كسر الخواطر حالة اجتماعية شائعة، .. هو صدمة العاشق الذي منى النفس بالوصال، فقوبل بالصد والهجران، وخيبة أمل الفقير الذي أقبل على المحسن منتظرا العدل، فلم يجد إلا الخذلان. يقول فريد الأطرش "جبر الخواطر على الله".
لذلك كان جبر الخواطر من أجمل الأفعال، ولكن ذلك عمل يفوق قدرة البشر، وإمكانياتهم، فالله هو الوحيد القادر على نصرة المظلوم، والاقتصاص له بسرعة، أما الإنسان فلا يملك إلا أن يمارس النصب الاجتماعي، ويقول "حقّك علي".
ولجبر الخواطر قيمة كبيرة في الاسلام، حتى أن البعض وصفه بـ "العبادة" ، وهو يشمل العديد من الفئات كالمظلوم والفقير الذي يجري على قوت يومه، والطفل، والعجوز ، والأرملة، والمعيلة وغيرها من الفئات الضعيفة في المجتمع.
والخاطر إذا كسر من الصعب إصلاحه، لا توجد في الحقيقة جبيرة يمكن أن تصلحه كإصابات العظام، لأن جروح الجسد تندمل، ولكن إصابات النفس تبقى حية، ملتهبة، لا تزيدها رياح الأيام إلا اشتعالا.
في رمضان الماضي نظم محافظ الإسكندرية إفطارا جماعيا لتسجيل المحافظة في موسوعة جينيس كصاحبة أكبر مائدة إفطار في العالم، فخرجت عشرات الأسر البسيطة التي تم دعوتها لهذا الإفطار، واصطحبت أبنائها وبناتها وذهبت وهي تمنى نفسها بالمشاركة في هذا الحدث الوطني الذي يتم تحت اسم مصر، ولكنها صدمت عندما طردها عاملون في المحليات بطريقة مهينة من الموقع.
كسر الخاطر لا يعني فقط أن تحرم المواطن من حقه، ولكن أن يتعشم المواطن ويمنى نفسه بملاقاة تعامل معين، فيصدم بشيء أفدح من الحرمان من الخدمة وهو البطش والإهانة.
تماما كما يتفاخر القروي البسيط بخاله البيه، فيلجأ إليه في الغربة مستنجدا، متوقعا أن يأخذه بالأحضان، فيفاجيء بإنكار الخال الذي غيرته زوجته الأجنبية، وواقع الاغتراب الجديد.
في الخارج هناك عزوف عام لدى المصريين المغتربين عن زيارة السفارات والقنصليات المصرية في الدول المختلفة، والسبب إهمال هذه الجهات في تقديم الخدمات المناسبة لمواطنيها، رغم أن هذه مهمتها الأساسية، والمؤلم أنه في بعض الأحيان، لا تقصر السفارة أو القنصلية فقط في تقديم الخدمة للمصري، ولكنها تعامله معاملة سيئة، وهذا هو كسر الخاطر بعينه.
لقد ذهب هؤلاء الذي مقار مخولة بتحقيق العدل، فجوبهوا بالظلم والبطش والتنكيل، فلم يفتقد المواطن هنا فقط العدل، ولكنه قوبل بما هو أنكى وهو الظلم.
وهناك أمثلة واقعية عديدة لكسر الخاطر ، منها الاعتداء على فتاة معاقة ذهنيا بعد ذهابها إلى قسم الشرطة، وضرب مواطن راجع قنصلية بلاده.
وتتكرر الأحداث الفردية، وتتجاور، لتشكل في النهاية ظاهرة ، وهو ما حدث قبيل ثورة 25 يناير 2011، وهو الأمر الذي دفع بالشعب إلى الانفجار، وخلع الرئيس الأسبق، وبدء حقبة جديدة من التاريخ.
كسر الخواطر مرحلة متقدمة من الظلم، ويمكن القول أنها الظلم عندما يفْجُر، ويخلع برقع الحيا، .. كجريمة القتل المقرونة بالتمثيل بالجثة، ولهذه الجريمة المزدوجة بالطبع آثار وخيمة.
احذروا من كسر خاطر المصريين، لأن هذا الشعب الطيب، المتدين، المسالم، الساخر، المتسامح إذا كسر خاطره يتحول في لحظة إلى شعب جبار، .. بركان يحرق الأخضر واليابس، وكما يقول التعبير الدارج "اتق شر الحليم إذا غضب".
تاريخ الإضافة: 2015-08-09تعليق: 0عدد المشاهدات :1664