للفساد وجوه كثيرة ، لا يقتصر على اختلاس أو استغلال مادي، ولكنه كالأخطبوط له 8 أذرع، لكل منها 240 شفاطة، لو قطعت أحدها سيلتف عليك ذراع وعشرة .
فهناك الفساد الجامعي والفساد السياسي .. والفساد الوظيفي ، حتى أن هناك فساد صحفي .. من هنا يجب على العاملين في مكافحة الفساد أن يتسلحوا بقوة غير عادية، وإلا لن يتمكنوا من القضاء على التنين الأسطوري الذي يبثُّ من جوفه ألسنة النيران.
حكاية الدكتورة إلهام يمكن تصنيفها تحت الفساد الوظيفي ، فهذه الطبيبة التي تخرجت من كلية طب الأسنان عام 1983 وهي تحلم بخدمة الناس وتخفيف آلامهم، وتطوير هذا التخصص ليواكب المستويات العالمية ، وحققت نجاحات كبيرة ، لم تدري أنها ستصطدم بالفساد وجها لوجه، وتخوض ضده المعركة التي تكون عادة غير متكافئة.
الدكتورة إلهام تَعرفُ جيدا قيمة الوطن، كيف لا وهي ابنة شهيد قدم حياته من أجل الوطن ، سافر مع الجيش المصري في حرب اليمن عام 1964 ولم يعد، قدمت الدكتورة إلهام أعز مالديها من أجل الوطن، وهو الأب ، فكيف لا تدافع عن هذا الوطن بيديها وأسنانها ؟.
ووفقا للدكتورة إلهام بدأت الحكاية عام 2014 عندما قامت مديرية الشؤون الصحية بالإسكندرية بتكليفها باشارة من مكتب وكيل الوزارة للانضمام إلى لجنة الأموال العامة، فقامت الدكتورة بعملها مع أعضاء اللجنة، بكل إخلاص وتفاني ، وهدفها حماية مقدرات الوطن، وخرج التقرير ليؤكد وجود مخالفات مالية وإدارية بالملايين في مركز أبحاث الأسنان، وحُولت القضية لنيابة أموال عامة برقم 161 لسنة 2015 تحت رقم حصر تحقيق 14 لسنة 2015 .
منذ ذلك التاريخ بدأت صحة الأسكندرية مضايقة الدكتورة إلهام ، وبدأت في محاربة الطبيبة المصرية، التي كل ذنبها أنها تحب الوطن ، لذلك لم يجدوا وسيلة إلا ابنها الطبيب الشاب "آسر" بعد أن اكتشفوا فجأة أنه يعمل في مركز أبحاث طب الأسنان بسموحة.
فبعد أن استلم الطبيب الشاب بالفعل عمله، رجع مدير المركز في كلامه بدون سبب ، وأزال توقيعه بالكركتر على قرار استلامه عمله ، ومنعه من الإمضاء ، وحرر إخلاء طرف إدارى بمخالفة للقانون، ونقله تعسفيا إلى العامرية التى أمضى بها عامين مدة تكليفه، ومن هنا بدأت معاناة الدكتورة إلهام الحقيقية، وكأن المسؤول الكبير استطاع أن يضغط على الجرح جيدا .
رفع الطبيب الشاب شكوى تلو الأخرى ليثبت حقه دون جدوى، .. وحتى عندما أوصى تقرير إداري رسمي بعودة الطبيب أسوة بزملائه، ورغم أن مديرة عام طب الأسنان قالت للطبيب الشاب "ارجع شغلك ورقك كله سليم"، رفض مدير المركز تمكينه من العمل، مجاملة للمسؤول الكبير، وظلت "صحة الإسكندرية" تضرب بحصارها على الطبيب الشاب، وتضغط بشدة على الجرح.
ورغم مرور سنوات ، والشكاوى المتعددة التي رفعتها الدكتورة إلهام وإبنها إلى وزارة الصحة استمر النزاع الإداري والذي طرفه الأول طبيبة ، والطرف الثاني أكبر مسؤول صحي في المحافظة، والطرف الثالث مدير مركز أبحاث.
ورغم كومة القرارات الإدارية الرسمية التي تؤكد حق الطبيب الشاب في العودة إلى عمله، لازال الفساد يضغط، ويخرج لي ولك وللدكتورة إلهام وللمجتمع لسانه، ومستقبل الطبيب الشاب مهدد بالضياع ، فمنذ منعه من عمله لم يتقاضي مرتبه، وهو ممنوع من التقدم للدراسات العليا ، ورغم اتخاذه كل الإجراءات القانونية ، إلا أن النيابة الإدارية بالإسكندرية لم تتخذ أى إجراء حتى الآن .
الدكتورة إلهام معروفة الاسم والمكان والعنوان، وكومة الأوراق الإدارية التي تثبت ما تعرضت له من تعسف إداري موجود وموثق، والكرة الآن في ملعب الأجهزة المختصة، من الرئيس السيسي إلى وزارة الصحة إلى الهيئات المختصة بمكافحة الفساد، فمن المؤكد أن هناك كثيرون يحبون هذا الوطن ـ مثل الدكتورة إلهام ـ ومستعدون للدفاع عنه بأيديهم وأسنانهم.