المقال وثبة عالية للمستقبل، يعالج القضايا الكبيرة التي تهم الناس، القضايا الصغيرة مثل مشكلة الثانوية العامة، أو تصادم القطارات، والغش الجماعي لها وسائل أخرى تطرحها وتناقشها بفاعلية مثل التحقيقات الصحافية والتقارير التلفزيونية، أما المقال فيعني بقضايا أهم وأكبر .
والمقال يجب أن يناقش القضايا العامة، ليستفيد أكبر عدد من الناس، لأن الموضوعات الفردية لا تصلح للقياس، يناقش الفكر، وليس الثقافة، الوعي وليست السلوكيات، الجذور وليس الأوراق.
المقال يرتفع ليناقش حتى أكبر من الناس والمجتمع، ليستشرف قضايا البشر والعالم، ويتلمس في الظلام الحالك ملامح المستقبل الغامض.
لم أكتب يوما عن فرد أو حدث أو واقعة آنية، قد تحرك الفكرة واقعة حدثية صغيرة، ولكن عندها أمسك رأس الثعبان، وأناقش القضية الأم، لذلك تعيش الكلمة، والمقال الذي كتبته منذ 20 عاما يكون صالحا للنشر الآن.
المقال بسماته الحقيقية ظهر في مصر بشكل أوضح في الستينات على أيدى عدد من رواد الكتابة والوعي، وساهم في زيادة الوعي المصري والعربي في مرحلة هامة وهي مرحلة التحرر الوطني، ولكنه تراجع بدءامن الثمانينات.
لا يمكن أن أناقش قضية تراجع المقال بمعزل عن قضية الصحافة نفسها ، فالقضية واحدة، فإذا مرضت الصحافة مرض كل عناصرها التقرير والخبر والمقال والكاريكاتير والبورتريه، لذلك كان تراجع المقال أحد مظاهر تراجع تراجع الصحافة.
وهنا تبرز المشكلة الرئيسية وهي الحرية والتي تعتبر مقوما رئيسيا للإبداع سواء كان في مقال أو كتاب او مسرحية ، فالإبداع لا يزدهر إلا في طقس الحرية والديمقراطية.
ولكن رغم ذلك نتحمل نحن جزءا من المشكلة، بالمجاملة وتغييب الكتاب المبدعين، والتقصير في التعريف بقواعد المقال، فمثلا من مسببات المشكلة "المقال الصحفي" الذي أصبح وسيلة للثرثرة، والمجاملة، والردود على القراء.
المقال الصحفي بدعة قدمها الصحفيون، عندما خصصوا في التبويب الصحفي عواميد يومية وأسبوعية، ليكتب بها الكتاب مقالاتهم، ورغم حسن النية ، إلا أن التطبيق اتسم بالعديد من الشوائب، حيث أدى ذلك إلى تراجع المقال، وأصبحت معظم عواميد الصحف أبراج عاجية تستسهل الكتابة، وتنشر انطباعات شخصية ، وموضوعات فردية، وحكى فاضي، وغاب المقال الحقيقي الذي يحرك الأمم.
ورغم الخسائر الكبيرة التي منى بها المقال في العقود الثلاثة الأخيرة ، إلا أنه معرض لخسائر أكبر ، بعد تحرر النشر ، حيث أصبح بإمكان الجميع الكتابة عبر الإنترنت ، وظهور جيل تمرد على كل القواعد.
ولا تعني الدعوة للحفاظ على أسس المقال عدم التطور، ففي الأسبوع الماضي أجريت تجربة صغيرة، وقدمت لابنتي "حبيبة" ذات الـ 13 عاما مقالا تقرأه، وبدأت تقرأ وتبتسم وتضحك، وفي النهاية انتقدت طول المقال، فقررت بعدها أن أختصر حتى يناسب ذلك الجيل الجديد.
فيما تراجع تأثير العديد من وسائل التعبير مثل المسرحية والشعر والقصة والرواية، لصالح أشكال جديدة وغريبة من التعبير كرسائل الواتسآب، ومواقع التواصل يبقى المقال أكثر قدرة على التأثير، ولكن بشرط تكيفه مع متطلبات العصر، دون أن يفقد خصائصه الحقيقية.
تاريخ الإضافة: 2017-08-25تعليق: 0عدد المشاهدات :1938