عندما نتخرج نبحث عن وظيفة ، هذا ما يحدث دائما ، فبمجرد الحصول على الشهادة الكبيرة حتى قبل ذلك بسنوات يتطلع الناس .. كل الناس إلى العمل ، وسيكون أمامهم طريقين، إما العمل الحكومى وهو التعيين، وهو الخيار المفضل، وفقا للمثل الذي يقول "لو فاتك الميري اتمرغ بترابه"، أو العمل لدى القطاع الخاص .
طريقان لا ثالث لهما ، ولا مفر منهما .. ولكن من الذي ابتدع هذين الطريقين؟ ، وهل هما بالفعل طريقين فقط للعمل، ألا يوجد طريق ثالث ؟. الإجابة في معظم الأحوال لا .. ، ولكن لو تأملت جيدا ستكتشف أن الطريق الثالث موجود، ولكنه مهجور تغلب عليه الوحشة والظلام، وهو أن يؤسس الشاب مشروعه الخاص ، وإن كان ذلك خيار استثنائي ، حتى في أكثر الدول تقدما . لأن مثل هذا الطريق تعيقه متطلبات وحواجز نفسية ومجتمعية.
ظل الخياران الأولان هما الأساسيان في حياة البشر في العصر الحديث على الأقل ، وظل الخيار الثالث غريبا ونادر ا رغم أنه هو الطريق الأقصر.
ولا أدرى لماذا أهملنا هذا الطريق الثالث ، هل هي ثقافة القطيع التي تدفع الأجيال إلى المضى في الطريق الذي مشى فيه آباؤهم وأجدادهم ؟ دون اعتراض، هل هي العادة الاجتماعية التي تسير كل شيء في حياتنا ؟، أم ترى أنها ثقافة الاستسهال ، وتعني ركون المرء إلى الأسهل والإيسر، والطريق الممهد أفضل من الطريق الوعر ، واللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش ؟.
الانسان أي إنسان يملك مقومات خاصة، وهذه المقومات تختلف من شخص إلى آخر ، وفي حالة عمله لدى الغير يعطل عمدا جزءا مهما في الدماغ، وهو قدراته الخاصة ، ويرهن أفكاره الإبداعية ، وينخرط في منظمة عمل له متطلباته وقواعده ، فإن حدثت معجزة ووجد الفرصة لإبراز قدراته ضمن مضمار القطيع ، وهذا نادر ، سيتطور ويفيد ويستفيد وتتطور المنظمة ، وإن لم يتمكن سيظل هكذا في طابور القطيع إلى أن يتوفاه الله .
لا أرفض نظرية العمل لدى الغير ، لأنها المنظومة الأساسية في قطاع العمل ، ولكني أرفض أن تحتكر هذه المنظومة كل القدرات ، فلا هي استفادت منها بالشكل الصحيح ، ولا هي أفرجت عن أصحابها لكي يبرزوا قدراتهم ويفيدوا الآخرين .
أرفض أن ترهن القوة البشرية قدراتها وأفكارها وأحلامها وقدراتها التي تكون أحيانا خلاقة في منظومة عمل قد تكون فاشلة ، أو عاجزة، أرفض أن يحصل أصحاب الأعمال على الملايين ، بينما يحصل العامل أو الموظف على الراتب المحدد الذي بالكاد يكفيه للبقاء على قيد الحياة .
أعرف عشرات من الأشخاص الذين استسلموا للخيار الميري ، فأنفقوا حياتهم مقابل الراتب الشهري الذي لم يتحرك أبدا ، بينما آخرون تمردوا على هذا الوضع وانطلقوا يجربون حظوظهم في مشاريع خاصة فنجحوا ، وأصبحوا من اصحاب رؤوس الأموال . لا أقصد بالطبع أن يؤسس الشاب مشروعا كبيرا ويصبح مديرا عليه ، ما أقصده أن يعمل المرء لنفسه، ويبتكر عمله الخاص، حتى لو كانت البداية بيع أشياء بسيطة.
شركات الإنتاج الفني تمارس عملية خبيثة وهي الإحتكار ، وذلك بأن يوقع مع المطرب عقدا احتكاريا لمدة معينة مقابل مبلغ محدد أو راتب شهري ، ومقابل ذلك يلتزم المطرب بعدم العمل لدى أي شركة أخرى ، وفي بعض الأحيان تتضمن العقود الفنية شروطا مهينة كعدم الإدلاء بحديث تلفزيوني أو حتى الغناء في فرح ، مما يجعلها أشبه بعقود الإذعان والتجارة بالبشر.
عقود العمل في الحقيقة عقود إستعباد خطيرة، فجهة العمل تمنحك راتبا محددا ، وفي المقابل يأخذون حريتك ورأيك ووعيك، فليس من حقك أن تعمل في جهة أخرى ، وفي بعض الجهات يمنعونك من الشكوى أو الحديث حتى لوسائل الإعلام .
الخيار الثالث هو العمل لدى النفس خيار صعب ، ولكنه الأفضل ، لأنك بذلك ستطلق العنان لأفكارك وقدراتك ، وستعمل لصالح أهم إنسان وهو أنت .
آن الأوان لإنهاء عقود الإذعان ، وتعريف الشباب بالخيار الصعب وهو العمل لدى النفس، من خلال تشجيع روح الإبتكار والإبداع ، والتدريب على صناعة الأعمال، بذلك سنكسب قدرات جديدة تعمل وتنجح وتعمر الأرض.
تاريخ الإضافة: 2017-07-19تعليق: 0عدد المشاهدات :1468