إذا وجدت شخصا حاقدا إدعس عليه، ضعه في موقف ضغط لتعرفه على حقيقته ، فالمواقف الصعبة تكشف معادن الرجال ، إذا لم يظهر شيء زد الدعس، كالراقي الذي يضرب الملبوس حتى ينطق العفريت الذي يركبه، عندها سينفجر و"يبعبع" وتظهر الحية الرقطاء التي كانت متخفية بقناع ميكي ماوس.
الحقد سمة إنسانية شاذة زادتها الثقافة العربية حدة، بسبب اقتراب وتداخل الحياة الاجتماعية العربية، فإذا تشاجر أحد مع زوجته، يستمتع الجيران بالعرض الحي للخناقة، حيث النميمة ثقافة شعبية.
ورغم أن الحقد ظاهرة موجودة وملموسة في الواقع المعاش، إلا أنها ضاعت في فوضى التصنيفات، فالبعض يعتبرها حالة اجتماعية، والبعض الآخر متفضلا يعتبرها حالة نفسية، ولكن في الحالتين فشلنا في التشخيص الصحيح.
إكتفينا بالتنفيس والتعبير عن الغضب من الحاقدين بالأمثال الشعبية مرة ، فقلنا "عين الحسود فيها عود"، وبالأغاني مرة أخرى فقلنا "ياحاسدين الناس .. مالكم ومال الناس" ، وبالقصائد العصماء تارة ثالثة عندما قلنا "اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله .. فالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله"، وفي الدراما كما في مسلسل "لهيب الحقد" لنثبت مجددا أننا شطار فقط في الكلام.
ونتيجة ذلك أصبح "الحقد الخطير" كلمة مستأنسة، .. حاجة وحشة، نعم، ولكن ظل المجتمع مستعدا للتعامل معه مثل السلبيات المقننة كالعنصرية، والشقاوة ، والنميمة، وضرب المرأة، والرجل المزواج، وزواج الكبيرة قبل الصغيرة.
"الحقد" أهم العوامل لتدمير العلاقات الانسانية، وهو لا شك أحد أسباب النزاعات والمشكلات ، وحالات الطلاق والفصل من العمل، ولو قدرت حجم قطاع واحد من أضراره وهو الضرر النفسي ستكتشف أن تأثير الحقد فادح، أما إذا قدرت الخسائر الاقتصادية ستكون بالمليارات، والأخطر هو "الجريمة"، فلو أعددنا دراسة من واقع أرشيف المحاكم، عن دافع الجريمة، ستكتشف أن الحقد محرك أساسي في نسبة لا يستهان بها من الجرائم .
رغم الخطر المؤكد للحقد على الفرد والمجتمع، تجاهله الطب الحديث، وتعامل معه كحالة اجتماعية وباب للتندر.
آن الأوان للتعامل مع الحقد كمرض نفسي خطير ، أخطر من السرطان والإيدز والشيزوفرنيا، مرض يستوجب العلاج السلوكي والدوائي، والأجازة المرضية، وإجراءات مكافحة العدوى، وأن يخضع للتصنيف الطبي من حيث المسمى العلمي والأعراض، وطرق العلاج ، والأهم تخصيص عيادات خاصة لعلاجه، وأن يكون لدينا "استشاري علاج الحقد"
حان الوقت ليقدم الخبراء والمختصون وسائل واختبارات تكشف الحقد، وتحدده ، ومستوى الخطر فيه ، من خلال أسئلة واختبارات نفسية وعضوية، وأن يكون إجتياز هذه الاختبارات مسوغا أساسيا في التوظيف، والترقي، بل والزواج.