نشأت الثقافة العربية في الأساس محكية، حيث كان الراوي أول ناشر في هذه الزمن، كذلك كانت فنوننا الشعبية شفاهية، وظل ذلك فترة طويلة إلى أن جاء عصر التدوين، حتى بعد ذلك ظلت الثقافة المسموعة مصدرا مهما من مصادر المعرفة الانسانية.
وكان ظهور الإذاعة لأول مرة عام 1920 حدثا مهما، حيث أخذت الثقافة المسموعة بعدا جديدا من التخصص والانتشار، فكان المذياع مصدرا أساسيا من مصادر التثقيف والتعليم والإرشاد والتوعية، وهو الدور الذي استمر حتى بعد ظهور التلفزيون .
ورغم توفر الإنترنت عام 1991 والذي حمل معه وسائل مدهشة للنشر، ظلت الثقافة المسموعة تمارس دورها، من خلال الإذاعات، وشرائط الكاسيت، ومواقع التواصل وأهمها يوتيوب، ومواقع الموسيقى، خاصة بين الفئات الشعبية.
ومع ذلك كله، ظل الكتاب الصوتي معادلة صعبة لم تتحقق على أرض الواقع، عدا محاولات شخصية قليلة، قام فيها بعض الشعراء بنشر دواوينهم المطبوعة مرفقة بنسخ صوتية، وبدت هذه المحاولات النادرة ترف تسويقي لا يقدر عليها أي شخص.
في الوقت نفسه يتوسع سوق الكتب المسموعة في الغرب، تتوقع شركة الاستشارات التجارية جراند فيو للأبحاث أن يصل حجم سوق الكتب الصوتية في الولايات المتحدة إلى 15 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2027.
الكتاب المسموع يمكن أن يكون أداة نشر فعالة، وذلك بتحويل الكتب أيا كانت دواوين شعر أم روايات أو مؤلفات أو غيرها إلى ملفات صوتية إما بديلة للكتاب المطبوع، أم رفيقة له.
وللكتاب المسموع فوائد شتى، منها إمكانية الاستماع إليه في أي مكان، أثناء قيادة السيارة، أو ممارسة الرياضة، أو حتى أثناء أداء أعمال ومهام مختلفة، مثل المذاكرة أو العمل.
وهو يحل أيضا المشكلات التاريخية للكتاب مثل غلاء الطباعة، وارتفاع تكاليف الشحن، ومحدودية الانتشار، ويفتح للعمل الأدبي آفاقا جديدة من الانتشار، حيث يمكن إنتاج عدد كبير من الكتب الصوتية بسعر مناسب
والكتاب المسموع ليس عنصرا ماديا يوجد عبء لحمله، ولكن يمكن حفظه في شكل ملف، وتداوله من خلال أجهزة الاتصال المختلفة مثل أجهزة الكمبيوتر أو الموبايل، أو الآي بود، بل نقله من شخص إلى شخص آخر أو مكان إلى آخر عن طريق الإنترنت، وبذلك يسهل تداوله وقراءته والرجوع إليه في أي وقت ، كما أن له فوائد بيئية.
ومن الميزات المهمة أيضا للكتاب المسموع، أنه وسيلة سهلة للمكفوفين وضعاف البصر للتزود بالثقافة، بدلا من الوسيط البشري، وأيضا هو بديل أفضل للكتب المطبوعة بلغة برايل ذات التكلفة العالية.
أثبتت حاسة السمع قدرتها على حفظ التراث العربي لسنوات طويلة قبل ظهور الطباعة، ولولاها لضاع جزء كبير من هذا التراث، وفي كثير من الأحيان تتفوق حاسة السمع على الحواس الأخرى، فهي توفر مساحة أوسع للمخيلة، وهو أمر ضروري عند التعاطي مع النص الأدبي، وكما قال بشار بن برد "الأذن تعشق قبل العين أحيانا".
فضلا عن ذلك، الكتب الصوتية قد تكون مفتاحك للثروة، فخلال دراسته التي استمرت خمس سنوات لأكثر من 200 مليونير عصامي، وجد توماس كورلي أنهم لا يشاهدون التلفزيون. بدلاً من ذلك، قال 86% أنهم يقرؤون - ولكن ليس فقط من أجل المتعة. علاوة على ذلك، أشار 63% إلى أنهم استمعوا إلى الكتب الصوتية أثناء تنقلاتهم الصباحية.
لاشك أن هناك تحديات مختلفة تواجه الكتاب المسموع، منها تكلفة الإنتاج، وكذلك اللغات واللهجات والتدقيق اللغوي، بعض الشركات ومن بينها جوجل تقدم خدمة تحويل النص المدون إلى نص مسموع، ولكنها لا تدعم اللغة العربية، والشركات الأجنبية التي تدعم العربية فشلت في تقديم نطق آلي يلتزم بقواعد النحو.
لذلك كان التحدي الأول أمام الكتاب المسموع الالتزام بقواعد سيبويه. لكن الخبراء يؤكدون أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل هذا التحدي.
مع اشتداد أزمة النشر عامة، وأزمة الكتاب العربي خاصة، بفعل عوامل مختلفة، اقتصادية ولوجستية، يجب أن نبحث عن بدائل أو طرق موازية للنشر، ومن البدائل الرائعة "الكتاب الصوتي".