قبيل المشي والهرولة بدقائق استعرت من إبني سماعة البلوتوث الخاصة به ، لأستمع إلى إحدى الإذاعات لتشجيع النفس على الصمود، وتجنبا لعدو الرياضة الأول وهو الملل، ولكن حظي السييء قادني لإذاعة محددة، ونظرا لعدم تمكني من تغييرها لأخرى تعرضت لأول مرة لجريمة الاستماع القسري.
عندما سمعتُ لهذه الإذاعة صدمت، فقد كان العنكبوت يعشش على الفقرة الصباحية، فمعظم الأغاني قديمة، وأسماء البرامج من أيام الخليل بن أحمد الفراهيدي، أما الموضوعات التي تناقشها مذيعة الربط ضعيفة لحد القيء، مثل الفجوة بين الأجيال.
كانت الصدمة كبيرة ، لأنني كنت أحد مستمعي هذه الإذاعة الدائمين منذ سنوات، وكانت وقتها تتميز بمذيعات ربط يتمتعن بصوت ساحر رخيم يؤكد نظرية "الأذن تعشق قبل العين أحيانا".. وكانت البرامج قادرة على إجبار المستمع على أن يثبت مؤشره وحواسه ووجدانه عليها 24 ساعة، ولكني علمت فيما بعد أن الإذاعة خضعت للتطوير، وهو ما استتبعه تغيير طاقمها بالكامل، فكان ذلك آخر عهدي بها .
منذ سنوات كنت اتابع موقعا إخباريا، لدرجة أنني كنت أدخله بمعدل 60 مرة في اليوم ، لأنه كان يتميز بالتحديث ، كلما دخلت إليه وجدت خبرا جديدا، أو تحليلا متقنا، أو متابعة حدثية ، ولكن المسؤولون عن الموقع ـ سامحهم الله ـ قرروا فجأة تغيير التصميم الخاص به، وهو ما حدث بالفعل، فدخلت الموقع بعد تدشين التطوير العظيم ، وكان ذلك آخر مرة أدخل فيها هذا الموقع حتى الآن .
هاتان الواقعتان ينبهان إلى ظاهرة غريبة في العالم العربي، وهي "تكهين أو تشريك المشاريع" بمعنى هدها وتحويلها إلى حطام، فكما توجد يد تبني وتبدع ، هناك أيادي تخرب ، ربما عن قصد ، وربما عن جهل ، وهذا يحدث في أغلب الأحوال . العديد من المشروعات الجيدة امتدت إليها اليد العابثة ، فتحولت إلى أماكن أشباح ، الكثير من الأعمال المرتَّبة والمنظمة ، والمنتجَة، زارها أبو العريف، عبقري زمانه، الذي لم تلده ولادة، فأغلقت أبوابها بالضبة والمفتاح .
"التطوير" كلمة ملغمة، فقد تعني التطوير بالفعل ، وقد تكون العبث والتخريب، .. ربما تكون بداية إحداث تغيير إيجابي ، وربما تكون بداية للإنهيار، .. الأعمال المتعثرة مهددة، والأعمال الناجحة أيضا.
وتكثر هذه الظاهرة في العالم العربي ، لأسباب مختلفة ، أحيانا بسبب الأنانية الوظيفية، فكل مسؤول يأتي ينسف أعمال سابقه، ليبدأ من جديد، لينسب الإنجاز كله لنفسه ، رغم أن المنطقي أن يضيف كل مسؤول لما قدمه سلفه، ولكن في العالم العربي .. لا .. أنا وحدى أمْ لا أحد، وهذا من أسباب تعثر الأعمال.
ومن الأسباب المحركة لهذا الخلل أيضا غياب الخبرة ، فكلما تراجع أصحاب الخبرات والكفاءات ، وتم حصارهم كالمهاجرين غير الشرعيين ، كلما تقدم الجهلاء ، ودخلت الأفكار الخائبة حيز التنفيذ.
عند تأسيس أي مشروع ، يجب تحصينه من الجهلاء وعديمي القدرات الذين تقودهم الصدفة إلى مراكز القيادة ، فيفسدون الأمر، كالطفل الذي يحوِّل المنزل المرتب الأنيق إلى خرابة.
تاريخ الإضافة: 2018-04-15تعليق: 0عدد المشاهدات :1664