أسوأ نموذج في الحياة هو الشخص الذي يحلم، ولا يحقق حلمه، كلما بدأ وتحرك ترتعش يداه، ويتردد ، ويتراجع، كلما تقدم خطوة أرجع أخرى، واستصعب المواجهة وآثر السلامة، كالعاشق الخائب الذي يكتفي بمراقبة محبوبته كل يوم، كشرلوك هولمز، دون كلام، حتى تطفش المسكينة، وتستدعي له البوليس، تماما كما قال أبوبكر سالم بلفقيه في رائعة المحضار "سر حبي" "وانتهى المشوار كله ما تلامسنا الكتوف".
أسوا الناس من لا يحلم ، يعيش ليأكل ويشرب ، ويترك نفسه ريشة في مهب الريح، والأسوأ منه هو من يحلم ولا يسعى لتحقيق حلمه، يضع هدفه العظيم ، ولكنه يتكاسل، ويقبع في جبه العميق، فيتحول حلمه إلى كابوس.
إذا حلمتَ، تأكد ان الجميع سيقف في وجهك، هناك من يمسك الشومة، وهناك من يمسك الساطور، وهناك آخر ينظر يمنة ويسرة، ويستعد بخبث لوضع قدمه بهدوء أمامك لكي تنكفيء على وجهك، وهناك من يتفضل ويستمع إليك، وبعد تأمل يقول "خذ اختراعك واطلع على أمريكا".
في العالم العربي الحلم جريمة، لذلك يكثر عندنا الفاشلون، فمادمت هنا لابد أن تخضع لقانون الفشل ، كيف تنجح والجميع فاشلون ؟، كيف تحلم والجميع يتحركون كالموتى في الشوارع بلا هدف أو قضية ؟، كيف تفضح طابور الجهلاء الذين تسللوا إلى الهيئات والوزارات والمؤسسات .
ولكن رغم ذلك يجب أن تحلم ، وأن تحقق حلمك .. ، لأنك تعيش مرة واحدة، فإما أن تصعد كالصقور إلى القمة، أو تظل كالجرذان عند السفح، من يخسر هو أنت، ومن يكسب هو أنت.
أعرف العديد من الأكفاء الذين رفضوا المواجهة، والدخول في معارك خاسرة، وآثروا أن يهادنوا الفاشلين لكي يعيشوا ، حتى أن بعضهم إدعى الغباء والجهل، ورأى في ذلك أسلوبا للتقية ، والتكيف مع الجهلاء ، ولكن كانت نهايتهم مأساوية ، فقد خسروا، وخسر المجتمع ، وامتد الجهل وتوحش.
كتبت كثيرا عن البعد الثقافي في عملية النجاح، وقارنت بين الشرق والغرب ، فاكتشفت أن الخلل في ثقافتنا العربية الأنانية التي تعتمد على الفردية، وترفض النجاح الجماعي، ولكن رغم ذلك لم أميل إلى تحميل المجتمع كل المسؤولية، ذلك ان النجاح في الأساس جهد شخصي ، ودافع شخصي إذا لم يتوفر لن يفيد أي دعم .
ولخص الراحل الدكتور أحمد زويل المشكلة عندما ققال "الغرب ليسوا عباقرة. ونحن لسنا أغبياء، هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح ونحن نحارب الناجح حتى يفشل".
لا أحمل المجتمع كل المسؤولية، لأنني لوفعلت ذلك سأكون قد سلمت بقانون الفشل الذي يغلق الطرق، ويقول لك "اخبط راسك في الحيط"، فإصلاح ثقافة المجتمع أمر مستحيل، وإن أمكن سيحتاج إلى أجيال متعددة، وإمكانات خرافية.
المجتمع مذنب، والثقافة مذنبة ، والمسؤولون الذين يديرون الأمور مذنبون ، والسلم الوظيفي الظالم الذي لا يفرق بين الإنسان والنعجة مسؤول ، ولكن كيف لنا أن نغير كل ذلك . إذا طالبنا بالتوعية ـ كما يفعل البعض ـ بذلك سنقع في دائرة التنظير ،، ويدخل الكاتب بقارئه في حارة سد، وتصبح المستحيلات أربعة.
لذلك يجب أن ندرب أبنائنا على الحلم، ليس فقط الحلم، ولكن الحرص على تحقيقه، مهما كانت الظروف المحيطة خانقة، .. صارع، وخربش، وقاوم، وعاند، وتمسك بتحقيق حلمك ، ومهما تكالب عليك الجهلاء لوقف تقدمك ، الإرادة الشخصية قادرة على النجاح . على العكس، فإن ما تواجهه من صعاب يمكن أن يكون حافزا فريدا للإصرار على النجاح، وفقا لقانون نيوتن الثالث "لكل فعل رد فعل، مساو له في المقدار، ومضاد له في الاتجاه".