لكل شيء في الحياة حركة ، سواء كان كائنا حيا أم جمادا، فإذا اقترن الشيء بـ "الزمن" لابد من وجود حركة، حتى الجثة تتحرك، والدليل تحللها وتحولها إلى هيئة أخرى غير تلك التي دفنت عليها وهي العظام ثم التراب، لا نقصد بالحركة الحركة البشرية المعتادة، ولكن المقصود التغير .. لتكون المعادلة إذن كائن + زمن = تغيير .

وهذه الحركة بطيئة جدا لا يمكن ملاحظتها بالنظرة الآنية، فإذا نظرت لطفل ودققت النظر فيه ، لن تجد شيئا لافتا، ولكنك إذا أخضعت هذا الطفل للبحث ستكتشف أن هناك حركة لهذا الجسم، والحركة مقرونة بالتغيير ، ولكنها حركة لا ترى بالعين المجردة ، إذا أردت أن تتأكد من وجود هذه الحركة إنتظر عام أو عامين ستكتشف أن الطفل كبر وأن الملامح تغيرت ، وإذا أردت التأكد تابع نمو الطفل والتقط له صورة كل عامين ، على مدى السنوات ستجد أنه تغير وأصبح شابا ثم رجلا ثم كهلا .

وهكذا كل مخلوق يتحرك ، الإنسان والبحار،  والتفاحة،  والشمس، والقمر، والمناخ .. وغيرها ، حركة تغيير مستمرة قدرها الله لحكمة لا يعلمها إلا هو ، لتكون بذلك دورة حياة أي شيء عبارة عن ميلاد ونمو ثم إنحسار، ثم موت، وهكذا تتجدد الحياة.

رغم مزايا مواقع التواصل الاجتماعي، هناك ميزة خفية لا يلتفت إليها أحد ، وهي كشف قيمة الوقت ، فالمتابع للموقع، سيكتشف أن كل مشاركة مؤرخة بالتاريخ والساعة والدقيقة، وعندما تترك الصفحة ساعة ثم تعود هناك تحديث مستمر للوقت ، حيث سيتغير تأريخ المشاركة ، ليصبح "نشرت منذ ساعة"، وبعد ساعة أخرى ستجد التوقيت قد تغير ليخبرك أنها "نشرت منذ ساعتين"، وبعد فترة ستجد التأريخ يذكرك أن المشاركة "نشرت منذ 21 ساعة" .. وهكذا ، وهذا التأريخ المحدث المستمر يكشف لنا لأول مرة "حركة الوقت".

فيسبوك ساعدنا لأول مرة على اكتشاف حركة الزمن البطيئة المرعبة ، فعندما ينبهك إلى أن المنشور نشر من ساعة ، أو ساعتين أو 30 ساعة ، فإنه بذلك يكشف لك أولا حركة الوقت التي من الصعب الإمساك بها، وثانيا يكشف لك سرعة هذه الحركة ، حيث تبدوا لنا لأول مرة سريعة، وأسرع مما نتصور ، وثالثا هي تنبهك إلى قيمة الوقت ، فقد مر من عمرك ساعة و 10 ساعات ، ثم 30 ساعة وهكذا ..

لمواقع التواصل إيجابياتها ، ولها أيضا سلبياتها، ومن السلبيات أنها تبدد الوقت ، وتقطع العلاقات الاجتماعية الطبيعية بين الناس، وتدخل المستخدمين في عالم إفتراضي يفصلهم عن الواقع ، وترفع من وتيرة المقارنات السلبية ، ومن الإيجابيات أنها تسهل التواصل بين الناس ، بل بين أكبر عدد من الناس ، وتزيد من الثقافات والخبرات الإنسانية ، كما أنها مصدر مهم للمعلومات والأخبار ، ومن المزايا كذلك أنها زادت من معرفة الإنسان بالآخر مهما بعد هذا الآخر .

ولكن الميزة الجديدة التي يجب أن يتم اعتمادها التحديث الزمني الذي كشف لنا حركة الوقت البطيئة المباغتة، التي لا ينتبه إليها الكثيرون .

كثير من الناس يعيشون أعمارهم الطويلة بلا هدف أو غاية، ويبددون العمر أهم شيء في الحياة كما يبدد المدخن السيجارة، ولا ينتبهون إلا عندما يرون الشيب وقد ضرب رؤوسهم، ولكن حركة الوقت التي أفصح عنها فيسبوك جرس منه مستمر ينبهك .. وكأنه حارس أمين يقول لك "انتبه لقد مر من عمرك ساعة"، "إحذر مر من عمرك ساعتان" ، "خلي بالك مر من عمرك 30 ساعة"، وبذلك تدرك قيمة الوقت .