يقدم فيسبوك خدمة فريدة هي تذكير المستخدم بتعليقات أو صور نشرها أو مواد شاركها على صفحته ، سواء قمت بذلك منذ عام أو عامين أو 10، الموقع يباهتك من حين لآخر بهذه الصور والتعليقات و"الأفعال" التي قد تكون نسيتها ، لتشعر أن التقنية العجيبة تسجل عليك أنفاسك، أو كما يقول التعبير الشعبي "دبة النملة".
بغض النظر عن البوست أو التعليق أو الفعل إيجابيا أم سلبيا ، وسواء غيرت رأيك بعد السنوات أم لا ، ستجد أمامك ما اقترفت يداك على موقع التواصل الاجتماعي الأشهر في العالم الذي يضم أكثر من مليوني مستخدم، أي ربع سكان العالم .
ذكرتني هذه السمة التي يقدمها فيسبوك ، بـ "صحيفة الأعمال" الصحيفة الأخروية التي تسجل أعمال الإنسان من لحظة ميلاده حتى وفاته ، والتي تتضمن كل شيء كبر أم صغر ، وهي الكتاب الذي يتلقاه الإنسان يوم القيامة عندما يحين الحساب، فإذا استلم العبد كتابه بيمينه فتلك هي البشرى، وإن استلمه بشماله كان ذلك مؤشر على سوء العاقبة والعياذ بالله، (فأَما من أوتي كتابَه بيمِينِه، فسوف يحاسب حسابا يسِيرًا، وَيَنقَلِب إِلَى أَهله مسرورا، وَأَما من أوتي كتابَه وراء ظهره، فَسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا)، وقد تكون الصحف مثار سعادة وتباهي، وقد تكون غير ذلك (فأما من أوتِي كتابَه بيمينه فيَقول هاؤم اقرءوا كتابيه).
لا أدرى لماذا ذكرتني الذاكرة الزمنية لفيسبوك في الدنيا ، بصحيفة الأعمال في الآخرة ، الفكرة قد تكون واحدة وهي فكرة تسجيل أفعال الإنسان، ليأتي يوم يواجه بها، ولكن إذا كان تسجيل موقع التواصل الاجتماعي يذكرنا بأقوال وأفعال ظاهرة قمنا بها منذ سنوات في مكان واحد محدد، فإن صحيفة الله سبحانه تسجل كل شيء، الظاهر والباطن، حتى لو كان خاطرا ورد على بالك (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
وإذا كان فيسبوك عندما يعرض عليك ما اقترفت يداك عليه يمنحك الخيار بأن تشاركه مع الآخرين بالضغط على كلمة "مشاركة" أم لا، فإن صحيفة أعمال الآخرة ليس لك فيها خيار، فقد أعدت لتنشر "وإذا الصحف نشرت"، وإذا كان فيسبوك يمنحك الفرصة لتعديل مشاركتك أو حذفها إن أردت ، فإن صحيفة خالق الكون لا يمكن تعديلها أو حجبها أو إخفائها ، فهي الصحيفة التي ستحاسب عليها ، فإن كانت خيرا فخير، وإن كانت شرا فشر .
نجح العلماء في تسجيل ما يصدر عن الإنسان كما نرى عبر أداة محددة مثل فيسبوك ، وقد يتطور الأمر ويتمكنوا من اختراع أداة مصورة ـ تشبه الكاميرا التي تستعين بها الشرطة لتوثيق عمليات الضبط والاستيقاف ـ يحملها المرء منذ ولادته لتسجل بالصوت والصورة كل ما يمر به الإنسان من مواقف أو يصدر عنه من حركات وأقوال وأفعال، ولكن حتى لو تمكن العلماء من ذلك ، لن يستطيعوا تسجيل الفكرة والخاطرة والنوايا ، وهو ما يقدر عليه فقط الله العظيم .
عندما تستخدم فيسبوك وتظهر لك عبارة "منشور قمت بنشره منذ 7 سنوات" تذكر أن هذا الموقع يسجل عليك ما تكتبه وما تنشره وما تشاركه، وتذكر أيضا أن الخالق العظيم يسجل عليك كذلك في "صحيفة الأعمال" ما هو أكثر من تعليق أو مشاركة عابرة .