كل الشواهد للأسف تشير إلى أن COVID-19 سيظل لفترة من الوقت، خاصة مع عدم وجود لقاح، فحتى يتوصل البشر إلى اللقاح لامفر من التعايش مع الفيروس، كما يتعايش كثيرون مع الأمراض المزمنة مثل الضغط والسكري، وظواهر كونية خطيرة مثل البراكين والزلازل.
بالطبع نقدر المحاولات التي تبذل للحصول على لقاح، وإن كان الكثير منها ـ كما يبدو لي ـ يعتمد على التخمين ، أو التضبيش، أكثر من اليقين، وهو ما سيطيل أمد البحث. أضف إلى ذلك التحديات المحيطة بعملية إنتاج لقاح، ومنها سلاسل التوريد، والصراع الذي بدأ على الملكية الفكرية، حتى لو توصل العالم إلى لقاح، سنحتاج إلى ما لا يقل عن عام لكي يصل إلى الجميع.
الفيروس قاتل غامض متسلسل سريع الإنتشار أربك العالم، نسف إقتصاديات الدول، ودمر المنظومات الصحية، أغلق المدن، وحبس مليارات من البشر في المنازل، باختصار يمكننا القول أنه أول تهديد وجودي للبشر خلال قرون، كل ذلك جعل الباحثين في وضع لا يحسدون عليه، وضع يشبه من يعمل ومسدس موجه إلى رأسه.
البحث العلمي بطبيعته يحتاج إلى وقت وتجريب ويمر بمراحل طويلة من التجارب النظرية والحيوانية والسريرية ، للتأكد ليس فقط من نجاح اللقاح المفترض في العلاج، لكن أيضا عدم وجود تأثيرات جانبية له ، تذهب بفوائده أدراج الرياح.
ولكن في حالة COVID-19 كان الوضع مختلفا، فالنار تنتشر، والقتلى يتساقطون، والتهديد هذه المرة يطال الجميع.. المرأة والرجل ، الفقير والغني ، الرئيس والمواطن .. هذه الحالة الاستثنائية التي يمر بها الإنسان على كوكب الأرض، كونت حالة من الصدمة والتخبط، والذعر، ولعل أحد المظاهر لذلك أن بعض الدول قامت بشراء كميات ضخمة من لقاحات لازالت في طور التجريب.
أحد الأسباب الرئيسية لهذه المعضلة تدخل السياسة في الصحة، فرغم أن القرار في القضايا الصحية يجب أن تكون للباحثين، أفسد الساسة الأمر، فأصبحت القرارات الصحية مرتهنة بقرارات حكومية، تدخلت السياسة في الصحة ، عندما قمعت الصين الدكتور لي وينليانغ أول من حذر من الفيروس ، وبدلا من الاستماع إليه واتخاذ الإجراءات الصحية المبكرة، استدعته واتهمته بنشر الأخبار الكاذبة، وأجبرته على توقيع تعهد بالسكوت.
ظهر ذلك أيضا عندما تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ـ القَلق من أن تؤثر الأزمة على انتخابه في نوفمير ـ وقدم سيلا من الادعاءات الصحية، بدءا بفعالية عقار علاج الملاريا هيدروكسي كلوروكوين، وانتهاء باقتراحه حقن المطهر في أجساد المرضى .
تدخلت السياسة في الصحة، عندما أملت البيانات الصحية في بعض الدول، خوفا من إثارة الذعر وطرد السياح والمستثمرين مرة، وتجنبا للاتهام بالعجز في مواجهة الجائحة مرة أخرى، وأحد الأمثلة الكثيرة على ذلك عدم الإعلان عن أي إصابة في كوريا الشمالية، بينما على بعد أمتار منها في كوريا الجنوبية أعلن عن الآلاف من الإصابات.
ولعل الدليل الصارخ أيضا على تدخل السياسة في الشؤون الصحية الخناقات الدائرة حاليا بين السياسيين الذين يخططون لفتح المجتمعات، والصحيين الذي يحذرون من ذلك.
التعايش علم اجتماعي وكلمة دبلوماسية لطيفة تذكر عند التعامل مع المختلف أيا كان رأيه أو مذهبه، ولكنه هذه المرة هدنة، حرب مؤجلة تتطلب تغييرا كامل في قوانين الحياة، وهو ما سيتطلب ذلك من إجراءات وقرارات وقوانين ملزمة، المهم أن يجلس الساسة على جنب ، ويتركوا للمختصين إدارة الأزمة .