الإبداع عصفور قلق ، يهتز يمنة ويسرة وأعلى وأسفل، لا يغرد إلا في الهدوء والسكينة، إذا حدثت هزة بسيطة تعكر مزاجه، وطار . لذلك لا تغرد العصافير في الأقفاص.
الإبداع خيول برية لا تنطلق وتسرع إلا في الفضاءات الرحبة، إذا تمت مصادرتها وتحويلها إلى خيول سيرك ظهرت في عينيها الدموع، وشاخت وماتت قبل الأوان، المبدع لا يعمل ويتجلى إلا في الحرية ، لذلك كان المبدعون أول ناس تكره القمع، والدكتاتورية، والوصاية، ومدراء شؤون الموظفين، وكانت التعليمات أكثر شيء طارد للمبدعين.
الأسباب نفسية واجتماعية ووجودية أيضا، فالإبداع هو الفكر والتأمل والتدبر والخلق والابتكار والاختراع، والاستشراف، وصياغة عالم أجمل وأفضل .
والإبداع كائن مزاجي، لأنه يرتبط بالإلهام الذي لا يأتي بمواعيد محددة ، إنه حالة روحية تتميز بالصفاء ، تماما مثل صفاء الصوفي لحظة تجليه مع الله . لذلك كان الدوام، والسلم الوظيفي، والقرارات الإدارية، .. أشياء تقتل المبدعين.
أتذكر أن صديقا مبدعا يعتبر الأول في مجاله في العالم العربي ، عمل في مؤسسة، وتمكن خلال شهور من لفت الانتباه ، وحقق أصداء عالمية، وقع في براثن مدير لا يعترف إلا بالداوم ، فوضع الموظف المبدع في رأسه ، وفي غضون أيام قام بفصله بحجة أنه لا يلتزم بالدوام.
والإبداع جوهر الإنجاز، عدد لي الشركات الناجحة في العالم ستجد أنها اهتمت أولا بالإبداع ، وحثت عليه ، ووفرت الأجواء المناسبة له ، إذا أردت الإنتاج العددي فلا تقلق ، هناك الكثيرون الذين يقدمون لك ذلك ، والآلات أيضا تحقق ذلك وتنتج آلاف القطع في الساعة ، وكما يقول المثل "العدد في اللمون"، ولكن إذا أردت القفزة التجارية عليك بالإبداع ، لأن فكرة مبدعة واحدة تحقق لك ذلك.
أنظر إلى مقار الشركات الكبرى العملاقة التي تقدر رؤوس أموالها بالمليارات مثل جوجل ومايكروسوفت وجوجل وفيسبوك ، ستجد البيئة العملية المبدعة ، هناك ستجد داخل مقر العمل لأول مرة مطابخ وأدوات لممارسة الرياضة والترفيه.
في مقر العمل مناطق خاصة للاسترخاء، تتضمن مسابح يستلقى بها الموظف، ويشاهد أحواض دائرية تسبح فيها الأسماك، بينما تنبعث الموسيقى في خلفية المكان، ويمكن للموظف قضاء 15 دقيقة في اليوم بهذا المكان الفريد ليجدد نشاطه ويعود للعمل، وفي مقر العمل أيضا غرف للأمهات يمكن للأم الموظفة ترك أبنائها داخله، وتنصرف إلى عملها مطمئنة البال.
أدرك هؤلاء ماهية الإبداع، والنتائج المبهرة المؤكدة، فوفروا للموظفين بيئة تساعد على التفكير والعمل والإبداع والتغريد ، فحكموا العالم وحصدوا المليارات.
النجاح ثقافة، والفشل ثقافة ، وثقافة العمل العربية بما تتضمن من قيود وروتين وقواعد غبية تتعامل مع الموظف كتمثال، ولا تفرق بين المهارات الإنسانية، لا تنتج إلا الفشل ، وفي أحسن الأحوال تنتج الأداء المحدود.
ونظرا لأن السلم الوظيفي في العالم العربي ـ كالعادات والتقاليد ـ لا يمكن تغييره، فإن الحل إنشاء مؤسسات تجارية مبدعة تعتمد على الإبداع، تستلهم التجربة الغربية في هذا المجال، وهذه الفكرة تحتاج إلى مستثمرين يتميزون بالجرأة والفكر المتقدم آمل أن نراهم في الفترة المقبلة.