هناك .. على الرصيف المقابل تقف وردة ، وردة هذه ليست زهرة .. أو امرأة، أو فتاة ، أو طفلة تبيع المناديل، أو تمد يدها للتسول من المارة.
هي بقرة، وردية اللون تهز ذيلها وتبتسم وتتراقص وقت سماع الموسيقا أو الأغنيات الشعبية
ظن البعض أنها جنية وأشاع آخرون أنها معجزة.. وأن سورة بالقرآن تحمل اسم هذه البقرة دون غيرها.. أنا أعجبني جدا هذا الظن ومالت روحي إليه .. قلت أرسلها الله لتطعم أبناءه البهجة.
صرخت إحداهن بحرقة آخذة الأمر على محمل الجد ومستاءة منه حرفيا: ليس لله أبناء غير أن القرآن الكريم لم يخصص سورة لبقرة ماجنة كهذه.
وهتف آخرون: هي شيطان في صورة بقرة.. جاء لفتنة خلق الله وصرفهم عن عبادتهم كما وعد إبليس الرب.
وتأفف بعض رجال الشرطة قائلين إن تلك الوردة تسبب العديد من أزمات المرور وتعطل حركة السير!
لم أتوقف كثيرا عند آراء الآخرين كنت أحب أن أترك الناس وشأنهم يفكرون كما يحلو لهم؛ هذه أبسط حقوقهم الإنسانية، غير أن وردة كانت مستحوذة تماما على تفكيري ورأيتها زرعة حصادي القادم .. لم أرسم منذ سنوات..
علي أن أقبل هذه الوردة التي حركت في من جديد فكرة الرسم .. سأجعلها موضوع لوحتي التي تأخرت كثيرا وأشارك بها في المعارض الكبرى .. ستنال إعجاب الذين يعلمون أنها حية ترزق وترقص، وليست مجرد فكرة خيالية.. لعلها تساهم في حل أزمة السياحة في بلادي.. أظن أن الناس سيجيئون من أقصى البلاد ليشاهدوا جمال وردة .. وسيرزق أصحابها أضعاف ما يرزقون به من بيع حليبها ذو المذاق الوردي فليس لهم مصدر رزق غير وردة؛ يعيشون من حليبها، وجمع النقود من استعراضاتها أمام الناس..
لن أنسى طعم حليبها المعطر برائحة الورد ما حييت وأحرص على شرائها كلما أتيحت لي الفرصة.. أشاعت امرأة ما أن حليب وردة كان سببا في تسمم طفلتها وموتها في الحال!.. كنت قد شربت وارتويت من حليب وردة في نفس اليوم الذي تناقلت الصحف تاريخه كحادثة تسمم طفلة من بقرة محل بحث وتساؤل!
ذات كسوف شمس خرجت رغما عني والجو يشع كآبة .. لشراء بعض احتياجات لوحتي
وجدت زحاما وضوضاء.. لا أعرف لهما سببا.. دفعني فضولي لاكتشاف السر.. فاخترقت الزحام بصعوبة لأرى وردة ملقاة على الأرض وغارقة في دمائها.. من أطلق الرصاص على هذه الوردة الندية؟! لم أفهم مما سمعته من أصوات الناس شيئا.. غير أن الفهم لن يرد وردة إلى الحياة.. تبا لأعداء الجمال أينما وجدوا.
عدت إلى البيت منهكة من فرط الذهول والغل والبكاء
أطلت النظر إلى لوحتي.. حتى لاحظت عين وردة تدفعني لرسم دمعة حارة.