كرة القدم مهارات جسدية وعقلية، يتم تنميتها بالمران والثقافة والعلم، .. موهبة كأي موهبة تتطور بالتدريبات المكثفة، إذا وجد اللاعب الموهوب الدعم والتوجيه الصحيح سيتطور، ويصبح مثل محمد الخطيب ومحمد أبوتريكه ومحمد صلاح، وإن لم يجد سيظل محصورا في حيز البطولات الرمضانية ودوري الحواري .
لذلك أستغرب من تباكي البعض على الأداء المتواضع للفرق العربية في بطولة كأس العالم، وخروجها كلها من الدور الأول في مونديال روسيا 2018، وهي تجر أذيال الخيبة والعار، وكما يقول التعبير الشعبي "تروح فين ياصعلوك بين الملوك".
من زرع حصد، ومن طلب العلا سهر الليالي، لا مجال للفهلوة، وشغل الـ 3 ورقات، والرشوة التي تنفع في الشرق، ويقبلها المجتمع تحت مسميات مثل الحلاوة والهدية والإكرامية والبقشيش والشاي بالياسمين، لا تنفع في الغرب الذي لا يعترف إلا بالموهبة.
والمدخلات لا شك تؤدي إلى المخرجات، فمن يزرع وردا سيحصد وردا، ومن يزرع البصل لن يحصد إلا البصل ، لم يحدث أن زرع أحدهم فلاَّ فحصد جرجيرا، لذلك كان من الغريب أن ينتظر البعض من الفرق العربية تحقيق الانتصارات، قال إيه، ويحصلوا على كأس العالم.
كرة القدم إبداع ، لذلك لا يمكن مناقشتها بمعزل عن أزمة الإبداع، وعندما أتحدث عن الإبداع أعنى الإبداع في كل شيء .. الرياضة والثقافة والفن والصحافة ، والإدارة والعمل العام ، فإذا كنت تطارد المبدع وتحاصره وتزدريه ، وتضيق الخناق عليه في كل المجالات، فكيف سيخرج لك مبدع في مجال الكره ؟.
الثقافة العربية ثقافة فردية لا تعترف بالابداع، فالإبداع فرد، والحكمة فرد، والرأي دائما فردي، لا مكان للرأى الآخر، لذلك خلا العالم العربي من المبدعين الحقيقيين، ولذلك أيضا لم تنجب الأمة العربية مبدعا في أي من المجالات في الخمسين عاما الأخيرة ..
كل المبدعين الذين ظهروا مثل أحمد زويل ، ومحمد صلاح كانوا صناعة غربية، ولو ظلوا داخل مجتمعاتهم المتربة الكارهة للضوء لطمروهم في التراب.
وكانت النتيجة التخلف الذي يتخبط به العالم العربي كما يتخبط الضفدع في الماء الآسن، والإنهيار ليس في مجال كرة القدم فقط ، ولكن في الثقافة، والصحافة، والسياسة، والاقتصاد، والعمل العام.
إذا أردتم إنتاج المبدعين، عليكم أن تبدأوا من الصفر، بإعلاء قيمة العلم والموهبة والكفاءة والتي دهست في زحام المحسوبية والواسطة والمجاملة والفساد الوظيفي، ثم إقرار قواعد جديدة للبحث عن المبدعين ورعايتهم ودعمهم بكل الصور.
إذا أردتم المنافسة في المسابقات العالمية كالدول الكبرى، عليكم أولا أن تغيروا ثقافتكم الاجتماعية الفاشلة والتي تحارب الفكر والعلم والإبداع، وتفرضوا بالقانون دعم المبدع وتمكينه ووضعه في مكانه الصحيح .
عندها فقط ستنافسون العالم، وتحققون الأهداف ، ليس فقط في بطولة كأس العالم لكرة القدم ، ولكن في الاقتصاد والعلم والهندسة، وتأخذون مكانكم ـ لأول مرة ـ تحت الشمس.