يقول العامة "راح فطيس" ، يقصدون بذلك من مات عبثا بلا هدف أو جدوى، وفي بعض الأحيان مات بلا ذنب أو جريرة، و"الموت فطسا" في اللغة هو من مات بغير علة ظاهرة، ورغم أن الموت موت في كل الأحوال، وأيا كانت الطريقة التي وقع بها، لا يستوي من مات "ميتة ربنا" كما يقولون، وآخر ألقى نفسه عامدا متعمدا في التهلكة، لا يستوي من مات هو يحاول تدمير الوطن، بآخر مات وهو يحاول أن يحميه.
قتلى فض اعتصامي "رابعة"، و"النهضة"، من الإخوان ينطبق عليهم القول "ماتوا فطسا"، فقد أضاعوا أنفسهم في معركة وهمية لم يكن لهم فيها ناقة أو جمل، كمن انتحر بالوقوف أمام قطار.
نتعاطف مع هؤلاء بغض النظر عن دوافعهم، كما نتعاطف مع الإنسان الذي تعرض للنصب، وكما نتعاطف مع القتلة الذين يرتكبون الجرائم، ويعلقون على حبال المشانق، لأنهم في النهاية بشر خلقهم الله، كان من المأمول أن تكون خواتيمهم حسنة، نتعاطف معهم رغم رفضنا للفكر الضال الذي اعتنقوه، ونتعاطف أكثر لأن هؤلاء ماتوا هباءا، بلا هدف أو غاية.
مات هؤلاء عبثا من أجل أن تحيا "جماعة" من المجرمين لم تجد شيئا تتاجر به إلا الدين، فغرروا بالبسطاء، والفقراء، والمتدينين، وصوروا لهم أن مرسي "إمام المسلمين"، وأن من عزلوه هم الكفار، وأن ثورة 30 يونيو حرب ضد الإسلام والمسلمين.
ليس ذلك فقط، ولكن الأمر وصل إلى حد الشعوذة، فادعوا أن اعتصامهم جهاد، ونصرة للشريعة، وأن أرض الاعتصام جزء من الأراضي المقدسة، يحوز العمرة إليه، وأن جبريل يصلي بالمعتصمين، وأن الرسول محمد ـ والعياذ بالله ـ طلب من مرسي أن يؤمهم للصلاة !، وأن من يشك في عودة مرسي فقد شك في وجود الله ! ، تماما كالمشعوذ الذي يخدع ضحاياه بالأكاذيب.
ولأننا شعب متدين بالفطرة، يجذبنا الشعار الإسلامي، حتى لو كان عنوان بقالة أو اسما لمنتج تجاري، انجذب هؤلاء للدعوة المشبوهة، واصطحبوا زوجاتهم وأطفالهم، ووقفوا ضد الدولة، وقطعوا الطرق، وعطلوا المصالح، وروعوا الآمنين، وعندما خاطبتهم الدولة، ودعتهم إلى فض الاعتصام أكثر من مرة، استهانوا بالتحذيرات والمناشدات المتكررة، وأصروا على البقاء.
وحتى عندما علموا باعتزام قوات الشرطة بفض الاعتصام بالقوة، لم يكترثوا، وظلوا على موقفهم، وأثناء فض الاعتصام دعتهم القوات بمكبرات الصوت إلى الخروج الآمن، أصروا على تحدى الدولة التي من أهم واجباتها فرض الأمن، فكانت النهاية المؤلمة.
من المنطق أن بين القتلى أبرياء مخدوعون، ولكن للأسف تساوي المجرم، بالمخدوع، الذكي والغبي، الذاهب من أجل عقيدة فاسدة، ومن ذهب ليحصل على وجبات مجانية، فكانت نهاية الجميع واحدة.
نقل محمد حسنين هيكل عن أمير قطر السابق الإرهابي حمد بن خليفة أن "اعتصام رابعة سيطول"، لقد خطط النظام القطري العميل لتحويل "رابعة"، و"النهضة" إلى اعتصامين دائمين، ليكون ذلك بداية لابتزاز مصر، لذلك كان فضهما ضروريا لإحباط المؤامرة، وفرض سيادة القانون.
في أحد البرامج التي تبثها قناة "العربية" حول الشأن المصري، شبهت المذيعة اللبنانية ريما مكتبي "اعتصام رابعة" بـ "الضاحية الجنوبية" في لبنان، وهي معقل حزب الله، الذي لا تجرؤ الشرطة اللبنانية على دخوله، وهو وصف رغم أنه يشير إلى حماقة مذيعة، يشير أيضا إلى ما كان ينتظر مصر لو لم يتم فض هذه التجمعات.
في ذكرى فض اعتصامي رابعة والنهضة، ندعو بالرحمة للقتلى الأبرياء، ونلعن المجرمين، ونعزي الأسر المكلومة التي لاذنب لها فيما اقترفه الأبناء، ونؤيد الدولة المصرية في كافة خطواتها من أجل فرض الأمن في كافة بقاع الوطن مهما كانت التضحيات.