زرت دبي كثيرا ، وفي كل مرة أحاول أن أكتشف سر هذه المدينة الخليجية التي حولت رمال الصحراء إلى مشاريع أولى، والحياة البدوية البسيطة إلى حضارة حقيقية، والاسم العربي المجهول إلى كلمة يتناقلها العالم بلكناته المختلفة.
في كل مرة أحاول أن أعرف سر تفوق هذه المدينة في سنوات معدودة، بينما توجد العديد من المدن العربية المنكفئة منذ نصف قرن، ولكن زياراتي السريعة دائما لم أكن أخرج منها إلا بالإعجاب، ولكن في زيارتي الأخيرة التي اختتمتها أمس أعتقد أني عرفت شيئا من أسرار هذه المدينة الخليجية العجيبة.
عشق الحاكم لمدينته يكفي لكي يعمل على تطويرها لتكون في مصاف المدن، وقد هيأ الله لدبي حكاما يحبون بلادهم، ويحلمون لها ، ليس ذلك فقط ، ولكن يعملون ليل ونهار لتحقيق الأحلام إلى حقيقة، ولكن الحب لم يكن فقط السبب ، ولكنها الرؤية ، فقد وضع حكام هذه البلاد لمدينتهم الرؤية التي تصعد بها إلى قمة المدن .
صنعت دبي مجتمعا مفتوحا لا مكان فيه إلا للكفاءات، تركت وراءها العنصرية والجنس، واللون، والمعتقدات والمذاهب والعادات والتقاليد، وغيرها من الأدران التي أعاقت العالم العربي 100 سنة ، ووضعت قانونها الخاص.
في دبي أكبر عدد من الجنسيات تجده في مدينة واحدة، ففيها يقيم الفلبيني والهندي والمصري والسوري والخليجي والأمريكي والألماني وغيرهم يتمتعون بكل الحقوق التي يتمتع بها المواطن، في دبي لا فرق بين مواطن ومقيم، الكل سواسية، والكل يعمل للنهوض بالمجتمع والدولة الإماراتية.
كل مقيم له الحق في كفالة أسرته، والتملك، والتجارة، وممارسة هواياته ومعتقداته الخاصة ، .. كل جنسيات العالم وجدت في دبي البيئة المناسبة للعمل والابداع والتفوق والتكسب والثراء، في الشوارع تجد المرأة المحجبة، وتجد أيضا الفتاة الأجنبية المتحررة، في الشارع تشاهد الساري الهندي، وعمامة السيخ، والشورت الآسيوي، كل يمارس ثقافته وحريته، والناس يحترمون في كل شخص ثقافته الخاصة ، وهذا سر دبي.
في أحد الأسواق طالعت لافتة بعنوان "لحم الخنزير لغير المسلمين"، ففي دبي احترام كامل للثقافات والمجتمعات بل والمعتقدات، والمقيم هناك ليس عبئا أو سارق أرزاق، ولكنه ثروة يدرك المسؤولون قيمتها، وهذا سر دبي.
نجحت دبي في فرض ثقافة العمل، وهي ثقافة تشبه ثقافة العمل الغربية ، فبينما تعاني ثقافة العمل العربية من الشخصنة، والثرثرة، والفساد والمحاباة، مجتمع العمل في دبي ـ كما رأيته ـ له قواعده الخاصة المجردة، ففي وقت العمل يتوقف كل شيء، ويكون الهدف الرئيسي عمل عظيم وهو الإنتاج، وهذا سر دبي.
الجميل أيضا أن دبي تحرص على إدهاش زوارها ومحبيها ، فبعد "برج خليفة" أطول برج في العالم ، كان موعدي هذه الزيارة مع "برواز دبي" الذي يعتبر قفزة معمارية مدهشة تؤكد أن المعجزة الإماراتية بدأت من الفكر.
الغريب أني علمت أن من أنشأ هذا المعلم السياحي والحضاري الضخم ، هو "بلدية دبي"، وحتى تعرف الفرق ، أنظر إلى البلديات في العالم العربي ، وماذا تقدم؟ ، وبلدية دبي وماذا تقدم ؟، ولعل ذلك أيضا من أسرار دبي .