الخطأ وارد في أي عمل ، ليس ذلك فقط، ولكنه في كثير من الأحيان يكون علامة على الجد والاجتهاد ، فالذي يعمل كثيرا يخطيء كثيرا ، فهناك دائما علاقة مضطردة بين الخطأ والعمل، فالفاشلون الذين لا يعملون بالطبع لا يخطئون، وكذلك الذين يركضون في المضمار المحدد لا يمكن أن يخطئوا، أما الذين ينطلقون في المفازات لابد أن يخطؤوا، فالخطأ غالبا من نصيب المبدعين الذين يخترقون العوالم الجديدة.
ولكن للأسف لا يعي الكثيرون ذلك، بمجرد بروز خطأ يخرجون السكاكين، أعظم المديرين من يتفهمون الأخطاء، ويدركون أنها علامة إيجابية، فمناخ العمل الصحي مكون من صواب وخطأ، والإدارة الجيدة تعمل على زيادة مساحة الصواب وتحجيم الخطأ، لا إلغاء الأخطاء تماما .
السبب بسيط ، لأنك لو تعسفت في التعامل مع المخطيء ، ستفقده أهم ميزة، وهي الجدة والابتكار ، والقدرة على إتخاذ القرار، إذا وجد المبدع مديره يحاسبه على الخطأ، ستهتز يده، ويتردد، ثم سيشترى دماغه كما يقول التعبير الشعبي، وينخرط ـ كما يفعل الآخرون ـ في المضمار، فيكسب العمل الموظفين، ويخسر المبدعين.
إذا أردت الصراحة لا عمل بدون أخطاء، حتى لو مر المنتج على عشرات المدققين، ستظل هناك نسبة من الخطأ لتخرج لنا لسانها، وتؤكد أننا في النهاية بشر، ولسنا من الأبطال الخارقين، وفيما توجد أخطاء ظاهرة، هناك أخطاء لاترى بالعين المجردة، لا يكشفها إلا الخبير والمتخصص، فلا ضرر إذن من الأخطاء البسيطة التي يصفها الشرع بـ "اللمم"، المهم أن نتجنب الأخطاء الفادحة.
قال لي خبير إعلامي في BBC "علينا أن نحدد الأخطاء، دون تحديد المخطيء"، وهذه رؤية جديدة، لأن هدفنا مواجهة الخطأ، وليس التشهير بالمخطيء، وتجريسه على رؤوس الأشهاد.
المخترع يخطيء في تجاربه البحثية مرة وإثنين وثلاثة ، ويصيب في الرابعة ، وأحيانا يقوده الخطأ نفسه إلى إكتشاف عظيم.
في مسيرتي العملية الطويلة ، أكتشف يوميا عشرات الأخطاء ، وفي كل مرة أصحح الخطأ، وأنبه إليه، ولا يهمني من أخطأ، فالهدف الأساسي منع الخطأ ومحاصرته، لا الوشاية بالآخرين.
البعض يبتهج بأخطاء الآخرين، بمجرد أن يخطيء أحدهم، أو حتى يظهر شبه خطأ يرفعون مكبرات الصوت، ويهتفون "لووووولي"، ليتفرغ المتهم المسكين ردحا من الوقت لإثبات صحة وجهة نظره، ويخسر ـ كالعادة ـ العمل .
منذ 20 عاما أعددت دراسة عن الأخطاء الصحفية، واكتشفت أخطاء بالجملة، وتصدرت إحدى الصحف الأخطاء، وكان بعضها كوارث، ومنها نشر خبر واحد بالنص والعنوان مرتين في الصفحة الأولى، .. الآن وبعد مرور كل هذه السنوات هذه الصحيفة التي تصدرت في الأخطاء في الماضي هي أفضل صحيفة الآن.
منذ سنوات كانت صحيفة "الشرق الأوسط" تخصص مساحة يومية بعنوان "تصويبات الشرق الأوسط" تنشر بها بيانا بالأخطاء التي تضمنها عدد أمس، وهو تقليد رفيع نادر حظى باحترام القاريء، ولو كانت هذه الصحيفة تعاقب مرتكبي هذه الأخطاء اليومية لما بقيت حتى الآن.
الخطأ علامة صحية ودلالة على أن المرء يعمل ويجتهد ويفكر، وعقاب المخطيء خطأ فادح في النظم الإدارية العربية، يفقد العمل أهم عوامل النجاح وهو الابداع.