يقول التعبير الشعبي "دا ياكل مال النبي"، .. وهو استعارة عفوية بليغة تصف فئة من الناس أوغلت في الغي والإجرام، تتسم بالبجاحة، وعدم الحياء، والإصرار على السرقة، لا قدسية لشيء أمامها، لا تتورع في الاستيلاء على أي مال، حتى ولو كان ملك للنبي.
بمعنى آخر كالذي يرتكب الفاحشة في جامع ـ والعياذ بالله ـ ، أو يسرق صندوق نذور، أو يسافر إلى مكة المكرمة بتأشيرة عمرة، ليسرق الحجاج في الحرم المكي الشريف. إنه الفُجر في المعصية.
يعجبني الحس الشعبي الذي قدم تعبيرات أدبية وفلسفية رفيعة تفوقت على أعظم أعمال الأدباء والفلاسفة، مستخدما في ذلك تجاربه البسيطة والعميقة في الوقت نفسه، وهي تراكيب يجب أن تدرس كدلالة على ثراء المخزون الشعبي في مصر.
استخدمت الذائقة الشعبية استعارة النبي في العديد من المواقع، فقالت "صلاة النبي أحسن"، و"إحنا زارنا النبي"، وكانت وسيلة للقسم "والنبي" .. ، و "من نبى النبي نبي" التي اشتهرت بها الراحلة زينات صدقي، واستخدمت على سبيل الوصف والاسم في "جار النبي"، ومنه اسم الكاتب الروائي جار النبي الحلو، وهذا التوظيف الشائع يؤكد تدين المصريين.
المهم أن اللصوص الذين يأكلون مال النبي قد زاد عددهم، في الماضي كان اللص يسرق متخفيا، لأنه يعلم أن ما يفعله مرفوض في المجتمع، وأنه إذا وقع لن تكون له قائمة، ولكن اليوم أصبح اللص يسرق كما نقول "عيني عينك" ..
في برنامج "كلمة حق" الذي قدمه الفنان خالد الصاوي، والذي لعب فيه دور القاضي بين شخصين متنازعين، اكتشفت أن 90 % من المشاركين في البرنامج من الحالات المتنازعة والتي وصلت إلى القضاء، من هذه الفئة، حيث كانت معظم الحالات أشخاص اقترضوا من آخرين ، وبعد فترة توقفوا عن السداد ، وقال كل منهم للآخر "اخبط راسك في الحيط".
معظم الحالات التي ظهرت عللت عدم التسديد بثورة 25 يناير 2011، والأزمة الاقتصادية التي أعقبتها، في الماضي كان من يقترض يدفع، ولكن الآن وجد الناس الشماعة الجاهزة ، والدافع النفسي لأكل أموال الناس بالباطل، وكان هذا التغير القيمي الذي حدث أحد التداعيات الاجتماعية السلبية للثورة.
ولكن هناك فئة أخطر ، وهم رجال الأعمال أو ما تعورف عليهم صحفيا باسم "الحيتان"، وهؤلاء لا يسرقون خمسة أو عشرة آلاف جنيه ، ولكنهم يؤمنون بالمثل الذي يقول "لو سرقت اسرق جمل، ولو عشقت اعشق قمر".
الفئة الأخطر من هذه وتلك المسؤولون الذين يسرقون بالقانون، وقد ساعدتهم الأنظمة الإدارية المهترئة على ذلك.
والسرقة أيا كانت صغيرة أم كبيرة فعل مجرم يجب مواجهته، وعند مواجهة الجريمة يجب أن يكون للتاريخ المرضي دور، حيث يمكن عن طريقة فهم الكثير عن شخصية السارق ودوافعه، وهو ما يساعد في التصدي له.