تعصب العربي ممكن ومتوقع، والأسباب كثيرة، لأن ثقافتنا العربية مبنية على التعصب، تلك هي الحقيقة، الثقافة العربية لم تعرف ـ للأسف ـ لا الديمقراطية، ولا حرية الرأى، ولا العمل الجماعي، لا تعرف إلا الفرد، في ثقافة القبيلة هناك فقط قانون العشيرة، ومن يخرج عليه يطرد ويصبح صعلوكا.
أن يسقط الانسان العادي في التعصب شيء عادي، ولكن أن يسقط المثقف نفسه في هذا الفخ فتلك مصيبة كبرى ..، لأن من المفترض أن ننطلق كمثقفين وكتاب وعاملين في الإعلام من قيم إنسانية وأخلاقية وموضوعية عادلة.
فالواقع يؤكد أن العديد من المثقفين الذين يمارسون التنظير في الفضائيات عن الديمقراطية، والمهنية، والنقد والمكاشفة والشفافية، يتحولون في أقرب موقف إلى أوباش، الاعلامي الذي طالما صدعنا بحرية الرأى واحترام الآخر، وأهمية الحوار بمجرد ظهور قضية خلافية، يرفع في وجهك مطواة قرن غزال.
إذا لم تصدق راقب معي المشكلات التي تحدث بين دول عربية، وانظر معي كيف يتحول إعلاميون ومثقفون وقادة رأى ـ في لحظة ـ إلى رعاع، يحمل كل منهم بلطة ليناصر موقف بلده، وكأننا في وكالة البلح ، البقاء فقط للأقوى.
هناك مسؤولية اجتماعية تحكم المثقف والأديب والصحفي والإعلامي، ولكن عند الخلاف ينسى الجميع ذلك، ويرفعون شعار "طلع العنصرية اللي جوالك"، ويمارس كل منهم طقوس العنصرية البغيضة، تماما كما يفعل الجهلاء والسوقة.
جاء الاسلام العظيم في العصر الجاهلي ليلغي الطبقات ويساوى بين العباد، فلا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوي، ولكن رغم مرور أكثر من 1450 عاما على الدعوة المحمدية، لازالت العنصرية قائمة تتوارثها الأجيال، لنكتشف ـ بعد التقييم الموضوعي ـ أننا خرجنا من جاهلية أولى لندخل في جاهلية ثانية .
والسؤال الآن .. كيف تمكن الغرب الكافر من تأسيس مجتمعات متسامحة تحترم الإنسان بغض النظر عن لونه ودينه وعرقه، وكيف فشل المسلمون في ذلك ..؟. كيف تمكن الغرب من احتواء الآخر لدرجة وجود مقار للطرق الصوفية في كوبنهاجن، وفشل المسلمون في ذلك؟.
كيف أمكن لأوباما الكيني المهاجر أن يرأس أكبر دولة في العالم، وكذلك فعل ساركوزي في فرنسا؟، .. كيف استوعبت المجتمعات الغربية كفاءات مثل السوري ستيف جوبز الذي صمم جهاز الآيفون، حتى أصبحوا قيما مضافة لهم وللعالم؟.
التعصب يتسلل وينتشر، والسبب أنه يتخفى وراء العديد من الأقنعة، فمرة وراء حب الوطن، وأخرى وراء الانتماء، وثالثة وراء الأغاني الوطنية الرنانة المخدر الرسمي للشعوب.
إذا كان الدين بريء من ذلك ، وكل تعاليمه ووصاياه تحض على الرحمة، والعدل، والحرية، وحقوق الانسان ، واحترام الآخر، وتشجيع التعارف والتواصل بين الناس، فمن إذن يغذي جرثومة التعصب التي تنمو جيلا بعد جيل ؟.
الثقافة العربية تؤسس العنصرية وتشجع عليها، والتعليم يدسها ـ كالسم ـ في كتب الأطفال، والقوانين تشدد عليها بجهل وغباء، ووسائل الإعلام تنفخ فيها كما ينفخ الرجل في جمر الرماد، والنتيجة حرائق تندلع هنا وهناك ، مرة إثر مباراة كروية، وأخرى إثر خلاف حدودي، وثالثة إثر جدل حول العمالة المهاجرة، ورابعة عند تعيين موظف من جنسية أخرى في منصب رفيع.
العنصرية وحش خرافي يتغذي على الجهل وركام من العادات والتقاليد والتراث والحسب والنسب، ومعلقات المدح والفخر والأنا، ويتراجع كلما زاد العلم، والنقد، والموضوعية، والشفافية، والعمل الجماعي.