الذاتية لفظة سيئة السمعة، ربطتها الذاكرة الجمعية بالغرور والنرجسية والأثرة والأنانية التي تعني حب الذات، ولكنك لو تأملت قليلا ستجد أن هذا أحد المفاهيم الخاطئة التي نحملها على ظهورنا دون وعي .
الذاتية في الحقيقة هي مكمن الإبداع ، ليس لأن الإبداع ينبع أساسا من الذات ، ولكن لأنها توفر للمشروع ـ أي مشروع ـ دافعية خطيرة للعمل والإنجاز. حب الانسان لنفسه سيجعله حريصا على أن تظهر في أفضل صورة ، وأن لا تشوبها الشوائب والظنون، وهذا وحده كفيل ببذل كل الجهد بدون مقابل أو ثمن لتحقيق ذلك .
لذلك كانت أعظم الأعمال تلك التي دمجت المصلحة العامة بالخاصة، الغرض الجمعى بالغرض الفردي الخاص، الهدف التقليدي العام بالهدف الشخصي.
أكدت دراسة أجنبية على ضرورة إشراك الموظف في تحديد مستقبل المؤسسة ، وإطلاعه على كل شيء بها ، وإشعاره بأن نجاح المؤسسة مصلحة شخصية له، لأنك لو حققت ذلك ستحصل منه على أعلى أداء ، وهو ما سيقود إلى نجاح المؤسسة .
لا يوجد إنسان لا يحب نفسه تلك حقيقة (1)، ولا يوجد ما هو أغلى على الانسان من نفسه تلك حقيقة (2) ، وتلك أشياء طبيعية لا يمكن الجدال بها، بعيدا عن الاستعارات والمبالغات اللغوية العاطفية التي تقول أحيانا عكس ذلك، لذلك لو نجحنا في جعل الهدف العام هدف شخصي سنحقق الكثير ، وسنمنح الفكرة وقود صخري للانطلاق .
البعض يقدمون مشاريع تطوعية، تعتمد على الإسم الشخصي ، وقد يبدو ذلك في البداية مزعجا للبعض ، ربما بسبب الغيرة الطبيعية، وربما لأنهم تعودوا أن تكون المشاريع العامة حكومية رسمية، تعودوا على غياب الفرد عن العمل العام، وتلك مشكلة الأنظمة الاشتراكية التي تربت على أن كل شيء ملك الدولة حتى الماء والهواء .
ولكن الذاتية هي التي جعلت سلوى علوان تؤسس مؤسسة ثقافية باسمها بجهود ذاتية ، وتنجح في تقديم فعاليات ثقافية وفنية هادفة كأنها وزارة ثقافة صغيرة ، الذاتية هي التي دفعت عماد قطري إلى تأسيس مؤسسه باسمه للتنمية الثقافية، ويقتطع من ماله وشقاه في الغربة ليصدر عشرات الإصدارات الثقافية لشباب ينشر لأول مرة ، لينافس بذلك دور المؤسسات الثقافية الكبرى في البلاد. الذاتية أيضا هي من ساعدت العبدلله على إطلاق موقعه الشخصي الذي حقق نجاحات يمنعنا التواضع عن ذكرها .
تلك المشاريع التي تعتمد على "الشخص" هدفها لا شك الصالح العام ، وهدفها أيضا صالح الشخص، لكن حتى لو تضمنت هدفا شخصيا، كتحقيق النجاح أو الشهرة وغيرها .. ، ورغم أن هذه المكاسب معنوية لا تغني ولا تسمن من جوع، فإنها في الغالب لا تتحقق ، حيث يكتشف الكثير من هؤلاء المتطوعين أنهم أفنوا أعمارهم في سبيل قيم نبيلة نعم ، ولكنها لا تغنى من عطش أو جوع.
ولكن حتى لو كان الهدف الأساسي شخصي ، ما الضرر من ذلك، لا أجد أي غضاضة في أن يحصل الإنسان على هذا المكسب الشخصي البسيط، وهو يقدم للمجتمع هذه المكاسب الكبيرة .
ولكن المشكلة حقا تكمن في المدعين الأغبياء عديمي الموهبة الذين يعتقدون أنهم مبدعون ومفكرون ولم تلدهم ولادة، وهم كثيرون للأسف، فيقدمون للمجتمع برامج وافكار ومشاريع خالية من المضمون، فالذاتية عند هؤلاء لا تستند إلى موهبة حقيقية.
الذاتية وقود نووى لإنجاز الأعمال ، فعندما تقترن المصلحة العامة بالمصلحة الشخصية تأكد أن العمل سيتم على ما يرام، بل أكثر مما يرام، لأنك بذلك جعلت النجاح قضية شخصية كالثأر، وهدف شخصي كالشغف، وتحدى خاص كالحياة.
تاريخ الإضافة: 2017-06-09تعليق: 0عدد المشاهدات :1757