صدمني إعلان إذاعي وتلفزيوني للتوعية بالحفاظ على سرية البيانات البنكية يذاع بكثافة، والسبب أن الإعلان يعتمد على جملة عامية هي "إسحب عليه ".
و"إسحب عليه" تعبير شعبي جديد من ضمن مجموعة من التعبيرات الشبابية التي ظهرت في الأعوام الأخيرة، مثل "قصف الجبهة "، و"على وضعك" وهو قاموس جديد انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة مقاطع اليوتيوب، و"إسحب عليه " تعنى "اصرف النظر عنه"، بمعنى دارج "طنشه"، ولا أدرى ما علاقة السحب بالموضوع ، البعض أرجعها إلى سحب السيفون !!
يقول نص الإعلان الإذاعي الذي تم تصويره بطريقة الفيديو كليب "لو جاك واحد يطلب معلوماتك البنكية عبر الهاتف إسحب إسحب عليه ، لو جا غريب ما تعرفوا يبغى البطاقة وانت مسافر ليه اسحب عليه، ماكل واحد يكون أمين، العملة الرقمية كمين، استثمر مع مجهول هذا شي مومعقول إسحب عليه، لو يتصلون عليك ويقولون فزت بمليون اسحب عليهم قبل ما يسحبوا منك".
ومعنى الأغنية كما نرى هادف، ولكن المشكلة في استخدام تعبير "اسحب عليه" الهابط، وترويجه على نطاق واسع من خلال إعلان يبث في الإذاعات والتلفزيونات، وتحويله من كلمة هامشية تقال في غرف الشات وتعليقات الفيسبوك إلى الحياة اليومية.
ليس هدفي هنا انتقاد القاموس السري الذي يستخدمه الشباب، والتباكي على المستوى اللغوي والاجتماعي الذي وصل إليه المجتمع ، ولكن هدفي إثبات أن اللغة / اللهجة تتغير على ألسنة المتكلمين وفقا لعوامل مختلفة اجتماعية ونفسية.
فمن ناحية اللغة تضيف المجمعات اللغوية من حين لآخر للقاموس تعبيرات جديدة لم تكن موجودة في العصر القديم، وذلك بعد اجتماعات وتوافقات محددة ، وقام مجمع اللغة العربية بالقاهرة بذلك أكثر من مرة ، ومن ناحية اللهجة تستحدث المجتمعات مصطلحات لهجوية جديدة بعضها غريب وعجيب وهابط.
بالنسبة للهجة لا أخاف عليها، ففي العالم العربي آلاف اللهجات ، وتقدر دراسة للأمم المتحدة عدد اللهجات في العالم بين 5 : 7 آلاف ، بينما تشير تقديرات أخرى إلى أرقام أعلى، حيث بينت دراسة أن عدد اللهجات في إيطاليا وحدها تزيد على 10 آلاف لهجة، وفي العام العربي آلاف اللهجات، واللهجات رغم كثرتها لم تؤثر على اللغة العربية الأساسية . كما أن من الصعب مواجهة اللهجات ، لأنها ستكون الحرب الخاسرة.
ولكن الخوف على اللغة العربية الفصحى نفسها، وذلك من دخول تعبيرات جديدة عليها من ناحية، ومن ابتعاد الناس عنها شيئا فشيئا بسبب عدم الاستعمال أو بسبب طغيان اللهجات والقواميس المحلية .
لذلك كله يجب أن نعمل على الحفاظ على اللغة العربية الفصحى، من خلال تأكيد تواجدها في المناهج الدراسة ، والإذاعات والتلفزيونات ، وكشف جمالياتها من خلال الفنون الأدبية المختلفة كالشعر والمسرح.
ابتعاد الناس عن اللغة العربية الفصحى خطر ، ليس فقط على مستوى الفرد والمجتمع، ولكن على الهوية العربية التي تعتبر من أهم سماتها اللصيقة اللغة .
تاريخ الإضافة: 2018-11-21تعليق: 0عدد المشاهدات :1504