمعروف ديني"
تكريم الشعراء
في ختام الأمسية كرم مدير بيت الشعر في الشارقة الشاعر محمد عبدالله البريكي الشعراء الثلاثة مظفر الحمادي وناهدة شبيب ومصطفى الحفناوى، وقدم لهم شهادات تقدير.
يذكر أن بيت الشعر في الشارقة أحد المعالم الثقافية الرئيسية في إمارة الشارقة، وهو من خلال العديد من الفعاليات والأنشطة والأمسيات يضطلع بدور محوري ومهم في إثراء الشعر ديوان العرب، وإعادة مجد القصيدة العربية.
وقال مدير بيت الشعر في الشارقة الشاعر محمد البريكي إن "الشارقة تهتم بجميع أنواع الفنون والآداب ومن ضمنها الاهتمام بالشعر، ولذلك تأسس بيت الشعر في الشارقة الذي يقيم فعاليات مستمرة، ومنها الفعالية التي تنظم كل ثلاثاء، وكذلك الورش المستمرة، وتكلل هذه الفعاليات في ختامها بمهرجان الشارقة للشعر العربي الذي يقام ويجمع بين عدد مجموعة كبيرة من الشعراء والمثقفين والنقاد والاعلاميين، هذه هي الشارقة التي تسعى دائما إلى الإحتفاء بديوان العرب ليبقى متصلا مع نبض الأمة"