الحركة التجارية في مصر تعتمد على الشطارة أكثر من التسويق، والفهلوة أكثر من قواعد الاستثمار، .. التجارة هنا تعتمد على البركة، ليس بمعناها الديني الذي يعني أن نعقلها ونتوكل، ولكن بالمعنى الذي يودي في داهية، .. فهناك جهل بالقوانين، وعدم وعي بمعايير البيع والشراء وهامش الربح، .. السلعة أم قرشين يسعى صاحبها إلى بيعها بـ 500 قرش . هو وشطارته .
معظم القطاعات التجارية في دول العالم تصعد أسعارها وتهبط وفقا لعوامل اقتصادية مختلفة، كالعقار، إلا في مصر، سعر الوحدة يرتبط دائما بالمزاج الشخصي، والشقة ـ إذا استمر الوضع هكذا لسنوات سيصل سعرها إلى المليار جنيه.
ولذلك عندما يحصل المواطن على علاوة أو زيادة، ترتفع الأسعار، فالتاجر الجشع ينتظر، ويراقب، وبمجرد زيادة راتب الضحية ولو جنيهات قليلة يقتنصها كالأخطبوط، ولعل أحد الأدلة على ذلك أن سعر الدجاجة يتناسب طرديا مع الرواتب، لا قواعد اقتصادية، ولا حتى عرض وطلب.. الخلاصة .. الجشع هو من يتحكم في السوق، إلا من رحم ربي.
لذلك أيضا تفشل دائما محاولات الدولة لتحسين الدخل، ويزيد التضخم ويتوحش، وتزيد الضغوط على المواطن البسيط، في ظل غياب تام للرقابة، وفوضى عامة تطال السوق.
هذه المشكلة تظهر بوضوح وتتفاقم في تجارة التجزئة، وتقل كلما صعدنا إلى مستوى الشركات والمؤسسات التي تعرف أكثر قواعد الإنتاج، وشيئا عن قواعد التسويق.
لذلك كله فشلت مصر في أن تكون بلدا للتسوق ..، رغم امتلاكها مقومات فريدة لذلك، وتعثرت تجربة مهرجانات التسوق التي نظمتها جهات رسمية، والتي حاولت أن تقدم مصر كبلد تسوق ولو في فترة محددة في الصيف، بعكس مدن أخرى مثل دبي، وجدة، وبانكوك، وسنغافورة التي نجحت في أن تنشيء أسواقا تجذب السياحة الخارجية، ويدفع السياح من أجل التسوق بها آلاف الدولارات.
الفوضى تحكم الأسواق خاصة الصغيرة ، فالتاجر الصغير الأمي أو متوسط التعليم لا يعرف آليات التسويق ولا التخفيضات ودورها في تصريف السلع ، هو بنفسه يحدد قيمة السلعة . بيعت كان بها ، وإن لم تبع تجلس كما هي حتى لو أكلتها الأرضة.
إلى سنوات قليلة كانت استراحة الركاب في محطة مصر بالإسكندرية تقدم لك الطلب مرفقا بقطعة إجبارية من الكيك، ولابد أن تأخذها هكذا بالذراع، حتى تحقق الكافيتيريا الربح، وهو التصرف الذي تطور فيما بعد ليصبح The Minimum Charge مينيمم تشارج، وهى أغبى طريقة للتسويق في العالم.
في جدة شركة كبرى تملك سلسلة محال كبرى تتبع قاعدة عجيبة، وهي أن السلعة التي يمر عليها ستة أشهر يخفض سعرها إلى النصف، وبعد فترة معينة تخفض مرة أخرى، وفي وقت معين من العام تقدم خصومات تتراوح بين 50 % : 90 % ، وفي مرحلة أخيرة يشعر المستهلك أن الشركة تريد التخلص من البضائع ولو ببلاش.
في دبي ميزة بسيطة جدا ولكنها مهمة، وهي أن المحال التجارية تبيعك بأي عملة ، ليس شرطا أن تشتري بالدرهم الإماراتي .. اشتر بالدولار .. أو الريال السعودي .. أو الجنيه الإسترليني .. ادفع بأي عملة ، فالبائع معه دائما الآلة الحاسبة ، وسيضرب عليها لثوان، ويخبرك بالمبلغ المطلوب دفعه بعملتك.
التجارة علم، وفن، ورؤية، وإبداع، والبيع لا يتم فقط بعرض السلعة، والنوم بجوارها، ولكن بالتسويق والترويج بطرق فريدة مدهشة، أما في مصر فالتاجر التعيس لا ييأس أبدا ، يفتح محله كل صباح، ويتفقد سعيدا بضاعتة الأثيرة البائرة.