تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



الشعر الجاهلي يتجاوز القوانين الفيزيائية



فاروق اسليم : المجدد الأول امرؤ القيس أعاد ما جاء به الأوائل بطريقة فنية فائقة
الارتقاء في العصر الجاهلي إبداعا ونقدا  يرجع إلى حرية الابداع
الشعوب التي تمتلك أدبا راقيا تملك نقدا راقيا  
فاطمة المزروعي : المؤلف الواعي ينشد النقد ويتمناه مهما تعمق وقسى
فاطمة البريكي : الابداع التفاعلي من المصطلحات التي انشغلت بها وأفضّل تسمية الابداع الجماعي
عمر عبدالعزيز : أحاجي تحاول التشكيك في الأصول وادعاءات الكلام المنحول لم تقتصر على الشعر
عبدالفتاح صبري : النقد العربي يمر بمرحلة اللا يقين وسط النظريات الغربية المتواترة

 

الأمير كمال فرج

أجمع عدد من الأدباء والنقاد على أن الشعر الجاهلي هو الحاضنة التي تأسس فيها الشعر فن العربية الأول، وأن تأثير هذا الشعر لازال مستمرا حتى الآن، وأن من الشعر الجاهلي ما تجاوز القوانين الفيزيائية، وأرجعوا ذلك إلى أن حركة الابداع الشعرى في هذه الفترة الزمنية رافقتها حركة نقدية موازية، مؤكدين أن الشعوب التي تمتلك أدبا راقيا تملك نقدا راقيا. 

جاء ذلك في  جلسة حوارية أدبية ونقدية، نظمتها إدارة الدراسات في دائرة الثقافة في الشارقة، عبر برنامج زووم، حول كتاب "إجراءات النقد وقضاياه في الشعر الجاهلي" للدكتور فاروق اسليم، والذي صدر في سلسلة "دراسات نقدية".

شارك في الجلسة مؤلف الكتاب الدكتور فاروق اسليم، والروائي والفنان التشكيلي الدكتور عمر عبدالعزيز مدير دائرة الدراسات، والروائية الدكتورة فاطمة المزروعي، والكاتبة والباحثة الدكتورة فاطمة البريكي، والأديب والقاص عبدالفتاح صبري، وأدارها الدكتور محمد الأمين.

تلا الدكتور محمد الأمين التعريف الخلفي للكتاب|، وقال "في هذا الكتاب بيان لإجراءات نقد الشعر،  والوعي بقضاياه لدى العرب قبل الإسلام، ولدى من في حكمهم من المخضرمين، إنها إجراءات معنية بنقدهم لشعرهم آنذاك، لا بنقد غيرهم له فيما بعد، وهي تهدف أساسا إلى توصيف النقد لا نقده، لذا ستكون الإجراءات البحثية لهذه الإجراءات توصيفية، مع مراعاة البعد التاريخي، من جهة قصر مجال البحث على ماصدر عن العرب قبل الإسلام، وعن من هو بمنزلتهم من المخضرمين في مجال نقد الشعر".

الفصاحة العربية

قال الدكتور فاروق اسليم إن "الكتاب يتكون من فصلين، ولكن قبل ذلك تحدثت في مهاد مهم، لنتعرف إلى حال العرب قبل الاسلام، ووقفت عند قضايا مهمة متصلة بالشعر، أولها هوية الشعر العربي، ثم انتقلت بعد قراءة هذه الإشكالية إلى أهمية الفصاحة عند العرب، فللإنتساب للعروبة قبل الاسلام كانت اللغة فصلا رئيسا في ذلك، وكانت الفصاحة معلما مهما للسيادة،  والانتماء إلى القبيلة، وكان العرب يفخرون بها، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول : (أنا أفصح العرب بيد أني من قريش)، وسئل عن الجمال قال في اللسان، وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم امتداد لثقافة العرب التي تحتفل بالفصاحة".

وأضاف "ثم انتقلت للحديث عن منزلة الشعر عند العرب، فالشعر هو المعلم الثقافي الرئيس للعرب قبل الاسلام، وهو ديوانهم كما نعرف، ومايزال لهذا الشعر تأثيره حتى زماننا هذا، ثم انتقلت للحديث عن منزلة الشعر والشعراء في المجتمع الجاهلي، فالشعراء هم أصحاب العلم، والحكمة وكانت لهم منزلة عالية في مجتمعهم، وأبوعمرو بن العلاء يقول إنهم في منزلة الأنبياء من حيث الحكمة والعلم، وتوقع الأفضل، وتوقع ما سيصير عليه الحال، وشعراء الجاهلية كانوا هم المتنورين في عصرهم.  ثم انتقلت إلى مجالس الشعر،  فقلت إن العرب قبل الاسلام عرفوا مجالس في المدن وفي البلاط، وفي عكاظ وكانت هذه المجالس تنشد فيها الأشعار، وكانت فيها أيضا اتجاهات نقدية مختلفة"، مشيرا إلى أن الشعوب التي تمتلك أدبا راقيا تملك نقدا راقيا.  

وأوضح الدكتور اسليم أن "الباب الأول: تجليات نقد العرب بالشعر قبل الاسلام، وفيه تحدثت عن إجراءات النقد، عما تحقق، فتناولت أوليات نقد الشعر عند العرب قبل الاسلام، ثم انتقلت إلى موضوع الإختيار واعتبرته معلما نقديا أوليا،  وأشرت في هذا المجال إلى اختيار المعلقات، لاختلاف طبيعتها، ثم اختيار ملك الحيرة لقصائد تعلق على الكعبة، ثم انتقلت إلى ألقاب الشعراء، وكان لكل لقب دلالة، تمثل حالة شعرية متطورة عما قبلها، ابتداء بالنابغة الذبياني" و"الحطيئة وانتهاء بـ "صناجة العرب" الأعشى، ثم تحدثت عن المصطلحات الفنية التي وقف عندها الشاعر، وفي الفصل الثاني تناولت أقوال العرب الناقدة للشعر، وهي تنقسم إلى قسمين : الأول نثري، وهو الأقل وجودا في نقد العرب، وهذا أمر بديهي لأن ما وصل إلينا من أقوال نقدية، وصل شفاهة، لذلك وصل إلينا قليل من هذه الأحكام، إضافة إلى إمكانية أن نقول أن هذه الأحكام النقدية، ربما وصلت في الغالب بمعانيها وليس كما قيلت تماما. إلا إذا كانت أحكام موجزة، فتعامل معاملة المثل الذي نقل إلينا ما قيل في الجاهلية".

وأبان أنه انتقل بعد ذلك إلى نقد الشعر بالشعر، وهو المجال الأكثر رحابة، والأكثر حضورا في الشعر الجاهلي، ونجده خاصة في شعر الفخر والهجاء والمديح، حيث يعتز الشاعر بشعره فيصدر أحكاما على هذا الشعر، وتكون هذه الأحكام نقد للشعر بالشعر. وذلك يعني أن هذا النقد له طبيعة فنية، ويعتمد على الصورة الشعرية في تقديم الفكرة، ومن ثم تكون هذه الفكرة حاملة معاني كثيرة يريد الشاعر أن تصل .

وأشار الدكتور اسليم إلى أن الفروسية كانت معلما رئيسا في حياة العرب قبل الاسلام، وقد انتقل هذا المعلم إلى الشعر وإلى نقد الشعر، فكان الشاعر يأتي بصور من معجم الفروسية ومن حياة الفروسية، ليصف بها شعره أو شعر غيره.

ثم انتقل في الفصل الثالث إلى الشاعر الناقد للشعر، فأشار إلى أن الشاعر هو الناقد الأول لشعره، ويأتي في مقدمة هؤلاء امرؤ القيس، ثم أشرت إلى أن الشاعر ينقد شعر غيره، ثم تحدث عن الشاعر النابغة الذبياني، وفي هذا السياق أشار إلى أن هذه الأحكام، التي يحكم بها النابغة ، أو التي يحكم بها الشعراء، وآخرون أحكام يرضى بها المجتمع ويرضى بها، فالمجتمع لا توجد لديه أحكام نقدية مكتوبة، لذلك فالأحكام النقدية التي يقولها الشاعر يصدقها الناس.

وظائف الشعر

قال الدكتور اسليم أن "في الباب الثاني : قضايا نقد العرب للشعر قبل الاسلام". تناولت ثلاثة قضايا : الأول وعي العرب بوظائف الشعر، ونحن نقول أن الشعر لديه وظيفة ذاتية ووظيفة موضوعية، والشعر الجاهلي شعر غنائي، ولكنه لا يخلو من الموضوعية، ولكن ما أضافته الدراسة أنه شعر لديه أيضا وظيفة جديدة وهي الوظيفة النقدية، وفي هذا الفصل ذكرت أن الأحكام التي وصلت إليها مأخوذة من الشعراء أنفسهم، يقول الشاعر "فقريض الشعر يشفي ذا الغلل"، مشيرا إلى أن الشعر وظيفته تطهير النفس، يؤثر في الآخر إيجابيا إذا كان الرسالة تناسب المتلقي، وسلبا إذا كانت لاتناسبه.

وقال المؤلف أن "الباب الثاني تناول قضية مهمة وهو ربط البعض بين الشعر والجن، البعض يعتقد أن الشعر وحيا من الجن، بينما البعض يرى أن ابداع الشعر ليس وحيا من الجن، ولكنه موهبة انسانية مكتسبة بالدراسة من الأب أو الأم، مع وجود ما جمع بين الأمرين ، من رأى أن الشعر وحي من الجن، وأنه أيضا ابداع انساني، ومن ثم تحدث امرؤ القيس في شعره عن تنازع بين الجن وبين الشاعر، أي أن الشاعر يكون مستسلما باعتقاد منه أن الجنّي هو الذي يقدم له  الشعر، وهناك شاعر  يعتقد أن الجن يقدم الشعر، ولكن لا يستسلم له، ولكن يجاريه، . وقلت أننا أمام نص تفاعلي في وعي الشاعر الذي يرى أن النص ابداع شعري انساني وغير انساني ، كل ذلك وفق قوائم الشعراء".

وأوضح أنه انتقل إلى الوعي التفاعلي، وهو مصطلح معاصر، أبدعت فيه الدكتورة فاطمة البريكي، وقا أن "الشاعر الجاهلي كان أحيانا يصنع نصا شعريا بالتعاون مع الآخر، وأشرت إلى مجموعة من المصطلحات المتصلة بهذا الشعر، كأن يجيز شاعر نصف بيت بنصف بيت، أو يجيز بيتا ببيت، أو غير ذلك، ثم انتقلت إلى تنمية القدرة على الابداع لدى الشاعر وأشرت إلى أن الشاعر الذي يعتقد أن الشعر موهبة، كان ينمي هذه الموهبة بأمور مختلفة، منها الاستعداد، والرغبة، وتهيئة الجو المناسب، والخروج إلى البرية، وتناول الطعام المناسب، وكذلك الثقافة ورواية الشعر، ثم انتقلت للباب الأخير وهو وعي العرب بقضايا الشعر، الأول التقليد والتنكير، وهو أمر تحدث عنه الشعراء صراحة ، وفي مقدمتهم عنترة بن شداد عندما قال : هل غادر الشعراء من متردم" فطرح سؤالا متحديا .. هم لم يغادروا وأنا سأغادر؟".

وأكد أن "الشاعر المجدد الأول امرؤ القيس لم يأت بما لم يأت به الأوائل، ولكنه أعاد ما جاء به الأوائل،  بطريقة فنية فائقة، وعنترة تفوق بمعلقته على ذاته وجاء بنص مختلف، وبات يمثل حالة من جهة أن الشعر من حيث أنه لم يكن مقتصرا على فئة معينة، ولكنه كان مجالا مفتوحا لعنتره ولغيره".

الأصالة والإنتحال

قال الدكتور اسليم أنه تناول في كتابه "الأصالة والإنتحال" وهي قضية ليست وليدة العصر العباسي، وإنما وجدت في الجاهلية، وكان الشاعر يحاول أن ينفي الانتحال عن نفسه، وكان المتلقي من الملوك خاصة، يتابع هذه القضية ليتأكد من أن الشاعر يقول شعرا أصيلا وليس منحولا، ثم انتقل إلى موضوع الصدق والكذب، وقال أن الصدق هو قيمة القيم عند العرب، وكل الأمم، والشاعر كان يقف على تقديم الحالة التي يتحدث عنها على نحو صادق تاريخيا، بمعنى لا يستطيع الشاعر المهزوم الادعاء بأنه انتصر، فالمجتمع يراقبه، ولكن المجتمع سامح وأجاز المبالغة في التعبير، أي أنه يكون صادقا، ولكنه يبالغ في التعبير عنها، وهذا أمر معروف في الشعر ، لأن من طبيعة الشعر المبالغة في تصوير القضية ليعمق الاحساس بها.

وأضاف المؤلف أنه انتقل أخيرا إلى محاسن الشعر، وذكر أن على الشاعر أن يكون فصيحا،  معانيه مترابطة،  أن لا يكون فيها تناقض، وأن يكون شعره مناسبا للمقام، وأن يكون لديه القدرة على الرواية، وأخيرا اختتم بأن كل هذا الكلام لا يشكل نظرية نقدية، أو توجها فكريا عميقا،  لأن طبيعة العصر لا تسمح  بذلك، مشيرا إلى أن مجمل ما جاء في الكتاب يشير إلى أن هذا الشعر العربي الجاهلي الفائق فنيا إلى يومنا هذا لا يمكن أن تنتجه إلا بيئة فيها نقد يوازي هذا الابداع الكبير.

وقال أن "هذا الارتقاء إبداعا ونقدا  يرجع إلى ما يمكن تسميته بحرية الابداع ، الشاعر يبدع إن كان من الفصحاء وإن كان طفلا أو شيخا أو فارسا، هؤلاء كلهم يشاركون في الإبداع، حرية في الإبداع، وحرية في التلقي، فإذا كان مجال الإبداع واسعا، فإن مجال التلقي كان أكبر اتساعا، ولدينا أيضا حرية في نقد الشعر، فالطفل قد ينقد الشعر، والملك قد ينقد الشعر، وبناء على ذلك نقول أن العرب امتلكوا قدرا واسعا من الحرية المفيدة لمجتمعاتهم في إبداع الشعر، وفي نقده وتلقيه، وفي كل هذا ما يمكن أن يكون بناء وأساسا لقراءات أخرى في الشعر الجاهلي".

الحركة النقدية

قالت الدكتورة فاطمة المزروعي أن "الحركة النقدية في عالمنا العربي لا تلقى الاهتمام الذي تستحقه، ولا أتفق مع الرأي الذي يضع المسؤولية على المشتغلين في الحقل النقدي، وأن القصور يأتي من جانبهم، بل على العكس، يعود لهم الفضل في وجود حركة نقدية يمكن الإشارة إليها، بل أن ما يجعلنا نقول أن هناك مشهد نقدي وحضور في بعض الأوقات نتيجة لجهود ذاتية قام بها أساتذة ومتخصصون في هذا المجال الحيوي". 

وأضافت أن "جانب من أسباب تعثر الأدب بصفة عامة ـ إن صح التوصيف بالتعثر ـ عدم وجود منجزات إبداعية قوية تنافس المنتج الانساني العالمي، ويعود جزء منه إلى ضعف الحضور النقدي، وذلك يقودنا إلى ضعف الدور المؤسسي الداعم للنقاد، والمشتغلين بهذا المجال، مع استثناءات مثل دائرة الثقافة في حكومة الشارقة والتي نشرت هذا الكتاب".

وأوضحت المزروعي أن "هناك قلة من النقاد، والموجود منهم لا يكاد يسمع، لم يواكب البعض منهم حركة التأليف في عالمنا العربي، إضافة إلى عدم وجود جوائز ومؤسسات ترعى هذا المنتج النقدي، وتشجع على ظهور أدوات نقدية جديدة، وبالتالي تغيب عن ساحتنا الكثير من الأعمال النقدية التي تخرج لنا عمق الجمال وجوهر الإبداع".
وقات أن "كتاب إجراءات النقد وقضاياه في الشعر الجاهلي يعيدنا إلى حقبة زمنية تتجاوز 1400 عام، ويهتم بهذه الحقبة الشعرية، ويؤسس لحالة نقدية، يجب علينا نحن المشتغلين بالأدب والتأليف فهمها واستيعاب عمقها".

الناقد والحكم

أوضحت الدكتورة المزروعي أن "الكتاب مفيد لنا كمؤلفين وكتاب، لأنه يجعلنا نلم بالكيفية النقدية، والمنطلقات التي أسسها الشعراء في تلك الحقبة، فقد قاموا بدور الناقد والحكم، فضلا عن المدارس التي نشأت في عصور لاحقة، وأخذت على عاتقها العلم النقدي، من خلال هذا الكتاب نجد ضوءا واضحا عن النظرة الناقدة للنص، وكيف تتناوله مهما بلغت حدته".

وأكدت أن "النقد داعم لحركة التأليف والكتابة، لأنه يخرج من النص أعظم مافيه، ويضع العثرات أمام المحاكمة وأمام قلم يستهدف الكمال، وإن كان النقد رسالة أشمل وأوضح من مثل هذا الاختزال أو التحديد، لكني أردت الاشارة إلى جانب قد يكون محل اهتمام المؤلفين والكتاب، فالمؤلف يعجبه النقد ويوجعه، ومن الطبيعي أن يعجبه عندما يشير إلى الابداع والتفرد، ويؤلمه عندما يشير إلى السقطات والهفوات، ولكن المؤلف الواعي والمدرك لخطورة وأهمية النقد يبقى ينشده ويتمناه مهما بلغت حدته، ومهما تعمق وقسى، ومهما أخرج من مثالب وعيوب في النص، فالمؤلف الواعي يهتم بذكر الأخطاء والإخفاقات في نصه أكثر من النقاط الجيدة،  وعندما يقدم الناقد هذه الأخطاء فإنه يقدم دروسا ثمينة للمبدع".

وقالت المزروعي أن "توقف الدكتور اسليم عند الشعر الجاهلي في هذا الكتاب له دلالته، فهو يتوجه نحو الحركة النقدية التي كانت سائدة في ذلك العصر القديم من الثقافة العربية، ويوضح أن النقد كان له حضوره، مشيرة إلى أن ما جعل للشعر الجاهلي كل هذا الوهج والحضور حتى اليوم وجود مدرسة تفحص وتدقق ولا تمنح لقب الشاعر إلى كل من نظم أبياتا وألقى كلمات، ولكن التنافس بلغ في تلك الفترة ذروته نحو الشعر الأفضل والأفصح والأجمل، وذلك مالم يكن إلا بعملية تقييمية موضوعية دقيقة".   

وأبانت أن "الكاتب يناقش نقطة حيوية، وهي نظرة وتصور العرب للعملية الشعرية قبل الاسلام، التي شكلت التأسيس للحركة الثقافية العربية التي تدين بالفضل للشعر، ثم لحقبة  الشعر الجاهلي تحديدا. وهذا جانب يحتاج المزيد من البحث"، مشيرة إلى الحاجة لعملية نقدية معاصرة أكثر كثافة ودقة وعمق تقوم بدور حيوي في النهوض بالمنجز الأدبي العربي وغيره من الفنون الانسانية التي يبدع فيها الإنسان.

الابداع الجماعي

قالت الدكتورة فاطمة البريكي أن "الكتاب يطرح موضوعا قديما متجددا، وقد اهتم الكاتب بهذه الفترة الزمنية، خصوصا وأن الحركة النقدية في العصر الجاهلي دائما ما تتهم بأنها انطباعية، وأحكامها متغيرة، يصف قائل أحد الشعراء بأنه أشعر الناس، وبعد فترة يمنح هذه الصفة لشخص آخر، لذلك همشت واتهمت بعدم النضج، والكاتب حاول أن يضع تصورا واضحا لناقد الشعر في العصر الجاهلي، وموضوع الوعي استوقفني كثيرا ، والأفكار التي طرحها فيها التفاتات جميلة، فيها بعض الجدة، فنحن دائما نسمع عن أولية الشعر وقدمه، ولكن موضوع النقد لم يكن مطروحا في الدراسات التي اطلعت عليها، لذلك كان الكتاب التفاتة جميلة" .

وأضافت أن "الابداع التفاعلي من المصطلحات التي انشغلت بها من عام 2006، عندما تركت النقد القديم، وانتقلت إلى النقد الحديث والجانب التفاعلي الرقمي وما إلى ذلك. هنا وجدت طرافة وجدة في الطرح، وإن كنت أفضل تسمية الابداع الجماعي على الابداع التفاعلي. عندما يشترك شاعران في قصيدة سواء بالإجازة أو المماتنة ، يكون مصطلح الإبداع الجماعي أفضل".

وطرحت الدكتورة البريكي على الكاتب بعض الأسئلة حول عناوين الأبواب والفصول في الكتاب، مشيرة إلى تداخل بين هذه العناوين، واقترحت بعض التعديلات، لتكون الفصول والأبواب أكثر تعبيرا عن مضمونها.

رؤى فلسفية

قال الدكتور عمر عبدالعزيز أن "هناك ثلاث محطات أساسية في الشعر العربي الجاهلي،  أولا فيما يتعلق بالتسمية، هذه واحدة من الإشكالات الدائمة، ماهو الشعر الجاهلي؟، هذه التسمية تسمية ما قبلية، بمعنى آخر ليست قرينة الفترة التي سبقت الاسلام فقط، ولكن ماقبل ذلك، وكانت الحافظة الفردية هي الأساس لنقد الشعر والنثر في آن واحد، وكان من الطبيعي أن يكون الشعر أكثر انتشارا قياسا بالنقد، لأن حفظ الشعر له علاقة بالتوقيع والخواريزمات الموسيقية والروي وما إلى ذلك، فيما كانت الخطب والنصوص المسجوعة والنثرية تحفظ، ولكن ليس بهذا القدر الكبير".

وأضاف، أن "الشعر الجاهلي تضمن في طياته العديد من المعارف المتعلقة بالديانات التي كانت سائدة آنذاك، ومنها التوحيد الإبراهيمي، والحنفية والتعددية الدينية الوثنية، كانت كل هذه الأشياء مستبطنة، بالإضافة إلى بعض الرؤى الفلسفية التي تنصهر في تضاعيف هذه الأديان ، مما يدل دلالة على أن هذا الشعر كان شاهدا من شواهد المقدمات الموضوعية الدنيوية لظهور الاسلام".

وأوضح الدكتور عبدالعزيز أن "هذه النقطة مهمة، خاصة وأن هناك من قال أن الشعر الجاهلي منحول، كما ورد في كتاب الدكتور طه حسين "في الشعر الجاهلي" حيث قال أنه شعر منحول، كتب في العصر العباسي، متأثرا بنظرية مرجليوث أحد المستشرقين الأوروبيين ، وهذه المسألة تفتقر إلى دليل، لأنه ليس معقولا أن تكون المعلقات السبع، وكل الموروثات النثرية الموازية على قلتها منحولة، لأن هناك سياق جامع لها بالمفهوم الدلالي والمفاهيمي، وهذا ما يشير إلى قضية النقد في هذا العصر".

وقال أن "ادعاءات الكلام المنحول لم تقتصر على الشعر بل طالت أيضا النثر ، حيث يقال أن أشياء أخرى كتبت في العصر العباسي، وهذه الأحاجي تحاول التشكيك في الأصول، والجذور، إن ثقافة الحفظ لم تكن ثقافة العرب فقط، ولكنها ثقافة الأكاديميات الانسانية كلها، وكانت ثقافة متبلورة ومهمة، وكانت تحل محل الكتابة في تلك الأيام".   

المتلقي الناقد

أوضح الدكتور عبدالعزيز أن "المتلقي في هذا العصر كان مستوعبا وقادرا على تمييز وتقييم الشعر، والأمثلة عديدة،  ومنها ماورد عن زهير بن أبي سلمى في قوله " يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ... ليوم الحساب أو يعجل فينقم"، و "فأَقسمْت بِالْبَيْتِ الذِّي طاف حَوله ... رِجـال بنوه مِن قريشٍ وجرهمِ"، كل هذه الأشياء مؤشرات على تلك الطقوس التي تمارس سواء بشكل وثني أو بشكل فيه نوع من التوحيد الإبراهيمي، أيضا في معلقة امرؤ القيس أشياء هامة ، وأشير هنا إلى بين " مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدبِرٍ مَعًا ... كَجُلمودِ صَخرٍ حَطَّهُ السَيلُ مِن عَلِ" ، ولاحظت في هذا البيت استنبطان حقيقي للقوانين الفيزيائية، وكذلك عنترة بن شداد فيما يتعلق بالصور عندما يقول "فَازْوَرَّ من وَقْـعِ القَنَا بلبَانِـه... وَشَكا إِليَّ بعَبرة وَتحمحـمِ" وهي واحدة من الصور البلاغية الفريدة.

وقال أن "هذا الشعر كان جزءا من الثقافة العربية قبل الاسلام، وعندما نتحدث عن قبل علينا أن نعرف أن هناك قبل قبل، كما أن هناك بعد بعد، فالشعر العربي في كل مراحله التاريخية كان يتماوج ويتفاعل ويتداخل مع العديد من العناصر الثقافية والمجتمعية"

وأكد أن الكتاب تميز لكونه قدم نظرة بانورامية للشواهد والدلائل المتعلقة بالشعر العربي ، وتحديد مفهوم النقد المقترن بالذائقة الثقافية والمعرفية التي كانت موجودة آنئذ عند العرب.  
 
مرحلة فطرية

قال عبدالفتاح صبري إن"الكتاب إضافة مهمة للمكتبة العربية، لأنه يبحث في الشعر الجاهلي وقضاياه، والشعر الجاهلي هو الذي أسس للأدب العربي، لأنه كان المنطلق الأساسي للإبداع العربي في هذه المرحلة المهمة، خاصة أنها كانت مرحلة فطرية متمكنة من قواعد الفن والإبداع واللغة والصور الشعرية البديعة". 

وأضاف أن "هذه الفترة أخذت حيزا كبيرا من النقد العربي، على مدار التاريخ، لأنها كانت مرحلة مؤسسة للابداع العربي، وجهد مشكور من الدائرة بأن تهتم بهذه النوعية من الدراسات التي نحتاج إليها لإعادة النظر في قضايا النقد العربي الذي يمر الآن بمرحلة اللا يقين ، فهناك النظريات الغربية المتواترة، نظرية تأتي لتهدم نظرية، وهي إشكالية كبرى تفتح الباب إلى إعادة تقييم نقدنا العربي القديم، وتأسيس نقد لهذا التراث العربي الثري والغني والفريد الذي نهمله ونتجاوزه ونبحث عن النظريات الغربية الجاهزة التي لا تلائم  مع البيئة والخصوصية العربية". 

ودعا صبري الباحثين والنقاد والأدباء العرب إلى إعادة البحث في أسس هذا التراث العربي العريق للخروج بمسارات جديدة في نظرية النقد والأدب، ليكون لنا اسهام حديث في النقد العالمي.

 

 

 


تاريخ الإضافة: 2021-09-06 تعليق: 0 عدد المشاهدات :914
1      0
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
69%
 لا
20%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات