مصر تمتلك ثلث آثار العالم، ولكن وزارة الآثار بها أفقر وزارة في العالم، والدليل على ذلك أنها تستدين 50 مليون جنيه شهريا لصرف المرتبات.
السبب بالطبع لا يكمن في الميزانية، ولكن في ضياع الطاسة .. أقصد ضياع المفهوم العام للآثار في مصر، وضحالة الفكر الإداري الذي يدير هذه الوزارة، والذي حولها من وزارة من المفترض أن تجني المليارات سنويا إلى وزارة تتسول قوت يومها كل شهر.
انتقدت مرارا طريقة تعيين الوزراء في مصر، وأوردت أمثلة لحالة التخبط التي تصيب البلاد عند كل تعديل وزاري، وذكرت مواقف واقعية مضحكة تؤكد أن اختيار الوزير يخضع للقعدات، والانطباعات الشخصية، وكأن مصر العظيمة الرائدة خالية من المبدعين.
وتساءلت عن السبب، هل السلطة مصابة بضعف النظر لاترى إلا عند قدمها؟، أم أنه الوفاء النادر الذي يجعل السلطة تستوزر الوزير وابن الوزير وابن خال الوزير، وهو ما حدث فعلا، أم أن السبب رعب السلطة من دخول الكفاءات في دائرة القرار السياسي؟.
نفس ما يقال عن طريقة اختيار الوزراء يقال عن اختيار القيادات، المعارف والمحاسيب كلمة السر في اختيار معظم القيادات، ومن يتمكن من النفاذ من هذا الحصار يكون فلتة زمانه.
وزارة الآثار بعد زاهي حواس تدور في دائرة مفرغة، من فشل إلى آخر ، ومن نقرة إلى دحديرة ، وكانت الكوارث في عهد الوزير ممدوح الدماطي متتالية، .. فضيحة ترميم هرم زوسر أقدم هرم في التاريخ، والذي أسندت وزارة الآثار عملية ترميمه لمقاول أنفار ، وهو ما أدى إلى تشويهه، وضياع ملامحه الأساسية، وهو ما دفع اليونسكو إلى انتقاد عملية الترميم الفاشلة التي حولته من أقدم هرم في العالم إلى أحدث هرم في العالم.
فضيحة بيع تمثال سخم كا الذي يعود إلى 4 آلاف سنة وهو عمر الأهرامات والذي بيع في مزاد بريطاني ، أمام أعين وزارة الآثار التي شرع وزيرها عملية البيع ، بدعوته المواطنين بجمع 17 مليون جنيه أسترليني لشراء التمثال وإهدائه للحكومة المصرية.
الفضيحة الثالثة كانت بجلاجل، وهي كسر ذقن قناع توت عنخ آمون أجمل آثار العالم، ولصقه بأنبوبة أيبوكسي، وهي الفضيحة التي جعلت سمعة مصر على كل لسان.
ولم تخلو فترة الوزير الدماطي من الفضائح المثيرة ، وكان من بينها قيام سائحة روسية بتصوير ما قيل أنه فيلم جنسي في منطقة الأهرامات.
وكانت الفضيحة الأخيرة التي يختتم بها وزير الآثار الحالي ولايته الثانية والأخيرة تلك التي عرفت باسم "مذبحة كفر الشيخ"، والتي قام بها الوزير ورئيس قطاع المتاحف إلهام صلاح الدين بتحويل متحف كفر الشيخ المتعثر منذ ثلاث سنوات إلى دكاكين وصالات أفراح، وطرد موظفيه ومن بينهم مديره الأثري الكبير الدكتور أحمد منصور ، ونقلهم إلى أماكن مختلفة.
أنا متأكد أن وزير الآثار سيكون ضمن الذين سيشملهم "القلش" في التعديل الوزاري المرتقب، لأنه لا يعقل أن تكون القيادة السياسية غائبة عن الفشل الذي يسيطر على هذه الوزارة، وكوارثها المتتالية، والإنجازات الوهمية التي يسوقها الوزير أمام وكالات الأنباء، وتحويل المتاحف إلى دكاكين وصالات أفراح.
ولكن الإقالة لا تكفي .. لا يكفي عزل الوزير أو إعفائه أو اختيار غيره ، آن الأوان لمحاسبة الوزراء على فشلهم، ويصبح ضعف الأداء جريمة تستلزم العقاب.
وزارة الآثار لا تحتاج وزيرا جديدا يتم اختياره كالعادة من المقربين المحببين ، والظرفاء، .. ولكن تحتاج إلى غربلة شاملة، نحتاج إلى إعادة صياغة الوزارة المسؤولة عن أهم آثار العالم، وتحويلها من وزارة مستهلكة تستدين رواتبها كل شهر إلى وزارة منتجة تجنى المليارات.
نحتاج إلى خبراء في التسويق يتم استقدامهم من العالم الذكي لاستثمار الكنز الذي تملكه مصر الفقيرة المعدمة .. الآثار، وذلك سهل جدا .. فقط يحتاج الأمر إلى قرار رئاسي.