أحدثَ الإنترنت الذي دخل حياتنا منذ 25 عاما العديد من التحولات، ليس على صعيد المعرفة فقط، ولكن على الصعد الاجتماعية، والسياسية، والنفسية، والاعلامية، وطرق التواصل الانساني بشكل عام.
ومن المظاهر الجديدة التي طرأت على حياتنا بسبب الإنترنت طريقة الحصول على المعلومة، فبعد أن كان الانسان يلتمس المعلومة من الأصدقاء والجيران وزملاء العمل، وفي مرحلة متقدمة التلفزيون أبو قناة واحدة أبيض وأسود، أصبح يحصل على المعلومة بضغطة زر .
وبعد أن كان الانسان يؤمن بحكم وأقاويل مثل "لا خاب من استشار" و"اسأل مجرب وما تسألش طبيب"، أصبح لا يستشير أحدا، بسرعة يلجأ إلى الكمبيوتر، ويحدد ما يريده لينسدل أمامه شلال من المعلومات.
لم يقتصر ذلك على المواطن العادي، بل تعداه إلى المثقف، ليس ذلك فقط، ولكن أصبحت محركات البحث مصدرا أساسيا للمعلومات للصحفيين، والاعلاميين، والباحثين، حتى المسؤولين وأصحاب القرار ، وهنا مكمن الخطر .
الباحث عبر الإنترنت لم يضع في ذهنه لحظة واحدة أن المعلومة التي يحصل عليها من الإنترنت قد تكون خاطئة، وذلك بالطبع محتمل، لأن النشر عبر الإنترنت متاح لجميع الفئات العالم والجاهل ، حسن النية وسيء النية على السواء، فلا توجد ضوابط للنشر على الإنترنت .
حتى المواقع الموسوعية المفترض فيها المصداقية أو حد أدنى منها مثل "ويكيبيديا" عانت من نفس المرض، حيث تتيح للجميع توثيق المعلومات بها حتى لو كانت خاطئة ، وتتملص من مسؤولية ذلك بوضع العبارة التالية "المقال بذرة تحتاج إلى تطوير"، وتقول للمستخدم في "تحديد المسؤولية "تتحمل مسؤولية تعديلاتك، بما أننا فقط نستضيف المحتوى الخاص بك".
نعترف أن إيجابيات الإنترنت كثيرة، ولكن السلبيات كانت أيضا كثيرة، فقد ساهمت مواقع البحث وعلى رأسها "جوجل" في انتشار المعرفة .. لاشك في ذلك، ولكنها ساهمت أيضا في انتشار الجهل . وليت الأمر اقتصر على المعلومة الخاطئة فقط، رغم أنها كما يقول المصريين "تودي في داهية"، خاصة إذا كانت طبية، ولكن تعدى ذلك إلى أن أصبح الانترنت للأسف وسيلة للتحريض والإرهاب والقتل، والدليل على ذلك أن تنظيم داعش الإرهابي يجند 70 % من أنصاره عن طريق الإنترنت.
أعلنت شركة جوجل في أكتوبر 2015 أن "أكثر من 100 مليار عملية بحث شهريًا أكثر من نصفها يتم باستخدام الهواتف الذكية"، وإذا تذكرنا أن عدد سكان العالم 7 مليار نسمة، وقدرت نسبة المعلومات الصحيحة من الخاطئة، ستدرك معي حجم المشكلة.
منحتنا التقنية محركات بحث عملاقة، ولكنها عطلت في أدمغتنا عضلة البحث الحقيقي المدعوم بالبرهان والتجربة، منحتنا طرقا سهلة للحصول على المعلومة، ولكنها كانت لذيذة كالوجبات السريعة ضررها أكثر من نفعها، وكانت المعلومات مثيرة ولذيذة، ولكنها في الحقيقة أشبه بالسم في العسل.
أطالب المسؤولين في شركة جوجل بتدارك الأمر سريعا، واستحداث آلية للحد من المعلومات المُجَهَّلة، بوضع عبارة واضحة أمام المستخدم بلغته تفيد بأن "الإنترنت مصدر واسع للمعلومات، ولكن لا ضمانة لصحة هذه المعلومات" .
أيضا يمكن تصنيف المواقع وفقا لدرجة الموثوقية، بأن تكون المواقع الموثوقة بشارة خضراء، والأقل صفراء، ومتوسطة الموثوقية حمراء، لمساعدة الباحث على تلمس المعلومة الصحيحة .
زودتنا التقنية ـ مشكورة ـ بمحركات "بحث"، بينما نحن بحاجة إلى محركات عقل تساعده على التفكير، والمقارنة، والاستشهاد، وتكوين الرأي.