تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



برلمان فرعوني | الأمير كمال فرج


أخطأ معدو البرنامج الصباحي الشهير عندما استضافوا خبيرا في علم المصريات، ليتحدث عن ديموقراطية المصريين، فقد راح الخبير بحماس واضح يؤكد أن المصريين القدماء أسسوا برلمانا، أطلقوا عليه اسم "البرلمان الفرعوني"، وكان في حديثه الحماسي يستخدم العيون وملامح الوجه والأيدي، ويروي القصص التي جسدتها تراجم لكتابات هيروغليفية وجدت على المقابر الفرعونية القديمة، والتي تؤكد أن المصري القديم كان يتمتع بالديموقراطية الكاملة، وروى الخبير القصص التي تخبرنا كيف كان المواطن البسيط يتمتع بأقصى درجات الحرية، وكيف كان يشكو للحاكم مباشرة بلا حجّاب أو حُرّاس.

 أخطأ معدو البرنامج الصباحي خطأ فادحا عندما قدموا هذه الصورة المميزة للحرية والديموقراطية التي كانت موجودة في مصر منذ سبعة آلاف سنة، وعلى رأي المثل الذي يقول "جه يكحلها .. عماها"، لأن المشاهد قارن بحركة سريعة بين الماضي والحاضر، فلم تكن النتيجة بالطبع  لصالح المصري الآن. ولم يشعر المشاهد إلا بالأسى.

 كان الفرق شاسعا بين ديموقراطية الفراعنة التي صورها خبير المصريات وديموقراطية المصري الحديث، خاصة بعد انتخابات مجلس الشعب 2010  التي شابها العديد من الانتقادات، والتي أفرزت لنا مجلسا للشعب غاية في الغرابة، خاليا من العنصر الأهم في أي ديموقراطية وهو المعارضة،  إلا من بعض الأصوات التي تم "حشرها" في صناديق المعارضة في الجولة الثانية وفق التعبير الذكي لصحيفة "المصري اليوم".

  الصورة التي قدمها خبير المصريات لديموقراطية الفراعنة، والتي من عناصرها البرلمان والعلاقة الفريدة بين المواطن والحاكم، وحرية المواطن في التعبير عن رأيه، وتقديم شكواه، ليس بتحرير شكوى وتقديمها لمسؤول ينظر إليك شذرا، ويقول "فوت علينا بكرة"، ولكن بتقديم الشكوى للحاكم مباشرة، هذه الصورة تختلف عن ديموقراطية اليوم التي شهدت العديد من التجاوزات، كشراء الأصوات، والبلطجة الانتخابية، واقتحام مقرات التصويت، ومنع البعض من الإدلاء بصوته، وحالات التزوير التي سجلها بعض المراقبين، وهي جميعها مظاهر سجلتها أجهزة الإعلام العالمية، وجعلتنا كمصريين ـ خاصة المقيمين في الخارج ـ مكسوفين مما حدث.

أراد المعدون أن يؤكدوا أن المصريين يعرفون الديموقراطية من الأزل ، تماما كما أنهم عرفوا الطب والهندسة وعلوم البناء والعمران، وسبقوا العالم في كثير من العلوم. لقد أرادوا التأكيد على أن الانتخابات الأخيرة جسدت الديموقراطية الحقيقية، ولكن النتيجة كانت بالعكس. فقد نشط الحديث الذاكرة، وقارن المشاهد فورا بين الماضي السحيق والحاضر القريب.

 لو كان المصري القديم يمارس الديموقراطية الحقيقية التي جسدها الخبير، فما هو الوضع الذي كان منتظرا بعد سبعة آلاف سنة. الوضع المتخيل هو أن يكون المصري الحديث قد أنشأ برلمانا معجزا، يعمل بطريقة آلية "وحده" دون تدخل، فلا يحتاج المواطن إلى انتخابات، أو اعتصامات أو وقفات احتجاجية،  أو نواب يمثلونه في مجلس، ولكن يمكن للمواطن أن يمثل نفسه من خلال منظومة تقنية عالية، ترصد آراء الناس وهم في بيوتهم على مدار الساعة من خلال مجسات تقنية.

مثلا يمتلك كل مواطن في منزله جهازاً يقوم من خلاله بتسجيل ملاحظاته وشكاواه، فإذا وقف في طابور خبز أكثر من دقيقة، بإمكانه أن يضغط على زر معين في منزله لتسجيل الملاحظة، وإذا انفجرت ماسورة المجاري ولم يتم إصلاحها في غضون خمس دقائق، سجل الملاحظة فورا، وهناك في العاصمة تحت قبة مجلس الشعب الإلكتروني يستقبل جهاز البرلمان الآلي الملاحظة، ويصنفها، ويحولها هي وغيرها إلى رسومات بيانية دقيقة ترصد آراء المواطنين ورغباتهم، ويحولها نفس الجهاز ـ بدون تدخل بشري ـ إلى قرارات فورية تصدر لأجهزة الدولة لحل المشكلة.

 في البرلمان المنتظر إذا حاول أحدهم أن يحتكر السلطة أو يستغلها أو يورثها تنير إشارات الإنذار، ويسمع صوت الجهاز بلكنته الآلية المعروفة "تيت .. تيت .. عذرا غير مسموح .. هذه ليست عزبة أبوك..  جهز حقيبتك.. لقد تم تحويلك إلى التحقيق".

 أما الفساد فلن يكون له وجود، لأن البرلمان الآلي المعجزة الذي كان من المفترض وجوده يتميز بمجسات إلكترونية تكشف الفاسد من الصالح، ترفض اللص والكلاب والمرتشي ، ولا تقبل إلا الوطني المخلص.

 الوضع الطبيعي أن تكون الممارسة الديموقراطية قد تطورت ، وأصبح بوسعنا ـ عن طريق التقنية العجيبة التي تطورت أيضاً ـ تحقيق الديموقراطية ليس للمصريين فقط، ولكن للدول الأخرى، وليس للبشر فقط، بل للحيوانات والطيور، والكائنات الأقل ضعفا.

 سبعة آلاف سنة كان من الممكن أن تحدث خلالها الأعاجيب، ونقدم خلالها للعالم نظاما فريدا للديموقراطية، ليس ذلك فقط، بل نقود العالم، ونحقق رفاهية الإنسان على الأرض..، ونؤسس عالما جديدا لا يعرف الحروب والصراعات والتعصب والطائفية والمذهبية، ولا الإرهاب، ولا الديكتاتورية ولا الفقر ولا الفساد ولا التعذيب.

 ماذا حدث للمصري الذي شيد الحضارات وعلم الأمم، وقدم للعلم فنونا وعلوما وهندسة ونظما فريدة في الإدارة والحكم والديموقراطية لم يصل إليها العالم بعد؟ .. هل تعرضت هذه البقعة من العالم لكارثة طبيعية أتت على الأخضر واليابس، فرجع الشعب إلى نقطة الصفر. وبدأ من جديد، هل حدثت تغيرات في جينات المصريين، لتقل مهاراتهم، وقدرتهم على العمل والإبداع، فعجزوا عن تأسيس ديموقراطية حديثة كالتي نراها في الغرب، تشغل حتى ربع ما قدمه الأجداد.

 لم تحدث في مصر كارثة طبيعية، ولم تتغير جينات المصريين، فالمصري اليوم هو نفسه المصري القديم، في عينيه يلمع نفس الإباء، والطيبة، والإبداع، والإصرار، والعزيمة، والتفوق، والقدرة على صناعة المعجزات، ولكن هناك من يتعامل مع المصري كإنسان من ذوي الاحتياجات الخاصة، هناك من يزرع داخله اليأس، ويلهيه بلعبة الركض خلف لقمة العيش.

 في عصر الفراعنة كان المصري حرّا، أما اليوم فهناك من يقيد المارد المصري بالسلاسل الحديدية، ويمارس الوصاية عليه، ويحاول أن يحوله إلى دمية في متحف، ويشوه سمعته، ويدعي أنه ليس صالحا لاستيعاب الديموقراطية.. هذا هو الفرق.
تاريخ الإضافة: 2014-04-04 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1223
0      0
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
69%
 لا
20%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات