منذ أمد بعيد ومقياس القوة واحد، هذا البلد عدد سكانه أكبر من عدد سكان هذا البلد، وذلك البلد قدراته العسكرية وفقا لعدد الدبابات والطائرات والجنود أكبر من القدرات العسكرية لذاك البلد، وهكذا ..، رغم أن للقوة مقاييس أخرى حقيقية قد تقلب الطاولة، وتحول في لحظة المنتصر إلى مهزوم، والمهزوم إلى منتصر .
الشكل والعدد والحجم مقاييس تاريخية ثابتة لتحديد القوى، لا بأس ، ولكن هناك معايير أخرى لا يتم قياسها، رغم دورها المهم في تحديد النتائج، هذا السبب في انتصار دولة صغيرة لا تملك إمكانات التسليح على أخرى تمتلك كافة الإمكانات، وتفوق طالب فقير لا تجد أسرته قوت يومها على آخر ، تملك أسرته كل أسباب النعيم.
هذه المقاييس الخفية سبب فشل العديد أصحاب الدراسات وكهنة استطلاعات الرأي ومكاتب المراهنات في تحديد النتائج، وظهور نتائج مفاجئة لم يكن يتوقعها أحد .
الشكل لا يعبر أبدا عن القوة، فكم من رجل أنيق الملبس يتحدث اللغات ثبت في النهاية أنه نصاب، وكم من قتلة وسفاحين عرفوا بسمت التقوى، والتنافس على الصفوف الأولى في المساجد.
والحجم كذلك ليس دليلا على القوة، فقد يتمكن شخص ضعيف بالذكاء والحيلة من هزيمة عملاق، وكما يقول المثل الشعبي "يضع سرة في أضعف خلقه"، ولنا في قصة النمرود عبرة، وهو الحاكم الذي امتلك كل الأرض وقتلته ذبابة .
أما العدد فهناك أمثلة كثيرة على أن العدد لاقيمة له، ولدينا في غزوات المسلمين عبرة ، وليس أدل على ذلك من قوله تعالى "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله"، كما لدينا قصة موسى وفرعون، والتعبير الشعبي يقول "العدد في الليمون"، وهو إشارة إلى الكثير من البضائع التي يمكن شراؤها، وهي كثيرة العدد، ولكنها قليلة السعر مثل الليمون. هذا بالطبع قبل أن يرتفع سعر كيلو الليمون كما حدث العام الماضي ليصل إلى 100 جنيه.
ومن المؤكد أن لذلك كله حكمة، فلو كانت مقاييس الشكل والحجم والعدد ثابتة وحاسمة لاختل الكون، وعرف كل ظالم طريقه، ولكن كانت هناك دائما المقاييس الخفية التي تحقق التوازن، وتنشر الرحمة، وتحقق العدل، لذلك كانت هناك الروحانية والإيمان والشغف والإرادة والحب والمشاعر، وهي كلها قوى خفية خطيرة يمكن أن تغير سير المعارك، وليس فقط النتائج.
ولعل الدليل الأعظم على هذه القوى الخفية المقياس الأعظم الذي وضعه الله لحساب البشر، فهو تعالى لن يحاسبنا على أموالنا أو أشكالنا أو أعدادنا، ولكن سيحاسبنا بمعيار آخر وهو "التقوى " قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم " : ( لا فرق بين عربي و لا أعجمي و لا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى )
والأذكياء الأصفياء الأتقياء من يدركون مبكرا هذه القوى الخفية، فيواجهون المصاعب ويعملون على أنفسهم بجد وإرادة وحب وإيمان ، ليحققوا في النهاية أعظم النتائج .
لا أحلم بيوم تكون هذه المقاييس الخفية أحد معايير التقييم ، فذلك لا يمكن إلا في يوتوبيا المدينة الفاضلة، ولكن أدعو كل الناس إلى استخدام هذه القوى، لا أدعو لتجاهل المقاييس العامة كالعدد والحجم والشكل، ولكن يجب أن يكون الاهتمام الأساسي بهذه القوى الخفية التي هي عنصر أساسي في كل نجاح وكل نصر .
تاريخ الإضافة: 2020-12-05تعليق: 0عدد المشاهدات :1109