يقول المثل الشعبي "خيبة الأمل راكبة جمل"، تذكرت هذا المثل عندما تابعت على التلفاز اليوم تصريحا للمتحدث باسم البيت الأبيض الأميركي، الذي أعرب فيه عن خيبة أمله بعد قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين ناتنياهو بناء 1500 وحدة استيطانية في القدس الشريف المحتل.
و"خيبة الأمل" شعور ينتاب الكثيرين في حياتنا، العاشق عندما لا يحظى بقلب حبيبته، والتلميذ عندما يرسب في الامتحان، والشاب عندما يحددون له راتبا متواضعا لم يكن يتوقعه، ولكن خيبة الأمل هنا كما يصفها المثل الشعبي الطريف ليست خيبة أمل عادية. ولكنها "سوبر" خيبة، أو خيبة "جامبو" جريا على تعبير الوجبات السريعة. خيبة XXXXL.
ولا أدري ماذا يعني المؤلف الشعبي بـتعبير "راكبة جمل"؟ هل يقصد أن الخيبة تتدلل وتتباهى وتتماهى وتفرض نفسها على الجميع، وتقول "يا أرض اتهدي .. ما عليكي قدي"؟ أم تراه كان يرمز للعرب بـ"الجمل"؟ وبذلك تكون الخيبة راكبة ومرتاحة فوق الجمل العربي المطيع الذي يمشى الهوينا، ويطلق من حين لآخر رغاءه.
ولا أدري أيضا هل كان المؤلف الشعبي المجهول الذي ألف هذا المثل شديد الإيحاء يدري ما ستصل إليه الخيبة العربية، ويملك الفراسة لتوقع الوضع العربي المهين المقبل، فقدم هذا المثل الذي يعبر عن حالة الضعف والهوان والاستلاب التي يعاني منها العالم العربي الآن؟.
إسرائيل تحتل الأراضي العربية منذ 80 عاما، وتمارس أفظع الجرائم التي وردت في تعريف جرائم الحرب من احتلال وتهجير، واغتيال، وسرقة، واستيلاء على المنازل والأراضي، والتهويد، وخروج على القانون الدولي، والحكم الأميركي النزيه مازال يكتفي بـالتعبير عن "خيبة الأمل"، والأمم المتحدة "شاهد ما شافش حاجة"، بمعنى آخر "أذن من طين وأخرى من عجين" ، تمارس نفس الدبلوماسية البغيضة التي تعني غض البصر، وإيثار السلامة.
إسرائيل تلعب كالبهلوان على كل الحبال، تصادق الجميع وتعادي الجميع، تدعو إلى السلام وفي نفس الوقت تقتل السلام بالخنجر، تطالب الفلسطينيين بالانخراط في مفاوضات السلام، وفي الوقت نفسه تبني المستوطنات في الأراضي المحتلة، وتغتال النشطاء، وتضم الآثار العربية إلى التراث اليهودي، وتضع القوانين التي ترسخ احتلالها للأراضي العربية، وتحفر الأساسات الخرسانية في الجسد الفلسطيني المثخن بالألم والجراح.
إسرائيل تنادي بالسلام، تضرب وتقتل، ثم تبكي وتذرف دموع التماسيح، على طريقة "ضربني وبكى وسبقني واشتكى"، وتظهر أمام العالم كالحمل الوديع الذي مزق الإرهابيون الفلسطينيون ملابسه، وتقود في الخفاء أكبر عملية في التاريخ لسرقة وطن.
والغريب أن العرب مازالوا يصدقون أن إسرائيل تريد السلام، يمارسون سياسة الهرولة، يدورون في لعبة الكراسي الموسيقية حول كرسي وحيد تجلس عليه إسرائيل، ولا تتحرك منه أبدا، والعالم مازال بدبلوماسيته الممجوجة يشجع، ويؤيد، ويتمنى، ويعبر عن خيبة أمله .
إنها لعبة المتاهة التي تعرفها إسرائيل جيدا، لعبة الدم والقتل والخيانة، لعبة إضاعة الوقت حتى يتسنى لها التهام الكعكة كاملة، ولا يأخذ الآخرون شيئا، والعالم العربي مازال ينتظر كالجائع نصيبه الذي أخذه الغراب وطار.
التعبير عن "خيبة الأمل" أسلوب دبلوماسي قبيح طالما ساوى بين القاتل والضحية، الضارب والمضروب، المحتل وصاحب الأرض، الإرهابي والمقاوم، وهو تعبير يذكرني بتصريح لدبلوماسي فرنسي يقول فيه "ندين استعمال إسرائيل المفرط للقوة" .. إنه لا يعترض على استخدام إسرائيل للقوة، ولكنه ينتقد الإفراط بها، تماما كالذي يطلب من القاتل أن يقتل برقة، بمعنى آخر "القتل بشياكة"، أو كما يرد على ألسنة المجرمين في الأفلام السينمائية. "نظف المكان" وهو تعبير يأتي دائما بعد القتل، ولاحظ معي تعبير "القوة" الرقيق الذي يتنافى تماما مع ما يحدث على الأرض من فظائع.
المتحدث باسم البيت الأبيض يعبر عن خيبة أمله، ولا شك أن "خيبة الأمل" الأميركية تختلف عن خيبة الأمل العربية، فخيبة الأمل عند الغرب، تعبير رقيق عن الصدمة ، وهو تعبير يمكن أن يقال لصديق أو صديقة، وهو يدور في فلك عتب المحبين ليس إلا، وما بين المحبين عتاب، أما خيبة الأمل العربية فممزوجة دائما بالفجيعة والذل والهوان.
الموقف العربي الحالي من القضية العربية، موقف مهين، نمد أيدينا بالسلام، فتقطعها إسرائيل بالسكين، وهو موقف لا يتفق مع العرف والطبيعة ولا الشخصية العربية التي ابتكرت الفروسية والشجاعة، والمؤمن الذي لا يلدغ من جحر مرتين، وديننا الذي علمنا أن "العين بالعين، والسن بالسن، والبادي أظلم".
خيبة الأمل العربية تركب جملا، ولكن العرب مازالوا يعملون بحماس غريب من أجل السلام، يدورون في لعبة الكراسي الموسيقية حول إسرائيل التي لا تتحرك أبدا.