يقول المثل الشعبي "تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها"، ولكن في الواقع يوجد كثيرون مستعدون لأن يبيعوا أنفسهم، حتى بدون جوع، فهم ستاند باي مستعدون للبيع حتى لو كانت بطونهم ممتلئة، وكروشهم نصف متر، فالنفوس الدنيئة الوضيعة التي اعتادت على بيع نفسها ستبيع، دون الحاجة إلى دافع، و"يموت الزمار وصوابعه بتلعب".
الأديب صاحب الكلمة التي لا تنزل أبدا، والذي صدعنا لسنوات بدروس الوطنية سقط بمجرد التلويح له بقطعة من العظم، فغير رأيه 180 درجة، كيف لا ولكل مقام مقال، ولكل شيء تخريجة، وعلى رأي عبدالفتاح القصري "تنزل المرة دي".
وإذا اعترضت على هذا التحول الكبير، سيقول لك السيد المتحول "يا أخي ماتحبكهاش"، خليك كووول"، و"الدين يسر"، ويتقمص دور المواطن المقهور في فيلم "الأرض" الذي عاتبه الشيخ حسونة وعبدالهادي على التعامل مع الاقطاعيين، فرد قائلا "خد قوتي ياعبدالهادي".
والكارثة هنا مضاعفة، لأن الخيانة تأتي ممن يفترض أن يعلموا الناس المباديء، .. عرفناهم لسنوات دعاة للمثالية، واكتشفنا فجأة أنهم ليسوا سوى دعاة للدراهم، والدولارات، والتمويل الأجنبي.
في عالم الأدب المباديء مجرد وصف نظري، شعار حماسي، استعارة كاذبة، ، قناع يخفي السوس الإنساني، أكشن لزيادة حبكة الرواية، ولا قيم ولا يحزنون.
240 أديبا مصريا تقدموا لجائزة "كتارا" الأدبية التي تنظمها قطر ، 240 أديبا نادوا ـ لاشك ـ بالقيم في أعمالهم، ولكنهم رضخوا أخيرا لقواعد السوق، وشعار "الجمهور عاوز كده"، وتكالبوا على جائزة ترعاها دولة راعية للإرهاب، تورطت في قتل المصريين.
يجب أن نعترف بالتحول الكبير الذي حدث، فبينما رفض الروائي صنع الله إبراهيم عام 2003 جائزة "ملتقى الرواية العربية" المصرية بدعوى أنها تقدم من دولة تقيم علاقات مع إسرائيل، قبل إبراهيم عبدالمجيد عام 2015 جائزة كتارا القطرية التي تقدمها دولة تقيم علاقات مع إسرائيل.
منذ سنوات كشفت وثائق عن منح قطر رشاوي مالية طائلة لعشرات من الاعلاميين، والكتاب، والشخصيات السياسية والدينية، بالطبع هذه ليست إعانات خيرية لدعم الفقراء، ولكنها رشاوى تقدم تحت شعار "اطعم الفم تستحي العين".
في الماضي كانت العمالة تتم سرا، وتجنيد الجاسوس يتم وفقا لاشتراطات مشددة جسدتها الأفلام الأبيض والأسود، أما اليوم تغير الوضع، فالعمالة دخلت في الصحافة والاعلام وأخيرا الجوائز الأدبية، حتى أصبحنا أمام نموذج "الاعلامي الجاسوس"، و"الأديب الجاسوس"، أما الاشتراطات فأصبحت سهلة، يكفي أن تصف فض "اعتصام رابعة" بالمجزرة، والسيسي بالقاتل، لتتفتق الأرض فجأة عن دار نشر تتعاقد معك على إصدار أعمالك الكاملة.
إذا اتزنقت في قرشين لا تقلق، هناك طابور من العملاء المستعدين لتقديم كل شيء، وكما يقول سعد عبدالوهاب "بيع نفسك بيع قلبك شوف الشاري مين".
فضحت ثورة 30 يونيو 2013 العديد من الفئات، ومن بينهم الأدباء حيث ألقى كثير منهم أنفسهم في أحضان الإخوان، وانبروا لتسويق طائر النهضة الوهمي، .. فانتقل البعض من الليبرالية إلى الصوفية، ومن الإلحاد إلى السلفية، ومن جمعية البرادعي الوطنية للتغيير إلى جريدة الفلسطيني الضال عزمي بشارة.. الأكثرية نافقت وراوغت وباعت مبادئها في أول عطفة، وقلة وقفت أمام الطغاة.
في زمن المتحولين يجوع الأديب أو لا يجوع اطمئن، فهو مستعد دائما لبيع نفسه، والثمن بسيط جدا .. ، فقط شبه فض اعتصام رابعة بالمجزرة، والسيسي بالقاتل.