السلطة مؤقتة، أي سلطة محددة بزمن، والسلطة الوحيدة الدائمة هي سلطة الله ، فهي غير مقيدة بزمن، أو نوع، أو حيز جغرافي، السلطة مؤقتة، مهما طالت ستنتهي سنة أو إثنين، أو حتى 30 عاما ، ويعود المرء مجردا من النفوذ والقرار والهيبة، يتقلد الإنسان المنصب نافشا ريشه كالطاووس ، ويتركه كالكتكوت منزوع الريش.
والسلطة أنواع وأشكال ، فسائق الأتوبيس سلطة ، والمعلم سلطة ، ورئيس الدولة سلطة، وهي أيضا قليلة وكبيرة ، محددة ومطلقة، وهي في الساس أمانة، والعبرة دائما في أداء الأمانة ، ماذا فعلت بهذه السلطة؟ ، هل جعلتها وسيلة لخدمة المجتمع، أم وسيلة لهبش الأموال؟.
والسلطة قد تكون أقل مما تتصور، أعرف مسؤولا جلس على المقعد 10 أيام ثم أقيل، وآخر كان حظه أوفر فجلس على الكرسي 52 يوما بالتمام والكمال، وأعرف آخرين أقيلوا ، وتركوا المنصب وهم يشعرون بالمرارة، ولكن الله نصرهم ، وأعادهم على نفس الكرسي مؤزرين منتصرين .
السلطة تمنح وتنزع ، قال تعالى "قل اللهم مالك الملك ، تعطي الملك من تشاء ، وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعز من تشاء وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير" ، ولكن الإنسان المغرور لا يتعلم ، يشاهد كل يوم الدروس والعبر ، وكيف ينتقل المسؤول فجأة من الدار للنار ، وكيف ينتهي الصولجان والجاه والمدائح إلى المرض والسجن واللعنات، ولكن لا يتعظ.
والسلطة في العالم العربي لفظة ملتبسة، ورغم أن معناه اللغوي لاغبار عليه ، فقد ضاق بها الحال لتصبح مرادفة للسلطة السياسية، وبسبب الأداء السييء للحكومات العربية ، أصبحت لفظة سيئة السمعة ، عندما تستمع إليها تستدعي فورا القمع والفساد والدكتاتورية .
والسلطة لفظة لا تجدها إلا في العالم العربي، المبتلى بجملة من الأمراض المستعصية كالعادات والتقاليد والفساد والدكتاتورية والمجاملة، والرشوة ، والمحاباة، والواسطة والمحسوبية، ففي الغرب السلطة هي "المسؤولية" ، والمسؤولية هناك محددة وموقتة، ولكن المسؤول لدينا يتشبث بالكرسي ، حتى يخيل لك أنه سيأخذه معه إلى القبر ، ولكن المسؤول هناك يقضي في منصبه عدة سنوات ثم يعود إلى مواطنا عاديا يشترى الخضروات من البقالة.
والسلطة لعنة ، لأن صاحبها سيسأل يوم الحساب عن منصبه، وعن حوائج الناس ، وعن الفاسد والمرتشي ، وعن المجتمع . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( ويلك يا عمر لو ان بغلة تعثرت في العراق لسئل عنها عمر لما لم تمهد لها الطريق).
أكثر الناس حظا في الحياة البسطاء الذين دخلوا الحياة وخرجوا منها دون أن يتقلدوا سلطة، هؤلاء ستكون خطاياهم بسيطة ، أما من حمل المسؤولية فسيحاسب على كل شيء .
والسلطة في الغرب لها قواعد وأسس ، ومسارات محددة، فيصعد الموهوب والمبدع والكفء ، أما في العالم العربي لا يصعد ـ في الغالب ـ إلا الضعيف، والقريب، والحسيب، والظريف، وصاحب النكتة، من هنا كانت السلطة مشكلة.
كلما تمتع المجتمع بالشفافية والمهنية وقواعد الإدارة السليمة كلما تقدمت المسؤولية، وكلما تقدم الفساد والمجاملة والواسطة والمحسوبية برزت السلطة سيئة السمعة.