شيء محزن أن تجد شخصاً يتشدق بشعارات العدل والمساواة والحرية والديموقراطية، ولكنه ـ خارج الوظيفة ـ يؤمن إيماناً قاطعاً بالديكتاتورية، والطبقية، والقهر، والظلم ..، يهاجم الديكتاتورية في العلن .. ، وفي المساء يتفرغ لطرقعة أصابع أقدام الديكتاتور.
الديموقراطية في بعض الأحيان تكون "سبوبة"، "أقنعة" .. "مستحضرات تجميل"، يستخدمها البعض لإخفاء وجوههم القبيحة. عنوان براق يخفي وراءه عملا غير مشروع، عظة ولكنها واجهة لعملية نصب، كلمة حق أريد بها باطل .. رماد يطلقه السارق في العيون ليفوز بغنيمته.
القاعدة تقول إن البشر صنفان .. أبيض وأسود ، صالح وطالح، شريف ولص، ولكن هناك فئة رمادية قادرة على الحركة السريعة، والتلون، فحينا تجدها في مقعد الحكومة، وفي لحظة تجدها في مقعد المعارضة، يوما ترتدي مسوح الحكمة وتخطب في الناس، وتدعو للديموقراطية والحرية، وحقوق الإنسان، وفي اليوم التالي تمارس التعذيب في مركز للشرطة.
تماما كشخصية الضابط التي أداها محمود عبدالعزيز والذي كان يمارس تعذيب المواطنين في عمله الحكومي البوليسي صباحا، وفي المساء يجتمع مع زوجته وطفلته والأصدقاء ليطبع على خد زوجته قبلة رومانسية.
هناك فئة من الناس تختلف معهم وترفض معتقداتهم، ولكنك تحترمهم، لأنهم ثابتون، لا يتلونون ولا يخادعون .. ومن هنا تسهل عليك محاورتهم وإقناعهم، ولكن الفئة الأخرى مثل "فرقع لوز" لا تستطيع الإمساك بها .. تتحرك هنا، وثم تتحرك هناك، مستعدة للوقوف في كل الجهات، والتكيف مع كل الفصول .. ، كالممثل الذي يستطيع أن يقوم بأي دور ظالم أو مظلوم ، حاكم أو محكوم ..طيب أو شرير!.
وهذه الفئة من الناس الأخطر، لأن الثبات على المبدأ فضيلة، حتى ولو كان هذا المبدأ خاطئا، فمن تعرف مرضه تعرف دواءه ، أما من لا تعرف مرضه، فكيف تعالجه أو تتعامل معه، وكيف تحاوره وتناقشه، وتقنعه، هذه الفئة المتحولة من الناس كالجاسوس المزدوج الذي يتجسس لحساب الطرفين لا تهمه إلا مصلحته فقط.
والمتابع للساحة السياسية في مصر، وفي العديد من الدول العربية يكتشف أن هذه الفئة منتشرة بشكل كبير، ففي كثير من الأحيان نجد رئيسا لمنظمة لحقوق الإنسان هو أول من يخترق هذه الحقوق، ورئيسا لهيئة تعنى بنشر الحرية والديموقراطية هو أول من يدوس على الديموقراطية بقدميه.
هناك انفصام في الشخصية يعاني منه كثير من الناس، وهو أحد أدران الشخصية الإنسانية، عندما يؤمن المرء بمعتقدات ويحارب من أجلها، ولكن في الواقع لا يطبق هذا المعتقدات. كخطيب المسجد الذي ينادي من على المنبر بالرفق والرحمة، وعندما يعود إلى منزله يمارس أشد صنوف العنف النفسي والجسدي على زوجته وأبنائه.
هناك انفصام تاريخي تعاني منه الشخصية العربية، ويظهر ذلك في الفارق الكبير بين المعتقد والواقع، فالعربي في بعض الأحيان يؤمن بشيء وينفذ شيئا آخر، يهرع إلى المسجد في أوقات الصلاة ليكون في الصف الأول .. وعندما يخرج من المسجد يسرق، ويرتشي، ويظلم خلق الله .
يحدث ذلك رغم أن الدين الحق هو دين المعاملة، والإسلام ليس مجرد تعاليم يحفظها التلميذ لكي يضعها على ورقة الاختبار، وعندما يخرج من اللجنة ينسى كل شيء. الإسلام العظيم هو دين إيمان وواقع وعمل وحياة.
ولكن رغم شيوع الانفصام السلوكي بين الناس، يفضل البعض ارتداء الأقنعة الشعبية، كمروج المخدرات الذي قرر السكن بالقرب من مركز الشرطة كي يبعد الشبهات عنه، أو "ريا" التي تزوجت الشرطي عبدالعال، وغنت "وناسبنا الحكومة"، واللص الذي أسس جمعية خيرية لتكون واجهة اجتماعية تخفي نشاطه غير المشروع.
يتخذ البعض الديموقراطية والعمل الخيري ومنظمات العمل العام للتخفي أحيانا، وللتكسب أحيانا ثانية، وللظهور والشهرة أحيانا أخرى، حيث أصبحت الديموقراطية في كثير من الأحيان وسيلة للحصول على المال، والجاه، والاحترام، والمكانة الاجتماعية.
عندما قامت ثورة 25 يناير فوجئ الناس بالعديد من رموز الحزب الوطني البائد ينتقلون فجأة إلى مقعد الثوار. أصبح السجان فجأة مسجونا وضحية، وبات مهرج الملك الذي كانت كل مهمته إضحاكه، وبث السرور في قلبه، أحد الناقمين عليه. إنها صورة كاريكاتيرية ساخرة توضح لك كيف أن هذه الفئة قادرة على التلون، وتغيير الأماكن، ومجاراة أي تيار.
أيها الشرير المنافق الذي يلعب على كل الحبال، ويقدم ولاءه لأي سلطة، والمستعد دائما للسباحة في أي اتجاه.. توقف، واثبت على حال .. حتى أحترمك.