البعض من غير المصريين أصيبوا بـ "حول سياسي" ، فبدلا من أن يتفرغوا لنقد الأوضاع السياسية في بلدانهم المحكومة بالحديد والنار، يتباكون ـ على طريقة "زكي بيه الأليت" شخصية مصطفى حسين الكاريكاتورية ـ على "الديمقراطية" في مصر.
فهل هذه "حشرية" عادية كحشرية الجارات؟، أم أنها غيرة من "التجربة المصرية"؟، أم تراهم يمارسون الديمقراطية الممنوعون من ممارستها عن طريق "التعويض النفسي"، وفقا للتعبير الشامي "الكلام إلك ياجارة".
أعلم أن العولمة التقنية جعلت القضايا العالمية واحدة، وهو الأمر الذي جعل لكل شخص الحرية في تناول أي قضية، حتى لو كانت تخص قبيلة منعزلة في القطب الشمالي، ولكن هذا لا يعني أن يتفرغ المتعولم لمناقشة النار التي تشتعل في بلد ما، بينما ثوبه تشتعل به النار، لا تعني العولمة أن يظل "أخونا" داسسا أنفه في شؤون غيره مطالبا بالحرية، بينما هو نفسه يحمل في عنقه طوق كلب، وكما يقول المثل "فاقد الشيء لا يعطيه".
أعلم أن "الحشرية" مرض اجتماعي شائع في العالم العربي، وأن البعض يهتم كثيرا بما يحدث في بيت جاره أكثر من اهتمامه بما يحدث في بيته، وأن "تلفزيون الواقع " نجح عالميا لأنه روى غريزة الانسان في "التلصص على الآخرين"، ولكن اللعنة على هذه الحشرية التي تجعل شخصا يقتحم بيتك ليقول لك .. "كل هذا، ولا تأكل ذاك"
المصريون يتنفسون سخرية، ويبدعون النكت، والأمثال، والتعليقات الضاحكة، وفي إطار ذلك سخروا من هؤلاء الحشريين الذين يدسون أنوفهم، وردوا إليهم الصاع صاعين، و"طبقوا عمليا مقولة "من تدخل فيما لا يعنيه، وجد ما لا يرضيه"، أو "ياداخل بين البصلة وقشرتها ما ينوبك إلا ريحتها".
ويحفل "فيس بوك" بالعديد من هذه الردود التي اتخذت أشكالا عدة، منها كومكس مصور يرد على الذين يدعون أن ثورة 30 يونيو، "إنقلابا"، يظهر فيه الفنان الراحل توفيق الدقن، وهو يقول "ياأخي إحنا شعب "لعين" ياأخي .. موافقين على الانقلاب .. وانت مالك" ، في توظيف طريفة لكلمة "لعين" التي كانت لازمة للفنان الراحل في أحد أفلامه.
نفس الفكرة جسدها تعليق مصور آخر استخدمت فيه شخصية "اللمبي" التي أبدع فيها الفنان محمد سعد، ويظهر اللمبي وهو يعلق على تدخل أحدهم، وهو يقول "وإنت مال أمك؟".
كومكس ثالث يصور الفنان محمود عبدالعزيز في أحد أفلامه، وهو يقول "أيوه انقلاب .. حد ليه شوق في حاجة؟".
وهي كلها تعليقات مبتكرة تعكس حجم "الزهق" الذي أصاب المصريين من هؤلاء الذين يحشرون أنفسهم في شؤونهم، ويمارسون "الحذلقة السياسية" ويدعون أن "ثورة" 30 يونيو التي خرج بها 33 مليون مصري في أكبر حشد عرفته البشرية .. "إنقلابا".
الغريب أن بعض الآراء تخرج عن شخصيات مقموعة، ويفرسك الواحد منهم وهو يتحدث، وينظر، ويتحدث عن الديمقراطية، ووجوب احترامها، وعندما تنظر إلى جنسيته تكتشف أنه من بلد ليس به "رائحة" الحرية.
البعض يرى أنها ظاهرة طبيعية، لما تمثله مصر من ثقل عربي ودولي ، ومنهم من يرجعه إلى "الحب" فيجعلنا على وشك "العياط"، ولكن يغور هذا الحب إذا كان بابا سريا لموتور يدس أنف "بينوكيو" في شؤونك الخاصة، دون وعي بأن لكل بلد ظروفه الخاصة، وأن "الذي يده في الماء ليس كمن يده في النار" كما يقول التعبير الشعبي.
المصري شخصية اجتماعية منفتحة على الآخر، لا يضيق بالنقد، حتى ولو وصل إلى التجاوز، ولكن هناك فرق بين من ينقد بـ "حب" ، ومن ينقد بـ كره" و"حقد" و"أجندة خاصة".
هذا الكلام ينطبق على عشرات السماء التي تتحدث في الشأن المصري، من هؤلاء .. "اليمنية" توكل كرمان، و"الفلسطيني" مريد البرغوثي، و"السوري" فيصل القاسم، و"الجزائرية" خديجة بن قنة.
أحيانا يبدو الأمر وكأنها مجرد حشرية زائدة من البعض، ولكن عندما تضع في اعتبارك ظاهرة "اللجان الألكترونية" التي يقودها البعض كوسيلة للحرب السياسية، و"الطابور الخامس" الذي كرمه الغرب ومنحه الجوائز، وزرعه كالسكين في خاصرة الأمة، و"الأخوة الأعداء" الذين يعملون على إفشال التجربة المصرية . من العبث أن تتحلى بحسن النية.
أحيانا يبدو الأمر وكأنه ولاء طبيعي لـ "الجماعة" وهي في الأساس تنظيم عالمي موجود كما يقولون في 80 بلدا، .. هنا تكون التعليقات المؤيدة لـ "مرسي وجماعته" من دول مختلفة تطبيقا عمليا لمبدأ "السمع والطاعة" الغبي الذي اخترعه الإخوان.
الخلاصة .. غير المصري الذي يدعم "مرسي وجماعته" أحد ثلاثة .. إما جاهل ، أو عضو كامن في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، أو يريد أن يحرق مصر بـ "جاز".