لن أكون مكتشفا أو مخترعا أو توصلت إلى نظرية جديدة إذا قلت إن المحتجين في ميادين مصر وعلى رأسها ميدان التحرير ليسوا كلهم ثوارا، وأن معظمهم رغم أنهم يعملون على إنجاح الثورة، فإن بعضهم يعمل عن قصد أو حسن نية أو غباء على إجهاضها.
أؤمن إيمانا لا يتزعزع أن الأغلبية في ميدان التحرير مواطنون شرفاء يهدفون عن طريق التظاهر أو الاعتصام إلى تنفيذ أهداف الثورة وحمايتها من السرقة أو الاختطاف، إلا أن هناك قلة أو قلائل لهم أغراض أخرى.
شاهدت في ميدان التحرير فئات مختلفة من الناس، يجسدون أنماطا متباينة. دعك من الاختلاف الاجتماعي، أو التعليمي، أو الثقافي، وركز على اختلاف الأهداف.
الفئة الأولى الموجودة في "التحرير" من الشباب المتعلم الذي يتظاهر ويعتصم للضغط على السلطات لتحقيق أهداف الثورة، الفئة الثانية من أصحاب المظالم الذي يملك كل منهم مظلمته، وجاء يعرضها في الميدان للتعبير عن الظلم الذي تعرض له أولا، أملا في تسليط الضوء عليها وحلها ثانيا، الفئة الثالثة ضحايا النظام السابق، وهي فئة تعرضت للظلم والسجن وربما للتعذيب في عهد النظام السابق، ووجدت في التظاهر والاعتصام وسيلة للتأثير والتعبير عما تعرضت له من ظلم، فئة رابعة موجودة في الميدان وهم أهالي شهداء ومصابي الثورة، وقد جاؤوا للمطالبة بحقوقهم، بعد أن طال الوقت، وكثرت الوعود من الحكومة دون تنفيذ.
الفئة الخامسة الموجودة في "التحرير"، فئة شعبية تجنح إلى التصعيد والإثارة وتتعمد المواجهة، وتقوم بمحاولة تشويه الحكومة والمجلس العسكري وكل شيء، باختصار وفقا للتعبير الشعبي "يريدون جنازة ليشبعوا فيها لطم"، وهي فئة رغم ضآلتها لا يجب الاستهانة بها. لأنه في هذا الجو المشحون بالتوتر والانفعالات يمكن أن تختلط العواطف بالانفعالات، فيتعاظم التأثير، وتختلط الأمور، ويتناثر الشرر..
تفاوت المستوى الثقافي بين المتواجدين في التحرير ليس عيبا، فهذه الثورة هي ثورة الشعب بكل فئاته، المتعلم والأمي، الفقير والغني، ولكن اختلاف الأهداف ولد حالة غريبة لا يمكن فهمها، وأثار السؤال عن كيفية تجانس كل هذه الفئات المتباينة. كيف يتجانس الشاب الذي يحب بلده والذي جاء ليتظاهر ويعتصم سلميا، مع شاب آخر جاء ليثير الفوضى، ويقول بلهجة شعبية "شعللها شعللها".
من المؤكد أن هناك فئة تريد أن "تشعللها" وفقا للفظ العامي، وهي الفئة التي تتصور أنها خاسرة، تماما كما يلجأ الفريق الخاسر في مباراة كرة قدم إلى إثارة الشغب ليلغي الحكم المباراة.
هناك أيضا أقارب وأنصار المسؤولين السابقين بدءا من الرئيس المخلوع ووزرائه وحاشيته ورجاله، والمستفيدين منهم ويمكن تقدير عددهم بالملايين. هناك أيضا فئات من المجتمع ترى في "نتائج" الثورة تهديدا مباشرا لها، من هؤلاء فئة من المسيحيين الذين يرون أن من النتائج المتوقعة للثورة صعود الإسلاميين سواء أكانوا إخوانا أم سلفيين، ويرون في ذلك تهميشا لهم.
هذه الفلول يمكن أن توجه بلطجية ومأجورين يعملون في أنحاء البلاد على إجهاض الثورة، وهناك دلائل كثيرة على وجودهم، منها واقعة "الجمل"، الدليل على ذلك أيضا تصريح وزير العدل منذ أشهر بأن هناك مليارات تنفق يوميا لإجهاض الثورة، وأن هناك من يدفع 5 آلاف جنيه للبلطجي يوميا لهذا الغرض.
فئة ليست قليلة من المعتصمين في ميدان التحرير بالقاهرة، وميدان سعد زغلول بالإسكندرية من أقارب الشهداء والمصابين الذين لم يجدوا حتى الآن ما يشفي غليلهم، فمن قتلوا وأصابوا أبنائهم، مازالوا يمارسون أعمالهم، في ظل محاكمات تمشي كالسلحفاة من ناحية، ومن ناحية أخرى لم يحصلوا على تعويضات مناسبة تخفف من مصابهم وأوضاعهم المعيشية الخانقة.
يحدث ذلك رغم المبادرات الحكومية التي تمت في هذا الاتجاه وتعهد المسؤولين بمحاكمة قتلة الشهداء وتخصيص صندوق لدعم أسر الشهداء والمصابين. ولكن يبدو أن البيروقراطية المصرية الشهيرة عجزت عن وضع القرارات بسرعة موضع التنفيذ، فأثار ذلك أهالي الشهداء والمصابين ودفعهم للاعتصام في الميادين.
نأتي بعد ذلك للفئة القليلة نسبيا والخطيرة من حيث التأثير، وهي الفئة التي ترغب في تصعيد الأمور وإشعال المواجهات ، وإحداث فتنة وبلبلة ثورية.
تضاعف الهواجس المحاولات الداخلية والخارجية لإجهاض الثورة المصرية، ففي الداخل هناك طابور من الأعداء منهم فلول الحزب الوطني الذين قامت الدولة بإقصاء بعضهم، ومن بينهم أعضاء المجالس المحلية في عموم البلاد، بينما الأغلبية مازالت متحكمة في المناصب والهيئات. وفي الخارج هناك دول وأنظمة مستعدة لإنفاق المليارات لإجهاض الثورة المصرية، لأن نجاح هذه الثورة سيوقظ المارد المصري، وإذا استيقظ المارد المصري أمكن أن تتوقع أي شيء، أقله تحرير فلسطين.
أصبح للثورة المضادة للأسف أنياب، وبات لها دول وهيئات وصحف وقنوات فضائية وأنصار، وهذا كله يحتم علينا الانتباه وعمل ثورة مضادة للثورة المضادة.
مشكلة الديموقراطية أنها تفتح الباب للجميع الصالح والطالح، كما أن الديموقراطية تقمع الجميع والحرية تفتح الباب للجميع. وعملية تعليم الديموقراطية تحتاج إلى زمن. ولا تتم بين يوم وليلة.
يجب أن ينتبه الثوار الحقيقيون إلى الفئات المندسة بينهم، التي لها أغراض أخرى غير مصلحة الوطن. يجب أن نتنبه جميعا إلى هؤلاء المخربين الذين يتحينون الفرصة للانقضاض على الوطن، كاللص الذي ينتهز فرصة التجمعات حتى يمارس عمله في الظلام.