بعد موجة المسلسلات المكسيكية المدبلجة التي سيطرت قبل 20 عاما بلقبها المعروف "أليخاندرو"، وبعد موجة الدراما التركية وأيقونتها مريم أوزرلي التي لعبت دور "السلطانة هويام"، وسحرت الفتيات بأزيائها وأكسسواراتها حتى أصبح هناك خط إنتاج من العقود والخواتم باسمها، تسيطر على البيت العربي هذا العام موجة المسلسلات الهندية.
فجأة سيطرت "راجيني" بمؤامراتها على الأسرة العربية ، للفوز بحب "لاكشي" كما سيطرت شقيقتها "سوارة"، التي تحالفت مع "سانسكار" لكشف مؤامرات الشقيقة الكبرى التي ذهبت إلى حد محاولة قتل شقيقتها بإلقائها في النهر .
فجأة وجدنا أنفسنا قلقين على "بارانتي" التي خانها زوجها، و"شارميزا" التي وجدت من زوجها "شيخار" الجحود، ورب العائلة الأصلع الذي ينهي كلماته كاتئما بالكلمة الشامية المدبلجة الطريفة "بنوب".
لفتت الدراما الهندية الانتباه بما تتضمن من طقوس وأزياء وأساطير ، ولعب بالقلوب أجاده صناع السينما الهندية سابقا، وتمكنوا بذلك من تحقيق المليارات ، حيث تشغل السينما الهندية المرتبة الثالثة في سينمات العالم .
بمجرد أن علمت أن ابنتي تتابع مسلسلا هنديا، توقعت على الفور أنني سأخسر إن حاولت إقناعها بالتوقف، لأنني أعلم جيدا مهارة الهنود في السينما والدراما ، فهم بحق أساتذة في كتابة السيناريو، والخدع السينمائية، وفن صناعة الأبطال ، والأهم أنهم عرفوا ما يطلبه المشاهدون ، .. التوليفة التي تنجح وتجذب المشاهدين وتحقق الإيرادات .
وفي الوقت الذي يحتدم الصراع بين الدراما المصرية والسورية، تأتي الدراما الهندية لتشيل "الجمل بما حمل" كما يقولون، وتستحوذ على الأسرة العربية.
وقبل أن أفكر، فوجئت بالغزو الدرامي لبيتي، واكتشفت أن بعض أفراد الأسرة يتابع أكثر من مسلسلات هندية مدبلجة هي "ومن الحب ما قتل" ، و"لهيب الحقد"، و"غيت"، و"فرصة ثانية"، وبعد الرفض والامتعاض، بدأت بالتدريج أتابع بعض الحلقات معهم، فوجدتني منجذبا لمتابعة مسلسل "ومن الحب ما قتل".
الاسم عادي، والقصة مكررة لا تخرج عن الصراعات الاجتماعية، لم يكن هناك جديد على صعيد الفكرة ولا السيناريو ولا الحبكة الدرامية، فموضوع المسلسل تم طرحه مئات المرات، ولكن الهنود تمكنوا من جذب المشاهد العربي بالأزياء الملونة الجميلة التي تتميز بها الهنديات، وأيضا الجمال الهندي اللافت الذي يشبه جمال الشرقيات، واستغلال العواطف الإنسانية .
التطويل لم يكن مشكلة الدراما المصرية فقط، فقد تفوقت الهندية في ذلك، فمن قصة إلى أخرى ، وبعد أن يوشك التسلسل المنطقي للأحداث على الانتهاء ، يدخلك المخرج إلى قصص أخرى ، وهكذا يستمر صناع المسلسل في استنزاف مشاعرك وعواطفك حتى اللحظة الأخيرة ، وحتى لو انتهى المسلسل بعد طلوع الروح ، سيقدم لك المنتجون جزءا ثانيا ، وهذا كله يؤكد على البعد التجاري في الموضوع .
ربما الدرس الوحيد الذي يمكن استخلاصه هنا كيف تعيد تغليف بضاعة مستهلكة، وتسوقها، وتبيعها للجمهور وتحقق عوائد عالية.
ولكن مادامت "الدراما" قادرة إلى هذا الحد على التأثير على أفراد الأسرة وجعلهم يتسمرون أمام الشاشات ويتشاجرون على الريموت كنترول، لماذا لا توظف الدراما لنشر السلوكيات الجميلة .. لماذا لا تكون وسيلة لنشر الجمال، والعدل، والنظافة، واحترام الآخر، وحب العلم، والتعاون الإنساني .
الدراما العربية إما غارقة في التاريخ ، أو في إعادة تقديم موضوعات قتلت طرحا كالخيانة والمخدرات والعصابات والإدمان وغيرها .. ، لم نرى مثلا دراما حدثية تناقش قضية الحرية، والديمقراطية، والفساد، والظلم الاجتماعي، ورغيف الخبز، واستغلال الدين، والإرهاب، وهي قضايا رئيسية بالعالم العربي.
لم نشاهد دراما تطرح قضية أحلام الشباب المسروقة، وقوارب الموت، والاغتراب المصري، .. لم نرى مرة دراما تطرح موضوعا حيا معاصرا ، وكأن الدراما يجب أن تروى فقط ما حدث وليس ما يحدث وسيحدث، وتلك هي المشكلة .
آمل أن يستفز الغزو الكاسح للدراما الهندية للبيت العربي صناع الدراما المستقلين لتقديم دراما جديدة، لا بأس أن تحتوى على ما يطلبه المشاهدون، ولكنها لا تخلو من الوعي والفكر والحرية .
تاريخ الإضافة: 2017-08-21تعليق: 0عدد المشاهدات :1456