أرفع القبعة للقاضية اللبنانية المسيحية جوسلين متى التي حكمت على 3 شبان مسلمين (16 و 18 عاما) دخلوا كنيسة مريم، وأساءوا لتمثال السيدة العذراء بحفظ سورة آل عمران في القرآن الكريم .
دعوني أشيد بهذه السيدة المسيحية التي أحرجتنا نحن المسلمون، وتجاوزت أجيالا من القانونيين الذين يعتبرون مواد القانون وسائل للعقاب ، بينما الجوهر الحقيقي للقانون الإرشاد والنصح والتأهيل .
أعبر عن كامل احترامي لهذه الأخت المسيحية التي ضربت مثلا فريدا للتعايش والتسامح والوحدة الوطنية بين عناصر الوطن المسلمين والمسيحيين وغيرهم ، ليس بالكلام والخطب الرنانة والعناق المصطنع أمام الكاميرات، ولكن بهذا الحكم الجريء الذي لم يسبقها فيه أحد.
هذه السيدة اللبنانية مثال حي للمرأة العربية التي ظلمتها الثقافة الذكورية، واعتبرها البعض آلة للإنجاب ، وناقصة عقل ودين، والشيطان الذي أخرج الرجل من الجنة، ولكنها أثبتت لنا بهذا الحكم أنها نبع الحكمة ، وميزان العدالة، ورمانة الميزان ، وطوق النجاة عندما تشتد العواصف وتعلو الأمواج .
كان من الممكن أن تطبق القاضية الجليلة القانون اللبناني الذي ينص على الغرامة والسجن على الشبان الثلاثة، وتعود إلى منزلها مرتاحة الضمير، ولكنها لم تفعل، كان من الممكن أن تغلب عليها العصبية الدينية، وهي المسيحية التي تشاهد مسلمين يسيؤون إلى دينها ومعتقداتها ، فتوقع عليهم بتشفي أقصى عقوبة، ولكنها لم تفعل.
أتذكر أحكاما مشددة صدرت بحق البعض في العالم العربي بتهمة ازدراء الأديان، رجال ونساء قضوا سنوات من أعمارهم وراء القضبان، وتعرضوا أنفسهم للإزدراء والتشهير في قضايا رأى دينية، بعضهم أدرك خطأة وتراجع واعتذر ، ولكن ذلك لم ينجيه من حكم القانون ، ومن قبله حكم المجتمع .
وجود تهمة "إزدراء الأديان" يمكن أن يعيق التفكير والبحث والاجتهاد، ولكن سأضطر لقبولها، لأسباب معينة، أهمها عدم وجود الوعي الكافي في المجتمع، وهو ما يسعل معه إثارة البسطاء، لذلك لامفر من وجود هذه التهمة بشرط الاكتفاء بالغرامة، ومنع الأحكام السالبة للحرية.
لا نعترض على الحكم الديني ، ونجل ونحترم القضاء، ونطالب دائما بالالتزام بالقانون ، ولكن للقانون روح قبل أن يكون له نص، والمواد العقابية هدفها ليس الإضرار بالفرد، ولكن إصلاحه وتوجيهه ، لكي يعود فردا صالحا في المجتمع ، لذلك يتوسع الغرب فيما يسمى الأحكام البديلة بدلا من عقوبة السجن ، فيحكم القضاه هناك بروح القانون ، ويأمرون المذنبين في مثل هذه القضايا بأداء ساعات تطوعية ، أو تعليم بعض الأميين وهكذا.
أتمنى أن يكون الحكم الذي أصدرته القاضية اللبنانية بداية مرحلة جديدة في تعامل القضاة مع ما يسمى ازدراء الأديان ، لا أقصد التهاون مع الذين يسيئون للشرائع السماوية، ولكن كل ما أطلبه التعامل مع هذه القضية بالكثير من التفهم، والحكمة ، وإحسان الظن، والتماس العذر، والأحكام البديلة ، بذلك فقط يتحقق الهدف الحقيقي من القانون ، وهو النصح والإصلاح والتأهيل .