تستفزني كثيرا كلمة "المشهور"، وأخواتها "المعروف" ، و"الوجيه" و"سيدة المجتمع" ، تقول وسائل الإعلام "السياسي المعروف"، وكأن المعرفة ميزة تميز بها عن خلق الله، فالمعرفة ـ إن اعترفنا بها ـ ليست ميزة ، فالمطرب الذي يقدم الحفلات الصاخبة مشهور ، والمجرم الذي يرتكب جريمة بشعة مشهور.
النقطة الأخرى أن الشهرة نسبية، فالمعروف لك ليس شرطا أن يكون معروفا لدي ، والمشهور من وجهة نظرك قد لا يعني نفس الأمر بالنسبة لي .
الشهرة في العربية هي المعروف وتقابل بـ Famous في الإنجليزية، وتعني ذائع الصيت، ومهما تعددت المعاني واللغات تظل لفظة ملتبسة ومفتعلة، خاصة عندما يحولها العرف الاجتماعي إلى طبقة اجتماعية، أو أداة مدح، أو ميزة إضافية .
تستفزني الكلمة، خاصة بعد أن حولها المجتمع إلى فشخرة كذابة، فالمشهور ـ في الصورة التي تصدر للعامة ـ حاجة كبيرة كده، بيطلع في الجرانين، وجب علينا جميعا احترامه وتقديره ، والتهليل والصراخ waw كلما رأيناه، بينما الآخرون "ولاد كلب" وجب عليهم ضرب الجزمة.
تستفزني الكلمة، لأن ولاد الهرمة لم يكتفوا باختراع الشهرة، ولكنهم حولوها إلى بيزنس، فظهرت "صحافة المشاهير" التي تقدم المجتمع المخملي الذي يخرج لسانه إلى البسطاء، و"برامج المشاهير" التي تظهر بها المذيعة المذبهلة التي تتحدث عن المشاهير وكأنهم كائنات فضائية، فتتحدث عن الموديل الجديد الذي ارتدته الفنانة الفلانية، والعلاقة السرية التي ربطت بين النجم الفلاني والنجمة الفلانية، والريجيم القاسي الذي خضعت له الممثلة العلانية، .. وهكذا أصبحت الشهرة أداة تسويق، وتجارة تدر على أصحابها الملايين.
وكأنه لم يكفنا الطبقية التاريخية الموجودة على الأرض ، والتي تقسم المجتمع إلى أغنياء وفقراء، وسادة وعبيد ، وحاكمين ومحكومين ، ومدراء وموظفين ، .. ليخترعوا لنا حاجزا اجتماعيا جديدا، هو المشهور والنكرة.
وطالما وجد المشهور لابد أن يوجد "المعجب" وهو المتلقي العبيط المنبهر دائما بالمشاهير، والذي يتلقى أي شيء دون تفكير، تنحصر كل اهتماماته في الحياة في الحصول على توقيع نجمه المفضل، وبذلك أصبح المعجبون قطاعا جديدا في المجتمع، يفرض وجوده في الرياضة والفن والسينما، في شكل جماعات وألتراس النجوم، وأصبح الإعجاب ـ نموذج التسطيح ـ سوقا كبيرة يتضمن صورا وقلائد وتيشرتات المشاهير.
ووصل الموضوع حد الهوس. لي صديق على فيسبوك مولع بالمشاهير ، أي مشاهير ، حتى ولو كان نصف مشهور أو حتى ربع مشهور يحتاج إلى بطاقة تعريف لكي تتذكره، إذا قابل أحدهم أصر على التقاط صورة معه، وظهر في اللقطة فخورا متباهيا، محتضنا الرجل، كأنه إبن خالته، بينما المشهور المسكين مصدوم لأنه لم يكن يعرف أنه مهم لهذه الدرجة.
وعندما ظهرت الشبكات الاجتماعية وانتشرت، اخترعوا "مشاهير التواصل الاجتماعي" وهم فئة قادها الحظ إلى ضم أعداد كبيرة من المتابعين ، فصعدوا هم أيضا على أكتاف المستهلك الغبي . ليس ذلك فقط، ولكنهم اخترعوا لقب "المشاهير الأطفال".
الشهرة نوع من الهيافة والخيابة، يتنافى مع العدل والقيمة والموضوعية، .. شكل جديد للفصل العنصري وهو الفصل الاجتماعي، مثل الجوائز المضروبة، والألقاب الوهمية، ولوحات السيارات المميزة، .. بدعة هدفها إلهاء الناس عن الواقع والقيم الحقيقية.